شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

تحليل: دروس من أزمة الخليج

نشرت صحيفة «بينينسولا» مقالًا تحدثت فيه عن الدروس الممكن استخلاصها من أزمة الخليج، وسلطت الضوء على التغيّرات التي طرأت عليها منذ بدايتها، إضافة إلى نوايا الأطراف الأخرى المتورطة فيها وما فقدته وما اكتسبته.

وأوضحت في تحليل مطول أنّ نوايا الأطراف المتعددة في الأزمة أدّت إلى تداعيات عالمية وإقليمية، لافتة إلى أنّ العقوبات التي وقعت على قطر حتى قبل تشكيل قائمة مطالب الدول الأربع، وفشل النظام الدولي في تناول المشكلة بجدية، جعلا الأزمة مستعصية على الحل.

الفاعل الرئيس: المملكة العربية السعودية

قالت الصحيفة إنّه بعد انتخابات شابها التوتر في الولايات المتحدة، جعل دونالد ترامب السعودية وجهته الأولى للخارج، وعاد إلى بلده بـ400 مليار دولار، وعلى عكس ما يعتقد كثيرون؛ خسرت الولايات المتحدة على المدى الطويل، وأدرك كبار صناع السياسة هناك أنّ هيبتهم تتناقص؛ فسارعوا باتخاذ إجراءات فورية، وأرسل البنتاجون ووزارة الخارجية رسائل إلى الخليج في محاولة لتصحيح صورتهم.

وفي هذه اللحظة، فعّلوا صفقة قديمة مع قطر لبيع أنظمة الدفاع الجوي كخطوة أولى؛ إذ أيّدت الولايات المتحدة بيع طائرات مقاتلة بقيمة 30 مليار دولار إلى قطر، التي ادعى ترامب أنها تدعم الإرهاب.

وتوضح الصحيفة أن مفهوم السياسة الخارجية الذي وضعه الأكاديميون الأميركيون لفهم المناورات في النظام العالمي الجديد بعد الحرب العالمية الثانية لم يكن قادرًا على شرح اتجاهات الولايات المتحدة المتسرعة ومحاولاتها تغيير المسار في كثير من الأحيان، لافتة إلى أن هذا النوع من السلوك السياسي سيخلق أثرًا على المدى الطويل لدى شعوب المنطقة.

لافتة في الوقت ذاته إلى أهمية التدقيق في مستوى وعي الخطوات التي اتخذتها السعودية طوال الأزمة؛ باعتبارها المثير الأول لها، متسائلة عن غرضها الأساسي من وراء إثارتها.

كما لفتت الصحيفة إلى قانون «جاستا» لمواجهة الدول الراعية للإرهاب، الذي بموجبه يصبح من حق الولايات المتحدة مقاضاة السعودية بسبب أحداث 11 سبتمبر؛ معتبرة أنها كانت طريقة الرئيس السابق باراك أوباما لابتزاز المملكة العربية السعودية في محاولاته لإرضاء ضحايا هجمات 11 سبتمبر والجمهور الأميركي وزيادة شعبيته قبل أن ينهي فترة ولايته.

ويتيح قانون «جاستا» معاقبة الدول التي تدعم أنشطة إرهابية ضد المواطنين الأميركيين، وتتيح المادة السابعة لأسر ضحايا أحداث 11 سبتمبر مقاضاة المتسببين فيها، وسربت تقارير حينها تتحدث عن أنّ هناك رعاة سعوديين يقفون وراء الأحداث، على الرغم من أن دوافعه ظلت لغزًا؛ وهو ما يدل على أن تمرير القانون في هذا التوقيت كان يستهدف السعودية مباشرة.

ولفتت الصحيفة إلى أنّ المناقشات وراء الأبواب المغلقة كانت من أسباب التوترات بين السعودية والولايات المتحدة أثناء ولاية أوباما، وهو السبب الذي رغّب السعودية بشدة في فوز ترامب؛ لاعتقادهم أنّ الأمور ستكون أسهل في عهده.

موضحة أنه للمرة الأولى في الانتخابات الرئاسية الأميركية يحاول مرشحٌ الاستخفاف بالرئيس الحالي وبمن حوله، وكان واضحًا للسعودية أنه سيكون رافضًا للقوانين التي أقرها سلفه.

وبالفعل، بعد انتخابه مباشرة اتخذ ترامب موقفًا ضد قوانين صدرت في عهد أوباما وتهم المواطنين الأميركيين، معطيًا الأمل للمملكة العربية السعودية؛ لكنّ ما فشلوا في توقعه هو أن قانونًا مثل جاستا لا يمكن دفعه جانبًا بسهولة. ووفقًا لمحللين، هذا القانون كان سيلزم السعودية بدفع تريليون دولار تعويضات، وليس من الصعب أن نتصور مساومة السعودية أثناء زيارة محمد بن سلمان لتهنئة ترامب على فوزه بالرئاسة، وأثناء زيارة ترامب إلى الخليج.

بالوعد بشراء أسلحة وذخائر بـ400 مليار دولار، تمكنت السعودية أنيًا من النجاة من التعويض وخطر العزلة عن المجتمع الدولي.

وأضافت الصحيفة أنّ قانون جاستا لهم كان بمثابة سيف «داموكليس»، الذي يمكن استخدامه في أي وقت؛ لذلك افتتحت «بروفة إقليمية» للجاستا، أو ما أسمته الصحيفة مركز مكافحة الأفكار الراديكالية، وكان العثور على كبش فداء سريعًا جدًا، وهو قطر، التي تعاني من مشاكلها مع السعودية بشكل واضح منذ عام 2012.

وأثارت تغريدات دونالد ترامب، في طريق عودته من زيارة الخليج، الأزمة أكثر، التي قال عنها: «أثناء رحلتي الأخيرة إلى الشرق الأوسط قلت: لم يعد من الممكن تمويل الأيديولوجية المتطرفة، والزعماء أشاروا إلى قطر»، موضحة أنه موقف ينتهك قواعد السياسة الدولية.

وأضافت الصحيفة أنه كان من الممكن لدول مجلس التعاون الخليجي البحث عن حلول للمشكلة لتجنّب الضغوط على المملكة؛ لكنها اعتمدت على ترامب وأطلقت الحصار، الذي لم يسفر عن نتائج حتى الآن.

لافتة إلى أنّ الدول الأربع اعتقدت أنها ستحقق مكاسب دولية ومحلية مشتركة، لكن اتضح أن لكل دولة مطالب وتوقعات مختلفة.

الفاعلان الجانبيان: تركيا وإيران

أوضحت الصحيفة أن أزمة الخليج أكّدت أيضًا أنّ حل أي مشكلة إقليمية ليس ممكنًا من دون تركيا وإيران، الفاعلان الرئيسان في النظام الإقليمي العربي، لافتة إلى أنّ تركيا ساهمت إسهامًا كبيرًا في محاولة حل الأزمة؛ عبر السياسات المتوازنة التي اتبعتها منذ بدايتها، إضافة إلى الإسراع في تقديم المساعدات العسكرية التي من شأنها تعزيز السلام الإقليمي.

وهذا بدوره جعلها تستعيد جزئيًا -على الأقل في سياق منطقة الخليج- الشعبية التي فقدتها منذ عام 2012 في نظر الجمهور الإقليمي؛ بسبب حملات التشهير المختلفة ضدها. فعلى الرغم من العداء الكبير ضد تركيا في الخليج استطاعت أن تؤدي دور الوسيط بمواقف ثابتة وموثوقة ومقبولة لدى دول الأزمة إلى حد كبير؛ ما يلفت إلى أنه لا يمكن أن يكون هناك مستقبل في المنطقة من دون تركيا.

وفيما يتعلق بإيران، فإنها لم تمارس سياسات عدوانية أو تصعيدية، التي تنفذها عادة في أوقات الأزمات، وفضّلت التمسّك بخط أكثر واقعية، وعلى الرغم من أنّ هذا الموقف لا يحل الأزمة؛ فإنّه يلفت إلى أنه إمكانية أنّ يصبح شريكًا في حل الأزمات المقبلة، ويسمح لهم بتطوير سياسات أكثر تعاونية في المنطقة.

أبعاد الأزمة: التناقضات بين العلاقات العالمية والإقليمية

لفتت الصحيفة إلى أنّ أزمة الخليج أثبتت أن الإجراءات التي تُحرّكها القوى العالمية في السياسة الدولية لا تولّد دائمًا النتيجة المتوقعة، وأنّ العلاقات الإقليمية لا تقلّ أهمية عن العلاقات العالمية؛ فعلى الرغم من صغر دولة قطر استطاعت أن تؤدي دورًا فعّالًا في تشكيل التوازن الإقليمي.

وأوضحت أن الأزمة أظهرت قدرتها على تطوير سياستها الخارجية منذ عام 1995، رغم معاناتها منها اقتصاديًا، وأتيحت لها الفرصة للمرة الأولى أن تختار السياسة التي وضعتها بنفسها، إضافة إلى التوطيد في الداخل. إضافة إلى ذلك، حققت قطر توطيدًا سريعًا في الداخل؛ ما أثبت قدرة إدارة الشيخ تميم بن حمد آل ثاني.

كما عزّزت مكانة أميرها الشاب وجعلته عاملًا لا غنى عنه في جميع شؤون الخليج، وقضت على الجدل الدائر بشأن عمر الملك أو الأمير منذ تولي تميم إدارة شؤون البلاد في 2013، لافتة إلى أنه سيفضي أيضًا إلى تعزيز روح التنافس بين قادة الخليج الأصغر سنًا مستقبلًا؛ إذ أصبح محمد بن سلمان ولي العهد في السعودية ومحمد بن زايد يشارك في تحريك الأمور في الإمارات من خلف الستار.

وأوضحت أن التنافس في المستقبل القريب سيكون بين قادة الخليج الأصغر سنًا، لافتًا إلى أن أمير قطر يسعى إلى بناء علاقات مع أوروبا على أساس استثماري بدلًا من عقلية «الدولة الريعية»، كما أنه يأخذ علاقاته مع تركيا إلى مستوى جديد كليًّا.

وختمت الصحيفة مقالها بأنّ أزمة الخليج أعطت الدول الإقليمية درسًا مهمًا، وأثبتت مرة أخرى أن الولايات المتحدة لم تعد تدير العالم وحدها، وسمح للدول محل الأزمة بأن تقدّر الحقائق الخاصة بوضعها ونوايا الأطراف الأخرى، إضافة إلى الإيمان بأنّ ثقافة الأزمة لا تحلّ أيّ شيء، مؤكدة أن إنهاء هذه الأزمة سيأخذ وقتًا أكثر من المعتاد؛ بسبب الأسباب النفسية الناجمة عن العاطفية التي تسود سياسات المجتمعات الإقليمية.

المصدر



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023