قبل بداية العام الدراسي الجديد، هدمت قوات الاحتلال الإسرائيلي أربع مدارس فلسطينية في الضفة الغربية؛ ما حرم مئات الأطفال من استئناف دراستهم، وأجبر بعضهم على الجلوس تحت أشعة الشمس أو في خيام مؤقتة؛ وبرّرت قوات الاحتلال هدم المدارس بأنها لا تملك تصاريح بناء، التي يكاد يكون مستحيلًا على الفلسطينيين الحصول عليها؛ وهو الأمر الذي يهدد قرابة 55 مدرسة في الوقت الحاضر بالهدم أو وقف العمل.
يأتي هذا في الوقت الذي يتجاهل فيه المجتمع الدولي الفظائع التي ترتكبها «إسرائيل»، وتحويل أنظارهم إلى أزمات أخرى تندلع في المنطقة، بعد أن كانت القضية الفلسطينية محط أنظار المجتمعين الإقليمي والدولي. كيف صار الأمر إلى ما هو عليه؟ وما هي الاختيارات المتاحة أمام الفلسطييين لتجاوز الوضع؟ هذا ما تجيب عنه «ديلي تايمز» في تقريرها التالي.
بحسب ما ترجمت «شبكة رصد»، تقول الصحيفة إنّ هولند اشتكت إلى حكومة الاحتلال في الشهر الماضي بعد أن صودرت ألواحها الشمسية التي توفّر الكهرباء لمدرسة في قرية «أبو نوار»، وقال مدير مجلس اللاجئين النرويجي «هانيبال أبي وركو» إنّه «عندما يعود الأطفال إلى مدارسهم سيكتشفون أنها دُمّرت»، متسائلًا: ما هي التهديدات التي تشكّلها هذه المدارس للحكومة الإسرائيلية؟ وما الذي يخططون لتحقيقه بحرمان آلاف الأطفال من حقهم الأساسي في التعليم؟
وأجاب «روي يلين»، من منظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية «بتسيلم»، عن سؤاله قائلًا إن الهدم المنهجي يهدف إلى دفع الفلسطينيين خارج أراضيهم وبلادهم؛ إذ هُدم أكثر من 300 منشأة للاتحاد الأوروبي وممولة دوليًا في الضفة الغربية المحتلة العام الماضى، وهو أعلى رقم منذ بدء تسجيل أنشطة الهدم.
وبصفتها القوة القائمة بالاحتلال، فـ«إسرائيل» ملزمة قانونيًا بتوفير التعليم، إضافة إلى الخدمات الأساسية الأخرى للفلسطينيين الذين يعيشون في المناطق الخاضعة لسيطرتها. لكنّ «إسرائيل» لم تتعهد أبدًا بالتزاماتها التي أخبرتها بها الأمم المتحدة والحكومات الأجنبية والمنظمات الدولية.
لماذا تفلت «إسرائيل» من المساءلة دائمًا؟
قالت الصحيفة إنه نتيجة لذلك، نجت «إسرائيل» من مسؤولياتها الأساسية، وحرصت بشكل روتيني على تدمير المرافق (المدارس والآبار والطرق والهياكل العامة) المقدمة إلى الفلسطينيين من المانحين والغرباء، لافتة إلى أنّ هدم أيّ شيء يخدم الفلسطينيين وتدميره أحد جوانب سياسة «إسرائيل» تجاههم، بينما تُعفى دائمًا من العقاب أو المسؤولية، ومن المؤكد أنها تتجاهل مطالب الاتحاد الأوروبي بإعادة بناء أو إعادة المباني المدرسية التي هدمتها أو استولت عليها.
وقالت إنّ «إسرائيل» تستطيع رفض الانتقادات والشكاوى الأوروبية والعربية لسببين:
الأول: انشغال المجتمع الدولي بالأزمات المتعددة الأخرى في المنطقة؛ مثل الصراع السوري والحملة ضد تنظيم الدولة، والحرب التي تدمر اليمن بلا معنى، والهجمات الإرهابية على الدول الأوروبية. ونتيجة لذلك؛ يلاحظ سياسيون ما تفعله «إسرائيل» في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وكانت في السابق محط اهتمام دولي إقليمي.
وقالت الصحيفة إنّ المخاوف بشأن الفلسطينيين تجاوزت؛ بسبب التدفقات الهائلة للاجئين إلى أوروبا من سوريا والعراق وأفغانستان وأماكن أخرى؛ وإثر ذلك تراجع التعاطف والرغبة في مساعدة هؤلاء اللاجئين، وترحّلهم الحكومات الأوروبية الآن إلى اليونان، التي تعاني أصلًا من أزمات اقتصادية مدمرة.
السبب الثاني: أثار انتخاب «دونالد ترامب» للرئاسة الأميركية شكوكًا خطيرة بشأن السياسات الإقليمية للبلاد. فعلى الرغم من أنّ الرئيس الفلسطيني محمود عباس عقد أكثر من 20 اجتماعًا مع المسؤولين الأميركيين منذ تنصيب ترامب، ليست لديه أي فكرة عما تعتزم إدارته القيام به على الجبهة الفلسطينية الإسرائيلية، وواشنطن «في حالة من الفوضى».
وفي حين أكّد مبعوثو ترامب مجددًا التزام الولايات المتحدة «بالحل القائم على دولتين»، الذي يتضمن قيام دولة فلسطينية ومعارضة أميركا لبناء المستوطنات في الضفة الغربية والقدس الشرقية، قال «محمود عباس» إنه لا يعرف ما قاله هؤلاء المبعوثون لـ«إسرائيل». وقالت الصحيفة إنه على الرغم من أنه امتنع عن قول ذلك، يجب على الرئيس الفلسطيني أن يتعمّق؛ بسبب غياب ذكر «حل الدولتين» أثناء زيارة صهر ترامب «جاريد كوشنر» والمبعوث «جيسون غرينبلات»، على الرغم من أنه كان أساس سياسة الولايات المتحدة وجهود السلام الدولية لأكثر من عقدين.
خدعة مبعوثي ترامب
ونقلت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية عن مسؤولين فلسطينيين قولهم إن الفريق الأميركي «ليس متحيزًا لصالح إسرائيل» فحسب، بل «يتلاشى أيضًا»، لافتة إلى أنه أمر لا يثير الدهشة؛ لأن «كوشنر وغرينبلات والسفير الأميركي ديفيد فريدمان» كلهم مؤيدون قويون لـ«إسرائيل». وكان والد كوشنر متبرعًا لـ«إسرائيل» منذ فترة طويلة، وعندما زار «نتنياهو» الولايات المتحدة لليلة واحدة أمضاها في مقر «كوشنر» بنيو جيرسي.
كما تقيم شركات «كوشنر» شراكة مع رجل الأعمال الإسرائيلي «راز شتاينميتز» بقيمة تتجاوز 15 مليون دولار في العقارات، وتشمل 15 مبنى في نيويورك.
كما عاش «غرينبلات» مدة في مستوطنة «عتصيون» بالضفة الغربية، وقام بواجبات الحراسة في مدرسة يهودية هناك، ولا يرى المستعمرات عقبات أمام السلام. وكانت اتصالاته الوحيدة بالفلسطينيين مع البناة والبستانيين والعاملين الشرفيين في هذه المستعمرة.
أما «فريدمان» فيرأس مؤسسة تعارض حل الدولتين وتوفر مليوني دولار سنويًا لمستوطنة «بيت إيل» في الضفة الغربية، التي ضمنت تبرعات من عائلة كوشنر. بينما لم يستبعد ترامب حل الدولتين؛ لكنه قال إنه لا يمكن إلا أن يقرر الجانبان كيفية المضي قدمًا.
وهو ما يعني، بحسب الصحيفة، أنّ «إسرائيل» هي التي تقرر، كما تفعل عسكريًا وسياسيًا واقتصاديًا؛ فهي في وضع يمكّنها من إملاء شروطها على الفلسطينيين والمجتمع الدولي، مضيفة أن «إسرائيل» لا تريد اختيارًا آخر؛ وإنما الإبقاء على الوضع القائم، في الوقت الذي تبني فيه المستوطنات وتدمر المدارس والمنازل الفلسطينية.
وقال رئيس صحيفة نيويورك تايمز «مارك لاندر» بشأن قصة «كوشنير» إنّ إبقاء الفلسطينيين متورطين هو انتصار للمفاوضين الأميركيين في الشرق الأوسط، لافتًا إلى أن كوشنر وغرينبلات بعدما غادرا رام الله أصدرا بيانًا قالا فيه إن الفلسطينيين رفضوا الانصياع إلى ما تفعله الولايات المتحدة.
خزي القادة العرب واختيار فلسطين الوحيد
ختمت الصحيفة بالقول إن الفلسطينيين كان يجب أن ينسحبوا بمجرد تولي «ترامب» هذه الحملة؛ لأنه لا ينوي القيام بأي شيء من شأنه أن يُزعج نتنياهو وصقور «إسرائيل».
وقالت إنه ينبغي على القادة العرب المشجعين، الذين تفاءلوا بشأن زيارة «كوشنر»، أن يخجلوا من أنفسهم، وينبغي عليهم أيضًا أن يشجعوا «عباس» على المقاطعة؛ فالاختيار الوحيد للفلسطينيين هو استئناف المبادرات على الساحة الدولية، على أمل أن تخبر الحكومات الأوروبية «إسرائيل» بأنها يجب أن تتوقف فورًا؛ فهذه الدول تضررت أيضًا من رفض الولايات المتحدة ممارسة الضغط على «نتنياهو» والهدم الإسرائيلي القاسي للمدارس الفلسطينية التي بنتها أوروبا وغيرها من البنى التحتية الأساسية.