أدانت منظمات حقوقية ما وصفته بنهج السلطات المصرية في قتل مواطنيها خارج إطار القانون، وشككت في رواية وزارة الداخلية حول مقتل ثمانية أشخاص ينتسبون لما وصفتها بمجموعة إرهابية تابعة للإخوان المسلمين خلال إطلاق نار في طريق صحراوي جنوبي مصر.
فكيف يمكن تفسير التصاعد لعمليات التصفية الجسدية للمعارضين السياسيين في مصر؟ وما تداعيات هذه العمليات على الاستقرار وعلى صورة نظام الحكم في مصر؟
وقد تلخص المشهد الأخير في ملاحقة من تصفهم الدولة بالإرهابيين، بأنه مع اقتراب قوات الأمن من مكان وجود ما وصفت بالمجموعة الإرهابية على طريق جنوبي البلاد، فوجئت بإطلاق نار كثيف، مما دفع قوات الأمن إلى التعامل بالمثل، رواية تبدو واحدة وتتبناها وزارة الداخلية المصرية لعمليات القتل المتكررة في مناطق مختلفة من البلاد.
وأطلقت السبت الماضي رواية مشابهة عن مقتل شخصين، ولكن على الطريق الدولي في طنطا؛ الأمر الذي أصبح غير مستغرب على مسامع المصريين، وترصده منظمات حقوقية محلية ودولية.
وتحت عنوان “حصاد القهر”، رصد مركز “النديم” مقتل تسعين شخصا خارج إطار القانون في أبريل الماضي وحده، وتحدثت منظمات حقوقية دولية عن مقتل أكثر من أربعمائة شخص خارج إطار القانون في مصر خلال الربع الأول من هذا العام.
ويبدو أن هاجس السيسي كما قال في جنازة النائب العام هشام بركات هو تُنفيذ العدالة، وذلك أمر -في رأيه- يتعثر بسبب القوانين التي تغل يد العدالة! ومنذ ذلك كانت الوصفة السحرية للسيسي كما فهمها الأمن المصري والتي تكمن في تجاوز القانون إذا أمكن، ذلك ما وصفته هيئات ومؤسسات حقوقية وإنسانية بتوحش ظاهرة القتل خارج القانون في مصر.
ويوثق تقرير لـ “هيومن رايتس مونيتر” حوالي 420 حالة خلال الربع الأول من هذا العام، قام فيها رجال الأمن بتصفية خصوم سياسيين ومعارضين جسديا، إما بالقتل المباشر أو بالكمائن أو بالإهمال الطبي المتعمد لبعض المعتقلين المرضى. آخر الأمثلة كانت مقتل ثمانية من المعارضين ممن وُصفوا بالإرهابيين خلال ما قالت الداخلية المصرية إنه تبادل لإطلاق النار معهم، وحسب الرواية الرسمية فإنه قد جرت ملاحقة هؤلاء ثم رُصدت أماكن وجودهم قبل الاشتباك معهم. وهم كما تقول الرواية نفسها تابعون لتنظيم الإخوان الإرهابي.
أما المسكوت عنه وفقا لمعارضي النظام فهو تصفية هؤلاء لا مقتلهم خلال اشتباكات، وقد حدث هذا في سيناء قبل ذلك، حيث كشف فيديو مسرب صورا بالغة القسوة والصعوبة لإعدامات ميدانية تقوم بها عناصر تابعة للجيش المصري لعدد من المواطنين بينهم فتى في الخامسة عشرة من عمره.
القادم أسوأ
يعني ذلك تهميش القضاء، فلم يعد هو الفيصل في إصدار الأحكام وتنفيذها، بل الجهات التنفيذية وفقا ما قد تقدره ميدانيا، ذلك ما قد يفسره إغلاق ملف غرفة عمليات رابعة بتخفيف الأحكام المشددة بحق عناصر قيادية بالإخوان المسلمين، من بينهم مرشد الجماعة نفسه، فليس المهم إصدار الحكم بل تنفيذه وقد يكون ذلك بمعزل عن آليات القضاء وتنفيذ الأحكام، وتلك ثنائية تشير إلى أن الأسوأ قد يصبح سياسة معتمدة، فبعثُ رسائل عن مرونة قضائية مع الخصوم مقابل سياسة أمنية غير معترف بها رسميا تقوم على تنفيذ أقصى الأحكام في حق من تريد من هؤلاء وأنصارهم، قتلا في كمائن أو ملاحقات أو إهمالا طبيا لهم إذا كانوا مرضى وفي الزنازين، المهم ألا يغل القانون يد العدالة حسب ما قال السيسي.
روايات جاهزة
وفي هذا السياق يقول الدكتور ثروت نافع عضو لجنة الدفاع والأمن القومي في مجلس الشورى المصري السابق، إن الروايات الحكومية في هذا الإطار هي روايات ثابتة وجاهزة منذ الثلاثين من يونيو 2013، ووزارة الداخلية أطلقت يدها في قتل المعارضين للنظام خارج إطار القانون.
وأضاف أن هذا الأمر يتصاعد بشكل كبير وفق سياسة ممنهجة لتصفية المعارضين عبر القتل بالإهمال الطبي والتعذيب داخل السجون أو بالتصفية الجسدية، لا سيما مع غياب “وانبطاح” السلطة القضائية أمام “رغبات وشهوات السلطة التنفيذية”، بحسب وصفه.
ولفت نافع في تصريحات تلفزيونية إلى أنه في جميع الحوادث التي تم فيها القتل خارج إطار القانون لم توضح الداخلية ما الذي دفعها لتصفية من تصفهم بالمتهمين، لا سيما أن القتل يتم باستهداف الضحايا بالرصاص في مناطق قاتلة كالقلب والرأس.
ليس قتلا
في المقابل، رفض محمود إبراهيم نائب رئيس مركز الاتحادية للدراسات إطلاق وصف القتل أو التصفية الجسدية على هذه العمليات، وعدها دفاعا عن النفس “أو أي شيء آخر”.
وقال إن هناك إرهابا وجماعات إرهابية تحارب الدولة، ومن قتلوا مؤخرا كانوا في الصحراء دون إذن، في ظروف تشير إلى أنهم يقومون بأعمال خارج القانون، وربما يكون التعامل معهم جاء من قوات لديها أوامر بالتعامل بشكل مباشر.
ويرى محمود أن التقارير التي تشير إلى عمليات قتل خارج إطار القانون تُكتب في مكاتب ليست لها علاقة بأرض الواقع، بهدف تشويه سمعة النظام المصري، على حد تعبيره.
أعمال عصابات
ومن جانبه، رأى مدير مركز شهاب لحقوق الإنسان خلف بيومي، أن الأجهزة الأمنية في أي دولة هي جزء من منظومة العدالة وأداة لتنفيذ قوانين الدولة، وإذا خرجت عن هذا السياق والمهام أصبحت مليشيات مسلحة، وأي جماعات مسلحة تشجع على ظهور جماعات مسلحة مضادة.
ويرى بيومي أن قوات الأمن المصرية توارثت عقيدة مفادها أن هيبة الدولة وتنفيذ قوانينها يكونان خارج إطار القانون بالقتل والتعذيب، وهناك أدلة وأمثلة وتقارير داخلية وخارجية على ذلك.
وحذر من أنه إذا استمرت هذه القوات في تنفيذ دورها خارج نطاق القانون فستنمو عمليات مضادة قد تقود لحرب أهلية، وبالتالي تصبح الدولة فاشلة بالكامل، ومن يشجع على هذا المنطق فهو يسعى لإفشال الدولة.
وأكد في تصريحات تيلفزيونية، أن التذرع بأن الدولة في حالة حرب مع الإرهاب، فإن العديد من الدول -لا سيما الأوروبية- في حالات مشابهة، لكن هناك التزام بالواجبات القانونية في الأجهزة التي أعطيت السلاح لتنفيذ آليات القانون.