اعتبر محلل الشؤون الدولية «أنتوني بلنكين» أن تحرير الموصل بمثابة نقطة تحوّل في الحرب ضد أخطر المنظمات الإرهابية، التي لم تعد تسيطر على أراضٍ واسعة في العراق.
يضيف «بلنكين»، في مقال نشرته صحيفة «نيويورك تايمز»، أنه في الوقت الذي تحتفل فيه إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالتخلّص من خلافة تنظيم الدولة؛ لكنه من المبكر الشعور بالراحة، خاصة في ظل غياب الاستراتيجية لمرحلة ما بعد تنظيم الدولة.
منذ خمسة عشر عامًا، قبل غزو الرئيس الأميركي جورج بوش العراق، أكّد عضوا مجلس الشيوخ جو بيدن وريتشارد لوجر مخاوفهما؛ متسائلين عن مسؤولية أميركا بعد رحيل صدام، وهو التساؤل الذي لم يعرف أحد إجابته؛ إلا أنه أثبت أهميته في الأعوام السابقة.
يستكمل «بلنكين»: «يستمر هذا التساؤل حتى الآن، حتى بعد هزيمة التنظيم عسكريًا؛ إلا أن الظروف السياسية والاقتصادية التي سهلت ظهوره لا زالت موجودة وتتفاقم. لذا؛ كيف نتأكد من استمرار هزيمة هذا التنظيم وابتعاده؟».
يرى «بلنكين» أن ما يجب القيام به في أسرع وقت هو الجهود لإعادة الاستقرار والأمن والحكم، وإعادة بناء المدن؛ حتى يعود إليها الأشخاص الذين تركوها. من الأخبار الجيدة بدء التحالف الذي تقوده أميركا جمع التمويلات اللازمة لبداية هذه المرحلة من الأمم المتحدة، وهي الخطة نفسها التي تُعدّ لسوريا.
رغم وجود هذه الخطط؛ إلا أن الحرب الأهلية السورية ستصعّب من مهمة تنفيذها، وهو ما اتضح في بطء عودة الحياة إلى مدينة الطبقة المُحرّرة من أيدي تنظيم الدولة منذ شهرين.
يوضح «بلنكين» أن هناك تحديًا آخر بوجود ما يقرب من 25 مليون شخص سني يعيشون بين بغداد ودمشق وعُزلوا عن حكومتهم؛ لذا إن لم يُقنعوا بأن دولتهم تستطيع حمايتهم فمن الممكن أن نرى عودة تنظيم الدولة وقدرته على تجنيد بعض منهم والحصول على دعم الآخرين.
في الوقت الحالي، يبدو أن فرص العراق في النجاح قوية؛ لكن يمكن لقادة أجهزتها الخاصة أن يتسببوا في إدامة الظروف التي أدت منذ البداية إلى ظهور المتطرفين، وهنا يأتي دور الدبلوماسية الأميركية؛ فعلى الرغم من أن أميركا لا يمكن أن تملي النتائج في دولة ذات سيادة مثل العراق، فإنه يمكنها تقديم دعم وتحفيز للأشخاص الراغبين في وضع الدولة على الاتجاه الصحيح.
يمكن لأميركا أن تبدأ ذلك بدعم رئيس الوزراء العراقي حيدر عبادي، الذي نادى بفيدرالية عاملة وإعطاء العراقيين في كل مقاطعة ومنطقة المسؤولية والموارد لحمايتهم وإنشاء المدارس وحكم حياتهم اليومية؛ وهو ما يعد أفضل طريقة لإقناع المسلمين السنة أن مستقبلهم سيكون بداخل العراق وليس مع تنظيم الدولة.
ينصّ الدستور العراقي على تطبيق اللامركزية، ولكن ذلك لم يُطبّق حتى الآن؛ حيث يصرّ البعض داخل المجتمع الشيعي على الإبقاء على غنائم حكم الأغلبية والحفاظ على هيمنتهم على العراق لحكم السنة.
يرى «بلنكين» أن بداية تطبيق النظام الفيدرالي تبدأ بتنفيذٍ فعّال لقانون خاص بمليشيات العراق المعروفة باسم قوات الحشد الشعبي، التي يجب وضعها تحت سيطرة الدولة وإبعادها عن السياسة وعن المناطق التي يوجد بها سنة.
في الوقت نفسه، يجب أن تستخدم إدارة ترامب العلاقات القوية مع الأحياء التي يعيش فيها السنة العرب للضغط عليهم للمشاركة الفعالة في بغداد والاندماج، وكذلك ضمان اعتدال طموحات المجتمع السني.
يضيف «بلنكين» أن غيابهم عن العراق تسبّب في وجود فراغ تستغله إيران، كما أن دعمهم غير المشروط لأي مطلب سني يعزز من الطائفية، التي تمكّن طهران من العراق؛ وهو ما يهدد بسقوط الدولة.
تمثّل طموحات الأكراد تحديًا متقلبًا مماثلًا لاستقرار العراق، بعد دعوة مسعود بارزني إلى استفتاء لاستقلال الأكراد في سبتمبر المقبل. في الوقت ذاته، استفاد الأكراد من قتالهم ضد تنظيم الدولة واستحوذوا على 70% من الأراضي في شمال العراق المتنازع بسببها الأكراد والعرب ولا يميلان إلى التخلي عنها.
يعتبر الاستقلال حلم الأكراد، لكن التحرك لتحقيقه بسرعة يمكن أن يتسبب في غضب بغداد والسنة، بجانب تركيا وإيران؛ وهنا يجب أن تتدخل أميركا لتقوم بدور الوسيط، والقيام باتفاقية تعطي الأكراد سيطرة على البترول في أراضيهم، وإبقاء القوات الفيدرالية في الخارج، والتفاوض على مسؤولية مشتركة في مدينة كركوك المتنازع عليها. لا يمكن لذلك الحدوث من تلقاء نفسه؛ لذا يجب على أميركا أن تقوم بدورها.
يؤكد «بلنكين» أن رحيل أميركا في 2011 كان بسبب رغبة العراقيين في رحيلهم، لكن في أعقاب كابوس تنظيم الدولة يبدو أن هناك كثيرين يرغبون في وجود أميركي لتدريب القوات العراقية وتمكينها وتوفير استخبارات ودعم لمكافحة الإرهاب من دون التدخل في المعارك؛ ويبقى الاختبار القادم الحاسم لإدارة ترامب هو كيفية التنقل في هذا المناخ السياسي.