الصحافة كيف نحميها من أبنائها؟
سؤال يسترعى انتباه العاملين في المجال الصحفي قبل غيره، إذ كيف يُطلب حماية المهنة من ممتهنيها؟ ! و لكن عندما يٌنظر للأمر من زاوية أخرى و هي زاوية المتابع و وفقا لما كٌتب في الجزء الأول من سلسلة مقالات الإصلاح الصحفي نجد ان هناك مشاكل في العمل الصحفي و في المنتج الصحفي ذاته، و قد يلح سائل في تفصيل أكثر حول هذه المشكلات…
فلا أجد سوى وصف الحالة الصحفية قبل البدء في طرح العلاج و الذي سيعبر عن وجهة نظر شخصية قابلة للنقاش و حتى للرفض الجزئي أو المطلق..
إن مهنة الصحافة و قد بدأت عوامل التصدع تضربها في مقتل و تسبب ذلك فى فقدان الثقة فى الصحافة و بدأت نزعة الكره تطغى على البعض، و أصبح لكل صحفي مجموعة من المؤيدين و مجموعة من المعادين،، كل حسب ميوله و إنتمائاته. حتى انعدمت الثقة بين القارئ و الصحفي من جهة و بين الصحفي و الصحفي من جهة أخري.
علاوة على بروز دور الإعلام الإلكتروني الذي سمح للجميع بالحديث و التناول و التعاطي و ساعد على تهميش الصحافة المطبوعة، إضافة لكثر المحطات و برامجها الإعلامية و التي تعتمد على المواهب الصحفية من مختلف التيارات.
و لا يخفى على الكثير وجود فساد إداري و استغلال بعض من رؤساء مجالس الإدارات المؤسسات الصحفية لها من اجل لعب أدوار معينة، و الهيمنة الحزبية على بعض الصحف، و رأي آخر يتهم جماعة الإخوان المسلمين بالسيطرةعلى النقابة و على نسبة لا يستهان بها من الصحافيين بل و يتعدها لنسب بعضا من رؤساء مجالس الصحف القومية للجماعة نفسها.
كل ذلك رسخ لدى القارئ أن الصحافة تخلت عن دورها الحيادي فى ألقاء الضوء على الخبر و الحادث فعلا،، و بدلت أسلوب عملها لصناعة الخبر بما يتفق مع وجهة نظهرا فيتعدى ذلك أحيانا لفبركته و الاعتماد على نوعية من الأدلة التي لا يعتد بها – كشهود العيان مثلا – الذين يدلون بشهادة تتفق و وجهة نظرهم. فتلونت بعضا من الصحف التي تمتعت بقدرا من المصداقية فنجد الآن على الساحة:
صحفا صفراء التي تتخذا من الإثارة و التهويل مبدءا و تشجع على الاحتقان والإثارة وتقود فى النهاية إلى المواجهة، وأخرى سوداء و تتولى مهمة نشر وجهة نظر أحادية دون منطق أو تحليل… و كذلك الحمراء و هي التي حملت لواء النزول للأدنى … استجابة لرغبات و شهوات البعض و أصبح مبدأ الارتقاء المهني لديها حبيس الأدراج و استبدلته بمعادلة كمية التوزيع تساوى فرص البقاء. وحتى تلك التي نجت من محاولات التلوين أصابها مرض الحياد السلبي بعد تضاءل دورها و أصبحت بمعزل عن التأثير و الاستقلالية.
فبعد أن سمح الصحافيين لغيرهم بالتدخل فى صميم عمل مهنتهم أجبر بعضهم للتخلي عن مبادئ الصحافة و حولوها لتجارة رابحة في المقام الأول و الأخير … لدرجة أن عدد من الصحافيين سمّوا بشعراء بلاط الخليفة…. فهم يمدحون حين يقبضون…و يذمون حين يٌتجاهلون… يدلون برأيهم في كل موضوع و كأنهم الموسوعة العلمية الثقافية العسكرية التاريخية… دون احترام للتخصص أو لدراسة ما سيتم أبداء الرأي فيه أو حتى الاعتذار للجهل بطبيعة الموضوع… فتجدهم يتقولون بما لم يكونوا عليه من الشاهدين و يهرفون بما يسمعون و يخيل لبعض القراء أن هؤلاء يتخيلون أكثر مما يقرؤون.
قد يكون هناك تجاوز فيما ذكرته، و لكنه تجاوز لا يغض الطرف عن الحقيقة التي أجبرتني على الكتابة في هذا الخصوص للمرة الثانية، فهناك خلل حقيقي في الصحافة، و الكثير لم يعد يشعر أن ما يكتب فى الصحف أو ما ينتجه الصحافيين من أعمال تمت للصحافة بصلة، يشعرون معها –حقيقة- بالتربص، و العدوانية التي تصل لدرجة محاولة خطف و تضليل الرأي العام.
إن للصحافة دور هام فى نقل و توصيل المعلومة و تسليط الضوء على الحدث ليشعر معه المواطن و القارئ بالأمن و الثقة، بدلا من الشعور بالعزلة و اليأس، و لهذا سأطرح العلاج الوافي و الناجع لحل أزمة الصحافة المصرية في مقالي القادم و الأخير حول هذا الموضوع بإذن الله.