قال المحلل السياسي لشؤون الشرق الأوسط «بيل لو» إن بيان القاهرة الذي تضمّن ستة مبادئ يعد تراجعًا كبيرًا عن الثلاثة عشر مطلبًا الصادرين من دول المقاطعة بقيادة السعودية في 23 يونيو الماضي.
من بين مطالب يونيو الماضي إغلاق شبكة الجزيرة، إنهاء التعامل مع جماعة الإخوان المسلمين، تقليل التعاون مع إيران، غلق القاعدة التركية الموجودة في قطر، الخضوع إلى مراقبة خارجية لشهرين للتأكد من تنفيذ المطالب، إضافة إلى دفع قطر مليارات الدولارات للتعويض عن الضرر الذي زعموا أنها سببته للدول المجاورة بعد تظاهرات «الربيع العربي».
يرى «بيل» أن هذه الدول رغبت في استسلام قطر، وهو ما يمثّل هجمة غير مسبوقة على استقلال دولة بمجلس التعاون الخليجي وسيادتها؛ لذا جاء رد وزير الخارجية القطري للتأكيد بأن هذه المطالب يستحيل تنفيذها، وقال إن الجميع يعلم أن هذه المطالب جاءت لإضعاف سيادة قطر وإنهاء حرية التعبير وفرض آلية التدقيق والرقابة على قطر.
يضيف «بيل» أن الأزمة تكمن في صعوبة هذه المطالب، وهو ما وضع السعوديين والإماراتيين في وضع سيئ؛ فإما أن يستمرا في التصعيد أو التهدئة. ولا شك أن تصريحات الرئيس الأميركي ساهمت في جرأة دول المقاطعة؛ خاصة بعد تغريداته الجاهلة الادعاء بأن قطر مصدر تمويل الإرهاب.
يوضح «بيل» أن الرئيس الأميركي يبدو أنه لم يكن يعلم أن الدوحة تستضيف ما يقرب من عشرة آلاف جندي أميركي في كبرى قاعدة جوية خارج أراضيه، فأخبرته وزارتا الدفاع والخارجية بأن عزل قطر ومعاداة أكثر دولة تدعم أنشطة أميركا يعد خطأ فادحًا؛ لذا عاد ترامب إلى الانشغال بمهاجمة وسائل إعلام بلده، ما ساهم في راحة «تيلرسون» و«ماتيس».
في الوقت ذاته، اكتشف ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وولي العهد الإماراتي محمد بن زايد أنهما بدآ في خسارة الحرب الإعلامية، وظهرا وكأنهما يتلاعبان بدولة صغرى؛ وهو ما لم يبدُ أمرًا جيدًا.
العودة إلى 2014
إلى القاهرة، وبعد عشرة أيام من المهلة المعطاة لقطر للرد على المطالب، وبعد تمديد المهلة يومين آخرين؛ بدأت الدول المقاطعة في الاجتماع للتداول بشأن الرد القطري على مطالبهم، واجتمعوا وخرجوا بنتائج.
يؤكد «بيل» أن ما اتضح من نتائج اللقاء أن لهجة المطالب انتهت وجاءت بدلًا منها لهجة المبادئ المشتركة لإقناع قطر بالانضمام، في حالة التركيز نجد أن هذه النتائج تتفق مع المطالب القديمة؛ ولكن أعيدت صياغتها في شكل أقل حدة.
من أبرز ما جاء في اجتماع الأربع دول «المطالبة بحظر جميع أعمال التحريض وأشكال التعبير التي تنشر أو تحرّض أو تعزز الكراهية والعنف» بدلًا من «المطالبة بغلق قناة الجزيرة»، وكذلك: «مسؤولية دول المجتمع المدني لمواجهة كل أشكال التطرف والإرهاب؛ لما يمثله من تهديد للسلام والأمن الاجتماعي» بدلًا من المراقبة الشهرية للتأكد من تنفيذ قطر المطالب.
تبدو الاستراتيجية الحالية محاولة للعودة إلى الانفراج المضطرب لأزمة 2014 بوساطة كويتية، عندما سحبت السعودية والإمارات والبحرين سفراءها من قطر؛ احتجاجًا على ما اعتبروه تقارب العلاقات مع طهران، حينها وافق تميم بن حمد على نقاط.
على الرغم من موافقة تميم على مطالب في 2014؛ فإن الوضع لم يتغير كثيرًا. استمرت قطر في دعمها لجماعة الإخوان المسلمين وحماس، واستمرت الجزيرة في انتقاد السعودية؛ لذا كان يحب التحرك لوضع قطر على المسار المُعدّ لها. لكن، بدلًا من استخدام نهج مخفف؛ بدأ «بن سلمان» و«بن زايد» في نهج شديد، وهو ما تسبب في صدمة للقطريين.
نضج دبلوماسي
أثبتت قطر أنها يمكنها التعامل بقواعد دبلوماسية، واستمرت في الهدوء في الوقت الذي واصلت فيه وسائل الإعلام السعودية والإماراتية حملة شرسة ضدها، وقالت قطر إنها جاهزة لفتح حوار؛ لكن بعد هدوء الجانب الآخر، وهو ما اتفقت معه أميركا وألمانيا وإيطاليا وقالوا تصريحات شبيهه.
يرى «بيل» أن قطر ستتنازل عن أشياء، وستعود العلاقات الهادئة والدبلوماسية؛ خاصة في ظل التوقعات بتوقف دفع السعودية نحو رفع عقوبات قاسية ضد قطر. لكنّ عودة العلاقات لن تكون في أي وقت قريب.
يضيف «بيل» أن الإماراتيين أيضًا لن يستمروا في نهج قوي؛ بسبب علمهم أن قطر تستمر في تزويدهم بقرابة ملياري قدم مربع يوميًا من الغاز عبر الأنابيب وبأسعار أقل من السوق، وطوال الأزمة أكدت الدوحة أنها لن تتوقف عن هذا الإمداد؛ وهو دليل آخر على النضج القطري في التعامل مع الأزمة، عكس الدول المناهضة لها.
المنتصر والمهزوم
الآن، هناك تساؤل عن المنتصر والمهزوم في هذه الأزمة. يرى «بيل» أن مجلس التعاون الخليجي يعتبر الآن ضعيفًا ولن يشفى في أي وقت قريب، بينما استمرت إيران في متابعة الموقف برضا تام؛ لذا يبدو أن طهران الطرف المنتصر في هذا الوضع، أما أكبر مهزوم فهو محمد بن سلمان.
يضيف «بيل» أن الطبيعة المتسرّعة للأمير الشاب تسبّبت له في أزمات؛ حيث تسرّع في الدخول في حرب مع اليمن اعتقادًا منه بسهولة الانتصار. والآن، بعد مرور أكثر من عامين وعواقب وخيمة للشعب اليمني، لا يبدو أن هناك أي نهاية قريبة.
أطلق محمد بن سلمان «رؤية 2030»، وبعد عام بدأ يخسر الدعم لخطته؛ بسبب التخفيض الكبير في الأجور والمزايا.
يبدو أن الأمير السعودي خُدع دبلوماسيًا؛ على الرغم من تهميشه لمنافسه على العرش محمد بن نايف، الذي خسر منصبه وليًا للعهد ووزيرًا للداخلية في 21 يونيو فيما يبدو وكأنه انقلاب سعودي؛ إلا أن أخطاء «بن سلمان» وتراكمها تسببا في زيادة أعدائه داخل السلطة الحاكمة، إضافة إلى بداية تدهور الوضع الاقتصادي. لذا؛ هل يستطيع الأمير السعودي التعلم من أخطائه، أم أنه سيستمر في التسرع والتهور؟