حوار: مازن المصري
قال المستشار أحمد سليمان، وزير العدل الأسبق، «من الممكن أن يثور الشعب المصري في أية لحظة وبلا مقدمات، فالحياة ليست محتملة بالنسبة لقطاع عريض جدًا من المواطنين، والحقوق ضائعة، ويد الأمن مطلقة، وقد ارتكبت الداخلية من الفظائع أكثر بكثير جدًا من فظائع العادلي التي كانت سببا مهمًا من أسباب ثورة يناير»
وأضاف «سليمان»، في حوار خاص لـ«رصد»: «بعض قضاة دوائر الإرهاب منحرفون وتحوم حولهم الشبهات، بل إن بعضهم كانت له ملفات تحقيق مفتوحة، أغلقت قبيل تشكيل دوائر الإرهاب وأسند إلى عدد منهم الفصل في هذه القضايا، وهم في حاجة إلى حماية السلطة حتى لايتم التنكيل بهم».
وتابع: «إن منظومة العدالة في مصر الآن تعاني من اختلال شديد، وهي تمر بمرحلة من أسوأ مراحل تاريخها، لم تشهد مصر نظيرا لها من قبل»..
وإلى نص الحوار…
كيف تري القضاء المصري وأداؤه الحالي ومنظومة العدالة بشكل عام؟
لاشك أن منظومة العدالة في مصر الآن تعاني من اختلال شديد، وهي تمر بمرحلة من أسوأ مراحل تاريخها، لم تشهد مصر نظيرا لها من قبل، وهذا له العديد من العوامل سواء بضغوط سلطة الانقلاب أو بقبول بعض القضاة بذلك.
برأيك.. هل دخل القضاء المصري بيت الطاعة لسلطة العسكر؟
لقد اختار الانقلاب عن طريق أدواته قضاة للفصل في قضايا الإرهاب، الكثير منهم ليسوا فوق مستوى الشبهات، وهؤلاء القضاة يعرفون جيدًا المطلوب منهم ويؤدونه، وخلال الأيام القليلة الماضية تم ضبط رئيس إحدى هذه الدوائر يتقاضى رشوة للحكم في قضية قتل بالسجن المؤبد بدلًا من الإعدام، وبالتالي سيطر عليهم العسكر تمامًا.
ما الذي جعل بعض القضاة يقبلوا بذلك من وجهة نظرك؟
بعض قضاة دوائر الإرهاب منحرفون وتحوم حولهم الشبهات، بل إن بعضهم كانت له ملفات تحقيق مفتوحة، أغلقت قبيل تشكيل دوائر الإرهاب وأسند إلى عدد منهم الفصل في هذه القضايا، وهم في حاجة إلى حماية السلطة حتى لايتم التنكيل بهم، أو إعادة فتح الملفات التي أغلقت، ومن ثم يؤدون مايعتقدونه مرضيًا للنظام، كما أن التنكيل بشرفاء القضاء المصري من قضاة البيان وقضاة من أجل مصر وغيرهم ممن كانت لهم مواقف لا تروق للنظام، دفعت الكثيرين للصمت.
وهل ما يجري من محاكمات إدانة لتاريخ القضاء المصري؟
لا شك أن هذه الحقبة حقبة سوداء ليس في تاريخ القضاء فحسب بل بالنسبة لجميع المؤسسات والمسؤولين ولمصر بشكل عام، وقد لوثت أحكام المحاكم في هذه الفترة تاريخ طويل وعظيم سطره عظماء القضاء المصري.
وهل من الممكن أن يسترد القضاء نفسه ويخرج من هذه الشرنقة؟
في هذه الفترة من الصعب أن يسترد القضاء عافيته، فضلًا عن أن إصلاح القضاء ليس بالأمر الهين، ومع استمرار هذا الوضع بالتأكيد ستستمر الأمور كما هي والأمل في زوال هذا النظام.
كيف تري قوانين السلطة القضائية الأخيرة التي أقرها البرلمان؟
ليس في مصر برلمان، اللهم إلا ذلك الكيان الذى شكًلته المخابرات ويرأسه علي عبد العال وكل مهمته كسب رضاء السلطة التنفيذية عنه، وإجابة كل طلباتها ولو كانت مخالفة للدستور، ومن ذلك قانون تعيين رؤساء الهيئات القضائية، فالقانون مخالف للدستور سواء من حيث التصويت عليه أو من حيث مضمونه المخالف مخالفة صارخة لأكثر من مادة من الدستور حيث يمكًن السلطة التنفيذية من التغول على السلطة القضائية، ويجعل ولاء كل رئيس لهذه الجهات هو للسيسى الذى عيًنه بناء على تقارير أمنية، ويزرع الشقاق في صفوف القضاة بسبب تخطي العضو الأقدم، ويبدو أن النظام يبني وجوده على بث الفرقة بين المصريين بشكل عام.
ماذا عن ملف قضاة الاستقلال.. وأين وصل؟
لقد أقام قضاة الاستقلال منازعة تنفيذ موضوعية أمام المحكمة الدستورية العليا وقررت المحكمة حجزها للحكم يوم 14 أكتوبر القادم.
وهل أنتم نادمين على موقفكم ورفضكم للانقلاب العسكري؟
الانقلاب الذي تم على الدكتور محمد مرسي أجهض أول تجربة ديمقراطية حقيقية في مصر بخطف أول رئيس مدنى منتخب انتخابا حرا نزيها شهد به العالم، وكل العالم يعرف أن الانقلاب تم بترتيب مخابرات عدة دول أجنبية وعلى رأسها الولايات المجرمة الأميركية وعصابات الصهاينة، وأن الانقلاب كان لصالحهما فقط، وقد ظهر للمصريين جميعا أن الانقلاب حرب على الإسلام ويسعى للقضاء على التيارات الإسلامية والتمكين للعلمانية فحصد أرواح آلاف الشباب المسلم في عدة مجازر أقامها وعلى رأسها مجزرتي رابعة والنهضة، وكان بوسعه إنهاء الاعتصامين دون إراقة الدماء وأغلق معاهد إعداد الدعاة والكثير من مراكز تحفيظ القرآن الكريم وأحرق كتب كبار العلماء التي كانت بمكتبات المدارس بدعوى أنها تحض على التطرف، وأعلن مسئولوه إلغاء تدريس التربية الدينية في المدارس، وارتمى في أحضان الكنيسة والصهاينة والأميركان منفذا لكل طلباتهم، فكيف لأي إنسان يعرف ربه ودينه ويخشى على حاضر وطنه ومستقبله أن يسكت على هذا الانقلاب، وأنا أحمد الله عزًوجلً أن هداني للحق وثبتني عليه.
كيف ترى أحكام الإعدام المتوالية مؤخرًا؟
لم تشهد مصر طوال تاريخها منذ نشأة القضاء المختلط ثم القضاء الوطني أحكامًا بالإعدام على هذا النحو الذي شهدته خلال السنوات الأربع الماضية سواء من حيث عدد المحكوم عليهم بالإعدام، أو افتقاد المحاكمات لضمانات المحاكمة العادلة، أوعدم استنادها لأدلة صحيحة قانونا، أو لضعفها، أو للإخلال بحقوق الدفاع، فهذه الأحكام هي أقرب ما تكون إلى قرارات التصفية الجسدية منها للأحكام القضائية.
وما مدي قانونية هذه الأحكام؟
هي أحكام مسيًسة تصدر إستجابة لهوى النظام السياسي ولاتمت للقانون بصلة، وقد ألغت محكمة النقض الكثير من هذه الأحكام لاستنادها إلى تحريات الأمن وحدها وهي لاتصلح دليلًا يقام عليه الحكم، وكذا لإخلال المحكمة بحقوق الدفاع، أو عدم إحاطة المحكمة بالدعوى عن بصر وبصيرة، أو لمخالفة الحكم للقانون حيث قضت بعض الأحكام بإعدام أحداث لم يتجاوز عمر الواحد منهم 18 عامًا، ناهيك عن ذلك الحكم الصادر بالإعدام الذى وقعه رئيس الدائرة منفردا في واقعة ليس لها نظير في تاريخ القضاء المصري.
وهل التعديل الأخير في أحكام النقض يؤثر بشكل أو بآخر على تثبيت هذه الأحكام؟
الخطورة الحقيقية هي في فقدان بعض القضاة لضمانات الحيدة والتجرد والعدالة والقوة فى الحق وضعف الإحساس بخطورة رسالتهم، وخضوعهم لهوى السلطة الحاكمة، ومثل هؤلاء لا تحول النصوص بينهم وبين التغول على الحقوق والحريات وإهدار أحكام القانون، ومصادرة حقوق الدفاع للمتهمين، فلايبالون بتعليق العشرات على أعواد المشانق دون سماع دفاعهم وفى جلسة لا تستغرق دقائق معدودة تعصف فيها بكل قواعد القانون، وضمانات العدالة .
وماذا عن عمليات التصفية الجسدية التي تقوم بها عناصر الداخلية؟
ستستمر جرائم القتل خارج القانون طالما استمرت السلطة القضائية على هذا النحو من الضعف فلم نسمع بأية محاسبة عن أية جريمة من هذه الجرائم حتى تلك التي تم فيها قتل المجني عليهم بعد ضبطهم، ثم تخرج علينا الداخلية بتصريح يقول أن المجني عليهم إرهابيون قتلوا في تبادل لإطلاق النار مع القوات، كما أن القتل لا يتطلب أكثر من مجرد اشتباه القوات في صلة المجني عليهم بواقعة ما، كما حدث مع المجني عليهم الذين قتلوا في شقة 6 أكتوبر بزعم صلتهم بمقتل النائب العام رغم أنهم لم يتهموا في هذه القضية، وكذلك المجني عليهم القتلى فى واقعة «الميكروباص» بزعم قتلهم الباحث الإيطالي.
كيف تري الوضع الحالي في مصر؟
الوضع الحالي في مصر أسوأ وأسود مما يتخيل الإنسان، وهو فوق طاقة تحمل أي إنسان، فحقوق الإنسان والحريات مهدرة، والقانون غائب والمحاكمات تفتقد لضمانات المحاكمة العادلة، ويد الأمن مطلقة في القتل والتصفية الجسدية دون حساب، والنظام يحمي الفساد ويطارد الشرفاء، كما أن حقوق مصر في النيل والغاز والأرض أهدرت بمنتهى السهولة، والأسعار ليس في استطاعة الطبقة العظمى من المصريين تحملها بعدما تآكلت الطبقة الوسطى وأصبحت في عداد الفقراء، وأصبح الفقراء معدمين، وانهارت قيمة العملة المحلية، وزادت أسعار السلع ورسوم الخدمات سواء الوقود والغاز والماء والكهرباء والدواء والنقل والمواصلات، وتدنت الخدمات في الصحة والتعليم والطرق والسكة الحديد وترتب على ذلك تفاقم المشاكل الأسرية للعجز عن الوفاء باحتياجاتها، وزيادة معدلات الانتحار.
وهل سيستمر هذا الأمر طويلًا؟
هذا الوضع لايمكن استمراره، أو تحمل الحياة في ظله فترة طويلة فالغضب يغلي في الصدور والمعاناة مرسومة على وجوه الناس بوضوح، هذا النظام الذي لايبالي بإزهاق أرواح الناس، ويفضل إيداع الأموال بالبنوك وجنى فوائدها بدلًا من إنفاقها على تطوير السكة الحديد وحماية الأرواح ورفع مستوى الخدمات التعليمية والصحية وغيرها، ناهيك عن مصادرة كل الحقوق والحريات.
هل من الممكن أن يتحرك الشعب ويعيد الأمور إلى نصابها؟
من الممكن أن يثور الشعب المصري في أية لحظة وبلا مقدمات، فالحياة ليست محتملة بالنسبة لقطاع عريض جدًا من المواطنين، والحقوق ضائعة، ويد الأمن مطلقة، وقد ارتكبت الداخلية من الفظائع أكثر بكثير جدًا من فظائع العادلي التي كانت سببا مهمًا من أسباب ثورة يناير وساعتها قد تدمر الثورة في طريقها كل شىء.
وماذا عن مستقبل السيسي وإمكانية بقاءه لفترة أخرى؟
هذا النظام لايمكن أن يستمر وهم يعلمون مدى تدني وانهيار شعبية السيسي، ومدى غضب الناس من سياساته وقراراته ولذلك يحاولون تعديل الدستور بزيادة مدة الحكم.
وكيف تري انتخابات 2018؟
بالنسبة للانتخابات فالدكتور محمد مرسي لم يتنازل عن الحكم، والإجراءات التي تمت بالحيلولة بينه وممارسة مهام الرئاسة إجراءات باطلة لاترتب أثرًا، ويعرف العالم كله أنها انقلاب عسكري من ثم لا يجوز إجراء الانتخابات قانونًا.