«علاقة الكاتب بالسلطة فتنة»، هكذا كانت فلسفة الكاتب والسينارست محفوظ عبدالرحمن الذي رحل عن دنيانا اليوم السبت عن عمر يناهز 76 عامًا، بعد سنوات من الصراع مع المرض؛ إذ نقل إلى العناية المركزة في مستشفى الشيخ زايد بعد إصابته بجلطة في المخ.
لم يخش محفوظ يومًا الموت، فقط كان يخاف من موت المقربين له، أما الموت لنفسه فكان يراه الحقيقة الوحيدة في هذه الحياة؛ ولذلك أوصى زوجته الفنانة سميرة عبدالعزيز وأبناءه الثلاثة بألا يقيموا له عزاءً حين يموت، حتى لا يجهد المعزين، وحتى لا تكون مراسم توديعه رسمية؛ ولكنهم رفضوا، مثلما قال في لقاء له، وأصرّوا أنهم سيقيمون له عزاء.
عُرف عن محفوظ اهتمامه بالتاريخ؛ فكان يقول إن علاقة الكاتب بالسلطة فتنة، والمثقف ليس مضطرًا لتقديم أي نوع من التنازل للسلطة؛ فأمامه اختيارات متعددة تجنبه شبهة الانحياز، ليظل محتفظًا بمصداقيته.
البداية
ولد محفوظ عبدالرحمن في 11 من يونيو عام 1941، وتخرج في جامعة القاهرة، عمل في دار الهلال ووزارة الثقافة في دار الوثائق التاريخية، وسكرتير تحرير في إصدار ثلاث مجلات متوالية «السينما، المسرح والسينما، الفنون»، وعمل فى الفترة من 1974 إلى 1978 في تليفزيون الكويت، وقدم فيه أعمالًا قيمة، واستقال من وزارة الثقافة عام 1982 وتفرغ للكتابة.
أهم الأعمال
يُعد الكاتب الراحل واحدًا من أهم أعمدة الدراما المصرية والعربية ممن أبدعوا في كتابة الدراما التاريخية، وكان أول عمل يكتبه مسرحيًا «حفلة على الخازوق»، ثم قدم مسلسل «سليمان الحلبي» وحقق نجاحًا كبيرًا أخافه هو شخصيًا، ثم جاءت الملحمة الدرامية «بوابة الحلواني» عام 1991 وأحدثت ضجة كبرى؛ كونه غيّر في شكل العمل التاريخي، ونقلة بأحداث اجتماعية حياتية؛ إذ رصد فترة تأميم قناة السويس بمنظور حياتي اجتماعي، وكان أول كاتب يرصد هذا الحدث العظيم، وكيف أن الغرب أصيب بصدمة من هذا التأميم؛ فتعلق كثيرون بهذا المسلسل حتى إن شارة العمل التي غناها الفنان علي الحجار لا يزال يُتغنى بها حتى الآن؛ لما تحمله من حماسة وطنية.
ومن المسلسلات التي كتبها للتليفزيون «ليلة سقوط غرناطة» و«عنترة» و«سليمان الحلبي» و«محمد الفاتح» و«الفرسان يغمدون سيوفهم» و«ليلة مصرع المتنبي» و«السندباد» و«الكتابة على لحم يحترق» و«ساعة ولد الهدى» و«الدعوة خاصة جدا» و«المرشدي عنبر».
ولم يُقدّم محفوظ عبدالرحمن على مدار تاريخه الطويل سوى ثلاثة أفلام سينمائية: «حليم» في عام 2005، «ناصر 56»، «قادسية»؛ إذ ركّز على الكتابة للشاشة الصغيرة والمسرح أيضًا، وقدّم مسرحيات مثل «حفلة على الخازوق، غريب لبنت السلطان، الحامي والحرامي، كوكب الفيران، السندباد البحري، الفخ، الدفاع، محاكمة السيد م، احذروا، ما أجملنا»، وقال النقاد إن هذه الأعمال تميزت بحملها همّا فلسفيًا مستمدًا من التراث العربي، كما أن صياغة جملته المسرحية كانت مشحونة بالتوتر.
جوائز الدولة
حاز محفوظ جائزة الدولة التشجيعية لأحسن مؤلف مسرحي عام 1983 من الثقافة الجماهيرية، والجائزة الذهبية من مهرجان الإذاعة والتليفزيون عن مسلسل «أم كلثوم»، وجائزة الدولة التقديرية في الفنون 2002، وجائزة العقد لأفضل مبدع في عشر سنوات من مهرجان الإذاعة والتليفزيون.
وستفتقد الدراما المصرية محفوظ عبدالرحمن، وبالرغم من أنها لم تقدم عملًا تاريخيًا يُقارَن بأعمال هذا الكاتب؛ فستظل أعماله متحدثة رسمية وبمثابة سيرة ذاتية عنه ومدرسة يتعلم فيها شباب المؤلفين الجدد.