تعتبر جماعة الإخوان المسلمين، هي العدو الأكبر لنظام الإمارات، فمنذ بداية ثورات الربيع العربي، لم تدخر دولة الإمارات أي جهد من أجل محاربة الجماعة، والقضاء عليها في جميع دول الربيع، وفي جميع بقاع العالم.
وقد صرفت دولة الإمارات المليارات من الدولارات من أجل محاربة الجماعة، وإسقاطها، وحققت العديد من النجاحات في هذا الملف، وخاصة في مصر، وعدد من دول الربيع العربي.
بداية التصادم بين آل زايد والإخوان
لم يكن الصدام بين جماعة الإخوان المسلمين، ونظام بن زايد وليد الربيع العربي، ولكنه قديم، وبدأ منذ تسعينيات القرن الماضي.
فكان تخوف آل زايد من زيادة نفوذ الجماعة بدولة الإمارات، بداية لإعلان الحرب ضد الجماعة، والذي بدأ بشكل متدرج، حتى وصل إلي ما هو عليه الآن.
فمع انتشار فكر جماعة الإخوان المسلمين، داخل الإمارات في بداية السبعينيات من القرن الماضي، كما حدث في جميع دول الخليج، حيث استعانت الإمارات بأعضاء الجماعة في قطاعي الصحة والتعليم والقضاء، أصبح قطاعا التعليم والقضاء في الإمارات بمثابة دولة داخل الدولة.
وفي الوقت الذي كانت فيه الجماعة تسعى لتوسيع حضورها في المجال السياسي، كان النظام الإماراتي يرصد بدقة هذا التحول، وهو ما دفع الخوف من سيطرة أكبر للإخوان على المجال السياسي، إلى اتخاذ النظام قرارًا بشن حرب ضد الجماعة قبل أن يصل تأثيرهم السياسي إلى المستوى المؤسسي.
وبدأت الحرب بين الجماعة والنظام الإماراتي في وقت مبكر من التسعينيات، حيث زعمت التحقيقات من قبل الأجهزة الأمنية المصرية أن الأفراد المتورطين في الجهاد الإسلامي المصري قد تلقوا التبرعات النقدية من قبل لجنة الإغاثة والأنشطة الخارجية التابعة للإصلاح الإماراتية، ممثلة الجماعة بالامارات.
أصبحت الحجة السائدة أن جماعة الإخوان المسلمين هي في جوهرها، منظمة دولية يتحكم فيها المصريون وتستخدم الجماعات والأفرع الخارجية لتعزيز قبضتها بهدف إنشاء دولة إسلامية موحدة.
الحكومة الإماراتية تنظر إلى يمين البيعة أو الولاء للمرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين أنه بمثابة تحد للولاء لدولة الإمارات العربية المتحدة، وقد طالبت أعضاء جمعية الإصلاح بالتعهد بالولاء لبلادهم وحدها.
وبدأت السلطات الإماراتية التحقيق في تأثير أعضاء جماعة الإخوان المسلمين في قطاع التعليم عندما تم رفض طلبات واعدة للمنح الدراسية، ولوحظ أن أعضاء جماعة الإخوان يسيطرون بشكل كبير على توزيع المنح التعليمية.
في محاولة لاستعادة السلطة، قامت الحكومة بحل مجالس الجمعيات الإخوانية المنتخبة في عام 1994 ووضعها تحت إشراف وزارة الشؤون الاجتماعية، وتجميد أنشطتها الخارجية. وعلاوة على ذلك، فإن الحكومة المركزية فرضت قيودا على النشاط السياسي لأعضاء جماعة الإخوان المسلمين ومنعتهم من تولي المناصب العامة.
و تم استبعاد فرع رأس الخيمة أيضا وإقصاء سيطرته عن أي مناصب وزارية رغم أن الجمعية قد ظلت مستقرة تحت حماية حاكم متعاطف معها هو الشيخ «صقر القاسمي»، الذي رفض حل جمعية الإصلاح لأنه رأى أنها قد لعبت دورا للحفاظ على الشباب.
في نهاية المطاف، هيمنت السياسة العامة للحكومة وتم اعتقال الشيخ «سلطان بن كايد القاسمي» ابن عم حاكم الإمارة وزعيم التجمع اليمني للإصلاح فيها في حملة عام 2012.
وبحلول منتصف العقد الأول من الألفية، فقد أصبح واضحا أن نظام الحكم في دولة الإمارات اتخذ قرار بالقضاء على الجماعة ومحاربتها بكافة السبل.
واعتقل الكثير من الإسلاميين البارزين، ومنعوا من التدريس في الجامعات إضافة إلى مضايقات أخرى من قبل الحكومة. في مثل هذه البيئة، أصبح من الصعب على نحو متزايد لأعضاء جمعية الإصلاح متابعة أنشطتهم المستقلة، مما دفع بعض منهم للانضمام إلى الحركة الأوسع للإصلاح السياسي في البلاد.
الربيع العربي واشتعال الصراع
بعد الثورة المصرية عام 2011، تحرك 133 شخصا من المثقفين، من بينهم أعضاء في جمعية الإصلاح، حيث قامت بتوقيع عريضة موجهة إلى الرئيس الشيخ «خليفة بن زايد» والمجلس الأعلى للاتحاد، حيث طالبوا تقديم تشريع يوسع من سلطات المجلس الوطني الاتحادي ويحسن من طريقة انتخابه.
ووقعت 4 منظمات مهنية على العريضة هي جمعيات (الفقهاء والمعلمين والعاملين بالتراث وأعضاء هيئة التدريس الجامعيين) وهذه الجمعيات كانت معروفة بعلاقاتها مع الإخوان. وكانت هذه هي المرة الأولى التي تتحد فيها المعارضة الليبرالية والإسلامية في مثل هذا التعهد السياسي العام.
وتبع تقديم هذه العريضة حملة اعتقالات كبرى ضد الموقعين على العريضة، وتم محاكمتهم وحبسهم، وتم الإفراج عنهم بعد ذلك بسبب الضغوط الدولية، وانعدام أي معايير للعدالة في محاكمتهم.
حملة اعتقالات ضد الجماعة
في عام 2012، أطلقت الحكومة حملة اعتقالات استهدفت جماعة الإخوان المسلمين، التي تعتبرها التهديد السياسي الأساسي.
وفي أبريل عام 2012 تم تجريد سبعة من أعضاء جمعية الإصلاح كانوا قد وقعوا على عريضة مار 2011 من جنسيتهم، وفي ديسمبر الأول من نفس العام تم اعتقالهم بعد أن رفضوا مغادرة البلاد كما طلبت الحكومة.
وبحلول نهاية عام 2012، كان قد تم القبض على 94 عضوا مزعوما في جمعية الإصلاح، وحكم على 69 منهم بالسجن مددا تتراوح بين سبعة و 15 سنة.
5 أسباب وراء الصراع
ومن جانبها قالت مجلة «فورين أفيرز» التي تصدر عن مجلس العلاقات الخارجية الأميركي، أن أسباب عداء دولة الإمارات لجماعة الإخوان المسلمين وأتباعها في جميع الدول العربية، وقالت المجلة في تقرير تحليلي مفصل لها إن صناع القرار الإماراتيون لديهم إيمان عميق بأهمية الفصل بين الدين والدولة في العالم العربي.
وتابعت المجلة تقريرها تحت عنوان «المسجد والدولة: السياسة الخارجية العلمانية لدولة الإمارات العربية المتحدة»، أن الإمارتيين يرون دروسا تحذيرية من صعود الإسلام السياسي داخل دولة الإمارات العربية المتحدة. ينظر حكام الإمارات إلى الإخوان المسلمين على أنهم مجموعة دولية تسعى تدريجيا إلى بسط نفوذ لا يمحى وممارسة الضغط على الطبقة السياسية باستخدام الإسلام نفسه. جماعة الإخوان، وفق ما يقول المفكرون في دولة الإمارات العربية المتحدة، يستفيدون من عدم المساواة المالية من أجل جمع المؤيدين وحشدهم».
وأضاف التقرير كاشفًا عن الأسباب الحقيقية لعداء الإمارات للإخوان: «في هذا الخط من التفكير، فإن الإماراتيين يعتقدون أن الإخوان المسلمين يسعون وراء أهدافهم الخاصة، وأنهم لا يحترمون الحدود الوطنية وأنهم يؤججون التطرف ببطء في المجتمع».
وأوضحت المجلة أنه في نفس الوقت، ومن أجل تعزيز نفوذها، فإن دولة الإمارات العربية المتحدة تتطلع لتصبح حليفا قابلا للاعتماد عليه من قبل الولايات المتحدة. وعليه فإنها تجنب الخلط بين الدين والسياسة، بالإضافة إلى تركيز الرسائل السياسية الممولة جيدا والمهنية في واشنطن العاصمة. هذا النهج، سوف يكون من الصعب ترويجه داخل الإمارات، خصوصا وأن القوى الإقليمية الأخرى تكثف استخدامها الخاص للإسلام في السياسة الخارجية.
القشة التي قصمت ظهر البعير
من جانبه قال الباحث المختص في شؤون الحركات الإسلامية عمار فايد في حديث مع إن أسباب عداء الإمارات للإخوان له عدة جوانب وخلفيات، بعضها يمكن تفسيره والآخر من الصعب الجزم أو التأكد منه.
وقال فايد في تصريح نقلة موقع «عربي21» إن النخبة الحاكمة التي يتصدرها محمد بن زايد، لها موقف أيديولوجي حاد تجاه الإخوان المسلمين، والرجل يسعي لإنتاج نموذج أوروبي داخل المنطقة، مشيرا إلى إيمان بن زايد بخلفيته العسكرية حيث تلقى تعليمه في أكاديمية عسكرية ببريطانيا وكان ضابطا طيارا في الجيش الإماراتي، وشارك في ترتيبات حرب الخليج وتسهيل دخول القوات الأمريكية.
وأشار فايد إلى أن القشة التي قصمت ظهر البعير في العلاقة كانت الربيع العربي وصعود الإخوان في مصر، وهذا ما شكل «كابوسا مفزعا لمحمد بن زايد، ولأغلب أنظمة الخليج لأن مصر ليست حدثا عابرا، وصعود الإخوان كان سيترك انعكاسا هائلا على كل مدارس الإخوان بغض النظر عن الارتباط التنظيمي».
وقال فايد إن الإخوان في الإمارات تسرعوا بتقديم عريضة لإصلاحات دستورية بعد الربيع العربي مباشرة، وهذا ما جعل النظام الإماراتي أمام خيار وحيد هو المواجهة.
وحول محاولات احتواء المخاوف الإماراتية أوضح فايد أن الإخوان في مصر بذلوا جهودا لاحتواء المخاوف الإماراتية خصوصا بعد فوز محمد مرسي، لكن لم يكن من الممكن طمأنة هذه المخاوف بأي حالة من الأحوال، أو كما قال الكاتب.
ووصف عمار فايد النظام الإماراتي بالتركيبة المختلفة تماما عن باقي الأنظمة المحيطة، وضرب مثالا بالنظام السعودي.
وقال فايد إن السعودية قائمة على «تحالف ما بين المؤسسة الدينية والدولة، وليس من السهل عليها أن تفصل بشكل جذري بين المؤسسات الدينية الرسمية الموجودة والقاعدة الدينية العريضة داخل المملكة المتأثرة بفكر الإخوان المسلمين حتى وإن بدت دون ارتباط تنظيمي واضح».