قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إن القوات الحكومية السورية قصفت بالمدفعية وأسقطت قنابل من طائرات على عشرة مخابز على الأقل في محافظة حلب المكتظة بالسكان على مدار الأسابيع الثلاثة الماضية، مما أدى لمقتل وإصابة مئات المدنيين الذين كانوا يقفون لشراء الخبز.
وذكرت رايتس ووتش إن الهجمات على أفضل تقدير عشوائية تمت بشكل متهور ويبدو من عدد الوقائع المتكررة ونمطها أن القوات الحكومية كانت تستهدف المدنيين بشكل عمدي، مما يمثل جرائم حرب.
فبعد أسابيع من القتال في محافظة حلب بين القوات الحكومية والجيش السوري الحر، أجبر النقص الشديد في الطحين العديد من المخابز على الإغلاق. ويصطف المواطنون في طوابير طويلة بشكل دائم أمام المخابز المتبقية لشراء الخبز.
وأكدت المنظمة إن المخابز العشرة كانت توفر الخبز للسكان المدنيين ومن الواضح أنها من المباني المدنية.
ووثقت هيومن رايتس ووتش أن القوات الحكومية السورية تعمدت استهداف المواطنين اثناء وقوفهم أمام المخابز في انتظار الحصول على الخبز وأظهرت المخلفات المتطايرة من القذائف والصواريخ والقنابل تضرب على مسافة قريبة للغاية من الطوابير، وتخترق الشظايا الناس المتجمعين، مما أدى إلى مقتل وإصابة العديد منهم بإصابات جسيمة. في حالات قليلة، وركض الواقفون في الطوابير قبل الهجوم عندما سمعوا الطائرات المقاتلة وهي تقترب.
وقال أولى سولفانغ- باحث قسم الطوارئ في هيومن رايتس ووتش الذي عاد لتوه من حلب-: "يوم بعد يوم، يصطف سكان حلب للحصول على الخبز لأسرهم، وبدلاً من الخبز تأتيهم الشظايا من قنابل وقذائف الحكومة تخترق أجسادهم. قصف عشرة مخابز ليس مسألة عشوائية، ويُظهر عدم المراعاة التامة للمدنيين وربما محاولة استهدافهم".
وأكد الشهود على هجمات المخابز أن الحكومة لم تقدم أي إنذار.
والجدير بالذكر أن المخابز العشرة تقع في أحياء أو بلدات لم تشهد قتالاً قبل أو أثناء الهجمات وكان تواجد الجيش الحر للحفاظ علي النظام والمساعدة في عملية توزيع الخبز، على حد قول شهود، لكنهم لم يصابوا في أغلب الحالات.
وفي حالة واحدة، كانت هناك منشأة للجيش السوري الحر على مسافة 150 متراً تقريباً من المخبز، لكن لم تتضرر من الانفجار. في الحالات الخمس الأخرى التي حققت فيها هيومن رايتس ووتش لم تكن هناك أهداف عسكرية في منطقة الهجوم باستثناء قلة من مقاتلي الجيش السوري الحُر الذين شوهدوا يحافظون على النظام في الطوابير.
وأكدت هيومن رايتس ووتش أن الحكومة لم تحاول تقليل الضرر الواقع على المدنيين لا المروحيات كانت تحلق فوق المنطقة قبل الهجوم، مما يدل على أن القوات كانت تعلم بوجود مدنيين .
وفي إحدى الهجمات الأكثر دموية في حي قاضي عسكر في مدينة حلب يوم 16 أغسطس، أصابت قذيفة أو قذيفتي مدفعية الساحة القريبة من إحدى قواعد الجيش السوري الحر في الحي، على مسافة 150 متراً تقريباً من المخبز. ولم تُحدث القذيفة الأولي أي ضرر بالمنشأة أو إصابات في صفوف أعضاء الجيش السوري الحر. بعد 15 دقيقة، أصابت ثلاث قذائف أخرى المنطقة، واحدة تلو الأخرى تفصل بينها دقائق، مع اقتراب القذائف من المخبز في كل مرة؛ حيث كان مئات الناس ينتظرون الخبز .
أصابت القذيفة الثالثة الشارع على مسافة أمتار من المخبز، فتناثرت الشظايا وسط الناس. من الصعب التحقق من العدد الدقيق للخسائر البشرية في هذا الحادث، لكن السجلات التي اطلعت عليها هيومن رايتس ووتش في مشفى دار الشفاء – الذي استقبل أغلب المصابين والقتلى جراء الهجوم – فيها 49 شخصاً معرفين بالاسم و11 جثة لم يتم التعرف عليها، و76 مصاباً.
و في هجوم يوم 21 أغسطس أصابت قنبلة أطلقتها مروحية طابور خبز في مخبز أقيول في باب الحديد بمدينة حلب، مما أودى بحياة 23 شخصاً على الأقل وإصابة أكثر من 30 آخرين.
هجمات موجهة ضد المدنيين
حظر القانون الدولي الإنساني الهجمات الموجهة إلى مدنيين وأهداف مدنية والهجمات العشوائية التي لا تميز بين المدنيين والعسكريين.
وتطالب قوانين الحرب أطراف النزاع أيضاً بمراعاة إعفاء السكان المدنيين أثناء العمليات العسكرية من الضرر و"اتخاذ جميع الاحتياطات المستطاعة" لتفادي أو تقليص الخسائر العرضية في أرواح المدنيين والضرر اللاحق بالممتلكات المدنية.
الانتهاكات الجسيمة لقوانين الحرب، ومنها الهجمات العمدية والعشوائية وغير المتناسبة التي تضر بالمدنيين والمرتكبة بنية إجرامية – أي عمداً أو عن تهور – تعتبر جرائم حرب.
ويمكن مقاضاة القادة المدنيين والعسكريين على جرائم الحرب إذا أمروا بالهجمات أو ساعدوا فيها أو تواطئوا فيها بأي شكل آخر، أو من واقع مبدأ مسؤولية القيادة، إذا كانوا يعرفون أو يجب أن يعرفوا بارتكاب جرائم الحرب ثم لم يتخذوا إجراءات كافية لمنعها أو معاقبة المسئولين عنها.
وقال أولى سولفانغ: "كل طيار يُطلق عمداً صاروخ على طابور خبز يقف فيه مدنيون، وكل قائد يعطى هذا الأمر، لابد أن يقفوا أمام العدالة على جرائمهم".
دعت هيومن رايتس ووتش روسيا والصين إلى وقف عرقلة تحرك مجلس الأمن من أجل حماية المدنيين في سوريا. وعلى مجلس الأمن أن يحيل الوضع في سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية وأن يفرض حظر أسلحة على الحكومة السورية وأن يتبنى عقوبات محددة الهدف ضد المسئولين المتورطين في الانتهاكات، على حد قول هيومن رايتس ووتش .