أعلنت أمس وزارة الداخلية تصفية 8 عناصر شباب بأرض اللواء في محافظة الجيزة، بزعم تلقي الأمن الوطني معلومات تفيد بـ «تواجد خلية إرهابية بالمنطقة تسعى لمهاجمة رجال الشرطة».
وادعت الشرطة أن الشباب بادروا إلى إطلاق الأعيرة النارية تجاه قوات الشرطة، ما دفعها إلى تصفية جميع العناصر المطلوب القبض عليها، أثناء عملية المداهمة لمحل سكنهم، وفي رواية أمنية أخرى، قالت إن عناصر إرهابية شرعت في تفجير قنبلة بدائية الصنع، فور اقتحام محل سكنهم، أدت إلى مقتل عدد كبير منهم، وإصابة بعض أفراد الشرطة.
ووسط تشكيك حقوقي في بيان وزارة الداخلية عن الواقعة، تعددت الروايات الصادرة عن مصادر أمنية، تقول إن الضحايا يتبعون تنظيم «الدولة الإسلامية»، وتارة ينتمون لـ«حسم»، وتارة لـ«الإخوان»، لكن ظلت التساؤلات تطرح نفسها حول كيفية تجاوز تلك العناصر -حال صحة الرواية الرسمية- لأكمنة الجيش والشرطة في سيناء، والوصول إلى قلب العاصمة، في الوقت الذي تقول السلطات إنهم «مطلوبون على ذمة قضايا».
هناك تساؤل آخر يبدو منطقيا: كيف تسللت تلك العناصر أصلا إلى البؤرة الأكثر سخونة في مصر، والتي تخضع منذ سنوات لحصار مشدد بموجب حالة الطوارئ المفروضة في المحافظة منذ نحو 4 سنوات، وبطاقات الهوية التي كشفت عنها الوزارة تقول إنهم من قاطني محافظتي «الجيزة» و«القاهرة»؟
شهود عيان تحدثوا لـ«الخليج الجديد»، مشيرين إلى ملاحظة ملفتة للانتباه قد تنسف الرواية الرسمية من الأساس، وهي أنهم «لم يسمعوا أي انفجار لقنبلة أو لإطلاق نار»، في وقت زعم فيه بيان «الداخلية المصرية» أن أحد الضحايا فجر عبوة ناسفة لمنع قوات الأمن من دخول المبنى.
و«أرض اللواء» منطقة شعبية مكتظة سكانيا، وعادة ما يسهر المصريون خلال الصيف إلى الفجر، وليس من المنطقي أن تتم عملية أمنية كبيرة بهذا الحجم، دون أن يسمع بها أحد، ما يعزز فرضية الاتهامات القائلة بأن الضحايا كانوا من المعتقلين لدى الأمن المصري، وجرى إحضارهم لموقع المداهمة لتصفيتهم، وإخراج المشهد باعتبارهم قتلى خلال اشتباكات مع قوات الأمن.
دليلان لافتان يعززان تلك الاتهامات، الأول البيان الرسمي ذاته، الذي أشار إلى «استمرار إطلاق أعيرة نارية تجاه القوات، لمدة أربع ساعات»، دون أن يسفر ذلك إلا عن «إصابة 3 ضباط و3 مجندين، من قوة قطاع الأمن المركزي وضابط من قوة قطاع الأمن الوطني، و2 من أفراد البحث الجنائي بمديرية أمن الجيزة، بكدمات وتم عمل الإسعافات اللازمة لهم».
عملية أمنية بهذا الحجم، من المفترض أنها تستهدف عناصر خطرة قادمة من «شمال سيناء»، وبحوزتها أسلحة آلية وحزام ناسف وكميات من المواد المتفجرة، وتستمر ساعات، دون أن يتكبد الأمن المصري أية خسائر، أمر مثير للتعجب والدهشة، خاصة أن الضحايا كانوا يقطنون الشقة الكائنة بالطابق الثالث، ما يعطيهم ميزة نوعية في التصدي لقوات الشرطة، وتكبيدها خسائر فادحة حال الاشتباك معها من موقع أعلى.
لكن الدليل الثاني يبدد كثيرا من تلك الدهشة، أشار إليه مصدر أمني بمديرية أمن الجيزة، في تصريح نقلته صحيفة «اليوم السابع»، المعروفة بقربها من أجهزة أمنية وسيادية في البلاد، يقول المصدر، إن «مناظرة جثث قتلى (الخلية الإرهابية) البالغ عددهم 10 أشخاص الذين لقوا حتفهم خلال تبادل لإطلاق النار مع الشرطة صباح الأحد تبين أنهم مصابون بأعيرة نارية بالرأس والبطن»، ما يعني أن الضحايا تم استهدافهم عن قرب وليس خلال اشتباكات كما تزعم الرواية الرسمية.
مختفيين قسريا
البيان الرسمي بشأن الواقعة، كشف عن هوية 6 من الضحايا، أغلبهم من الطلاب والشباب، وهم: «أكرم الأمير سالم محمد حرب (مواليد 1979/8/1 القاهرة ويقيم بحدائق حلوان/ فني حاسب آلي)، وعمر إبراهيم رمضان إبراهيم الديب (مواليد 1994/12/3 القاهرة ويقيم بها 103 شارع السباق/ مصر الجديدة– طالب)، معاذ أحمد يحيى أحمد (مواليد 1995/11/18 الجيزة ويقيم بها 10 شارع 3 مدينة النور/ إمبابة)، وحمزة هشام حسين إبراهيم (مواليد 1995/10/18 القاهرة ويقيم بها المطرية/ 3 شارع محمد سليمان/ عزبة شوقي– طالب بكلية الآداب بحلوان)، وشريف لطفي خليل عبدالعزيز (مواليد 1974/8/11 الجيزة ويقيم بها العجوزة/ ميدان لبنان/ 24 ش النيل الأبيض)، وخليل سيد خليل أحمد (مواليد 1990/12/11 الجيزة ويقيم بها ميت عقبة/ وادي النيل/ 8 ش محمود حبيش)».
ووفق تسجيل صوتي لوالد الضحية «عمر إبراهيم الديب»، فإن نجله الذي عاد لقضاء الإجازة في مصر، كان معتقلا لدى أجهزة الأمن في محافظة الجيزة منذ شهور، وقد يكون تعرض للقتل في أحد المقار الأمنية، وتم نقل جثته لشقة «أرض اللواء»، قائلا: أنا فخور إن ابني شهيد، وأتمنى أن أكون شهيدا معه، إنا لله وإنا إليه راجعون، هذا قدر الله، وأنا راض بقضاء الله، صامدون على الحق وإن قتلونا جميعا».
و«عمر إبراهيم الديب» 22 عاما، طالب بكلية الإعلام بجامعة «مالتي ميديا» بماليزيا، وكان في إجازة لزيارة عائلته بمصر، وهو شقيق بطل الملاكمة «إسلام الديب» الذي توفي العام الماضي في حادث سيارة بماليزيا، ووالدهما الأكاديمي والمفكر المصري الدكتور «إبراهيم الديب» مدير مركز «هويتي» والأمين العام لمؤسسة «قرآني»، في كوالالمبور.
وتنفذ وزارة الداخلية المصرية، وأجهزة سيادية أخرى، عمليات التصفية والاغتيال بحق مختفين قسريا تحت إشراف رئاسي مباشر، وبعلم من عبدالفتاح السيسي، كون الوزارة تخضع لإشراف مباشر من مستشار الرئيس المصري للشؤون الأمنية، اللواء «أحمد جمال الدين»، وسط تعتيم إعلامي كبير.
وتأتي عملية التصفية بعد أيام، من تقرير مروع أصدرته منظمة «هيومن رايتس ووتش» الحقوقية، مؤكدة «توقيف 60 ألف شخص على الأقل منذ 3 من يوليو 2013، كما تم إنشاء 19 سجنا جديدا خلال الفترة ذاتها لاستيعاب هذه الأعداد».
وعرضت المنظمة شهادات 19 سجينا سابقا «تعرضوا لأساليب من التعذيب ما بين عامي 2014 و2016 تضمنت الضرب والصعق الكهربائي والاغتصاب»، قائلة إن «التعذيب الشائع في مصر يشكل جريمة محتملة ضد الإنسانية بسبب انتشاره وممارسته بشكل ممنهج».
والشهر الماضي، وثق تقرير صادر عن منظمتي «الشهاب لحقوق الإنسان» و«العدالة لحقوق الإنسان» (غير حكوميتين)، بعنوان «العام الرابع»، مقتل «ألفين و441 حالة قتل خارج نطاق القانون، و880 حكم بالإعدام، تم تنفيذ الحكم على 8 منهم في 3 قضايا مختلفة» في مصر.
المصدر: الخليج الجديد