سلّطت صحيفة «تروث أوت» الضوء على الذكرى العاشرة للحصار الاقتصادي غير القانوني الذي تفرضه حكومة الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، ويتزامن مع تقارير حقوقية دولية وإقليمية تتحدث عن تفاقم الأزمات الإنسانية وتحذريات بانهيار شامل ووشيك للبنية التحتية والاقتصاد في القطاع.
كما لفتت إلى مشاركة النظام المصري بقيادة عبدالفتاح السيسي في هذا الحصار، وزاد من معاناة الفلسطينيين واعتبرت هدم الأنفاق التي تعتبر الشريان الرئيسي للحياة في غزة، بمثابة حكم بالإعدام عليهم، موضحة أن هذه الأزمات تختلف عن غيرها في كونها ليست نتيجة أعاصير أو فياضانات أو جفاف ومجاعات، بل بسبب سياسات حكومة الاحتلال الإسرائيلي والنظام المصري.
وصفت« سارة روي»، الباحثة بجامعة هارفارد، التي بحثت بدقة أثر سياسة حكومة الاحتلال على غزة لمدة ثلاثين عاما، إن ما يحدث هناك كارثي ومتعمد ذو أهداف واضحة، حيث تهدف تعريضها لما يسمى عملية «وقف التنمية»، بمعنى أنها حرمانها من قدرتها على تحقيق نمو اقتصادي وتنمية عقلانية مستدامة، إلى جانب إبطاء قدرتها على إحداث تغيير اجتماعي، موضحة أن ما تشهده غزة حاليا هو النهاية المنطقية لتلك السياسات.
وتصر إسرائيل، في تصريحاتها بشأن غزة، على أن الحصار مسألة أمنية تهدف إلى إبقاء حماس، التي تصفها بالمجموعة السياسية الفلسطينية ذات الجناح المسلح، غير أن إسرائيل كشفت في لحظات أكثر عن نيتها الحقيقية تجاه القطاع.
وتشير وثائق ويكيليكس المسربة، بحسب الصحيفة، إلى أن حكومة الاحتلال، أشارت إلى أن سياستها تهدف إلى إبقاء الاقتصاد على حافة الانهيار، وبحسب «بي بي سي»، فإن هذه هي سياسة الحصار.
وأشارت «البي بي سي» إلى تصريحات دوف ويسجلاس، مستشار حكومة الاحتلال عام 2006، الذي قال «إن الفكرة هي إدخال الفلسطينيين في ريجيم غذائي، لا يجعلهم يموتون لكن يجعلهم يشعرون بالجوع دائما، وأشارت الصحيفة أيضا إلى وثيقة أجبرت حكومة الاحتلال على الإفصاح عنها في 2012 بعنوان «خطوط حمراء»، توضح بالتفصيل عدد السعرات الحرارية التي يحتاجها الفلسطينيون في غزة لتجنب سوء التغذية.
فيما تقول منظمة «جيشا» لحقوق الإنسان الإسرائيلية، التي ناضلت من أجل الإفراج عن الوثيقة المشار إليها، إن الوثيقة تشير إلى كذب الحكومة فيما يتعلق بأسباب الحصار الأمنية.
وتكشف الوثيقة «الخطوط الحمراء» مدى خداع السياسة الاسررائيلية، مشيرة إلى أن الحصار يتم بشكل منهجي ويهدف إلى إنزال عقاب جماعي على سكان هم فقراء بالفعل، ومعظمهم من اللاجئين.
وأوضحت الصحيفة أن الأطفال في مخيمات اللاجئين في غزة، يعانون من التقزم يعانون ونقص الوزن وسوء التغذية، ويعيشون في بيئات خرسانية خالية من المساحات الخضراء أو المساحات الآمنة للعب، فالمخيمات هي كتل خرسانية مكدسة على بعضها البعض، مقامة على 360 كيلومترا مربعا، ويجد بها 1.8 مليون مواطن فلسطيني، وهي كثافة سكانية تعادي تلكا لموجودة في مانهاتن أو طوكيو.
فيما يعد نحو 70 في المئة من سكان غزة لاجئين، ووفقا للشبكة الأوروبية المتوسطية لحقوق الإنسان، فإن انعدام الأمن الغذائي في الإقليم يبلغ 72 في المئة والبطالة بنسبة 43.2 في المئة.
وتسببت هذه الأزمة الاقتصادية بحسب الصحيفة، في خلق مشاكل صحية عقلية خطيرة في غزة، ونقلت «سارة روي» عن برنامج غزة للصحة النفسية، أن 40٪ من الفلسطينيين يعانون من ما يسمى بالاكتئاب السريري، وهو أكبر من أي معدل في أي مكان في العالم، حيث يتلقى مستشفى الشفاء في غزة ما يصل إلى 30 مريضا شهريا يحاولون الانتحار.
وفرضت إسرائيل الحصار على غزة في عام 2007 بعد فوز حكومة حماس في الانتخابات في عام 2006. ووافقت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي قيادة الاحتلال في رفض قبول شرعية نتيجة الانتخابات.
وتقترح «سارة روي»، أن انسحاب عام 2005 يعكس «رغبة إسرائيل في التخلص من أي مسؤولية تجاه غزة مع الاحتفاظ بالسيطرة عليها». ومن وراء فك الارتباط تسعى إلى تقسيم الفلسطينيين وفصلهم وعزلهم – من الناحية الديموجرافية والاقتصادية والسياسية – من أجل ضمان السيطرة الكاملة الإسرائيلية على الضفة الغربية بطريقة مباشرة وقطاع غزة بطريقة غير مباشرة، وهو ما يعني جميع الأراضي والموارد الفلسطينية.
وأشارت إلى أن فرض رقابة صارمة على الحدود فاقم من حركة البضائع والأشخاص عبر حدود غزة، لكن الذي فاقمها أكثر هو إغلاق أنفاق التهريب إلى غزة من قبل عبد الفتاح السيسي الذي استولى على السلطة في مصر من خلال انقلاب عسكري في عام 2013.
وكانت الأنفاق بحسب الصحيفة، شريان الحياة الاقتصادي بالنسبة لقطاع غزة، كما أن محطة الركاب في رفح في مصر، التي أصبحت الوسيلة الوحيدة لمعظم الفلسطينيين الذين يغادرون غزة، لم تفتح إلا على فترات متقطعة في عهد السيسي.
وقالت المنظمة الأوروبية لحقوق الإنسان، إن أقل من 50 في المائة من طلبات الخروج من غزة لتلقي العلاج الطبي من خلال معبر «إيريز» الإسرائيلي تمت الموافقة عليها في عام 2016، بينما تم رفض 43 طلب لمرضى بالسرطان العبور من أجل العلاج في النصف الأول من عام 2016.
وقالت الصحيفة إن هذا التضييق والإغلاق يعد حكما بالإعدام على المرضى الذين يحتاجون إلى المساعدات الطبية، إضافة إلى ذلك فإنه يتم التضييق على فرص العمل والدراسة في الخارج بالنسبة لهم، باعتبارها الطرق الوحيدة المتاحة للهرب من الفقر.
ضغوط ناجمة عن الحرب
قالت الصحفة إن الضغوط الاجتماعية للفقر والعزلة والقصور الاقتصادي الناجم عن الحصار، تفاقمت بسبب ثلاث عمليات عسكرية إسرائيلية في غزة منذ عام 2008، أدت إلى مقتل 3745 فلسطينيا وإصابة 17441 شخصا.
وكانت العملية الأخيرة ما اطلق عليها «الجرف الصامد» الهجوم الذي استمر 51 يوما في يوليو وأغسطس 2014 أسفر عن مقتل 2131 فلسطينيا، منهم 473 1 مدنيا و 501 طفلا و 257 امرأة. بينما أصيب 71 إسرائيلي عبارة عن 66 جنديا وخمسة مدنيين.
وتضررت البنية التحتية بشكل كبير وخطير للغاية، تم تدمير 78 مستشفى وعيادة، و7 مدارس دمرت وتضرر 252 مدرسة أخرى وتدمير 17800 منزل ونصف مناطق المحاصيل، بينما لم تتلقى غزة سوى أقل من نصف المبلغ الذي تعهدت الجهات المانحة تسليمه لإعادة إعمار غزة 59 مليون دولار، إضافة إلى انخفاض إمدادات الكهرباء بشكل كبير مما أثر على جميع جوانب الحياة اليومية في غزة.
وقالت منظمة الصحة العالمية، في 2017 إن تفاقم انقطاع الكهرباء يهدد بإغلاق الخدمات الصحية الأساسية وهو ما يعني ترك الآلاف من الناس دون الحصول على الرعاية الصحية لإنقاذ حيواتهم.
وتفاقمت الأزمة الأكثر، نتيجة قرار السلطة الفلسطينية هذا الصيف بعدم دفع فاتورة الوقود الكاملة لإسرائيل لإمدادات الكهرباء في غزة في محاولة لإضعاف حماس والسيطرة على الأراضي، وهو ما يضيف إلى مرارة الأوضاع بالداخل.
ذكرى غير سعيدة
وأشارت الصحيفة إلى الاحتفالات السنوية الاسرائيلية التي تضيف للفلسطينيين ألما فوق الامهم، مثل الذكرى المئوية لإعلان وعد «بلفور» الذبي اتاح لليهود إنشاء وطن لليهودية، واحتفلت تيريزا ماي بالذكرى بفخر ويبدو أنها غير مهتمة بحسب الصحيفة باستمرار الوجود الهامشي للفلسطينيين على أرضهم.
وكان روبرت فيسك أقرب إلى العلاًمة عندما وصف إعلان بلفور بأنه «الوثيقة الأكثر غموضا وخداعا ونفاقا في التاريخ البريطاني الحديث».
وكذلك الذكرى السنوية لحرب الأيام الستة عام 1967 التي سيطرت فيها اسرائيل على الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة ومرتفعات الجولان السورية وشبه جزيرة سيناء المصرية، مضيفة أننا جميعا يجب أن نتخذ اجراءات ومعارضة للحصار وبناء المستوطنات.
وأوضحت انه لا يمكن للبنية التحتية المدمرة في غزة وفقر السكان وأوجاعهم أن تستمر عقدا آخرا من الحصار والحرب، وأظهرت إسرائيل نفسها غير راغبة في احترام التزاماتها في مجال حقوق الإنسان بوصفها القوة المحتلة للأرض.
وختمت الصحيفة تقريرها، بأن الضغط الخارجي وحده هو الذي سيغير سياسة إسرائيل تجاه غزة، ولهذا السبب دعا المجتمع المدني الفلسطيني على مضض إلى تقديم الدعم الدولي لحركة المقاطعة وسحب الاستثمارات من اسرائيل وتوقيع الجزاءات عليها «بي دي إس»، وهي حركة غير عنيفة وحيوية تستعى لتحقيق الحرية والعدالة والمساواة في فلسطين.
وتحث تلك الحركة وزارة الدفاع على العمل على الضغط على إسرائيل لاحترام القانون الدولي، وتدعمها نقابات العمال والكنائس والأكاديميين والحركات الشعبية في جميع أنحاء العالم، وسيساعد دعم قطاع تنمية الأعمال في إنهاء الحصار والمساعدة في تدهور العلاقات في الشرق الأوسط والعلاقات الدولية. وهو يستحق دعمكم.