في ظلّ استمرار الأزمة الخليجية بين دول التحالف العربي وقطر منذ أشهر، ندّد إمام المسجد الحرام وخطيبه في مكة بمن وصفهم «الذين يتسببون في الصراع بين المسلمين» أثناء خطبة الجمعة الأخيرة قبل الحج السنوي؛ إذ تتوسع الخلافات بين جيران الخليج، إضافة إلى حروبهم في الشرق الأوسط.
فالمملكة العربية السعودية، التي تستضيف الحجاج وتشرف عليهم، فرضت عقوبات على دولة قطر ودول عربية أخرى في الأشهر الأخيرة؛ متهمة إياها بدعم إيران والإرهاب، وهو الأمر الذي نفته الدوحة.
وتشهد العلاقات بين إيران، التي يقودها الشيعة، والمملكة العربية السعودية السنية أسوأ حالاتها منذ سنوات؛ إذ يتهم كلاهما الآخر بتخريب الأمن الإقليمي ودعم الجانبين المتعارضين في الصراعات في سوريا والعراق واليمن.
وقال الشيخ «صالح محمد آل طالب» لمئات الآلاف من الحجاج إنّ كل من يتسبب في الصراع والخلاف بين المسلمين يتجاهل نعمة الوئام، ويقلد أولئك الذين عاشوا في الجاهلية ويضر بشعبه ويغش أمته.
ويتوافد الحجاج إلى مكة من جميع أنحاء العالم لأداء الحج السنوي الأسبوع المقبل.
وملأ المصلون يوم الجمعة حرم المسجد الحرام، وهو أقدس مكان في الإسلام، وانتشروا في الشوارع القريبة والمراكز التجارية وصالات الفندق واستمعوا إلى الخطبة من مكبرات الصوت.
وبحسب الجزيرة، لم يتحدث «صالح» مباشرة عن الانقسامات السياسية والعسكرية في العالم العربي التي أدت إلى مقتل مئات الآلاف من الأشخاص وتشريد ملايين آخرين في السنوات الأخيرة؛ لكنه بدا واضحًا في التشديد على ضرورة نبذ كل من يحاول بث الفتنة والكراهية بين المسلمين.
ومن المتوقع أن يحج قرابة 90 ألف إيراني بعد أن قاطعت طهران مكة العام الماضي، في أعقاب حوادث الحج في العام 2015 التي قتل فيها مئات الحجاج الإيرانيين.
أزمة قطر
وقال مسؤولون سعوديون إن أكثر من 400 حاج قطري وصلوا عبر الحدود البرية في الأيام الأخيرة، لكن قطر اتهمت السعودية بتعمّد جعلها صعبة لهم، وتقول السعودية إن قطر تسعى إلى تسييس قضية الحج من أجل مكاسب دبلوماسية.
ونفى الدكتور محمد عبدالله آل زلفي، عضو مجلس الشورى السعودي السابق، في تصريحات لـ«بي بي سي» عربي من قبل، إمكانية أن تنسحب الخطوة السعودية الأخيرة على مجمل الموقف السعودي تجاه قطر في الأزمة القائمة، ويرى أن ما قدمته السعودية لن يتعدى تسهيل دخول الحجاج القطريين إلى السعودية لأداء مناسك الحج فقط؛ لكن الموقف السعودي سيعود إلى ما كان عليه بعد أداء الحجاج القطريين مناسكهم.
وقالت «الجزيرة» إن النزاع تحدى محاولات الوساطة التي تقوم بها الولايات المتحدة والكويت.
وقالت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية القطرية، التي تنظم الحج السنوي للمواطنين والمقيمين القطريين، إنها لم تتلق ردودًا من نظيرتها السعودية بشأن الخدمات اللوجيستية للسفر أو الضمانات الأمنية.
وأعرب سعد سلطان العبد الله، مدير التعاون الدولي في اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بقطر، عن قلقه من منع المسلمين من أداء واجبهم الديني، وقالت اللجنة في بيان إنها ترفض إخضاع مسألة الحج «لأي حسابات أو وساطات سياسية أو شخصية».
وقال: «يجب ألا يكون هناك خلط بين النزاعات السياسية وحق المسلمين الطبيعي والبشري في القيام بواجباتهم الدينية»، مضيفًا أنه «يجب فصل السياسة وحقوق الإنسان».
وانتقد عبدالمجيد مرعي، رئيس قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في تحالف الحرية والكرامة الذي يتخذ من بروكسل مقرًا له، السلطات السعودية لسوء التعامل مع الوضع.
وقال لـ«الجزيرة» عبر الهاتف من فرنسا: «مكة المكرمة ليست مملوكة من أي حكومة، مكة المكرمة لكل المسلمين»، مضيفًا أنّ السلوك السعودي يشكّل انتهاكًا واضحًا للقيم والمعايير الإسلامية والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان كافة.