انتصر المرشح الفرنسي إيمانويل ماكرون، رئيس حزب “إلى الأمام”، منذ قليل على مُرشّحة اليمين المتطرف عن حزب الجبهة الوطنية “مارين لوبان” في الانتخابات الرئاسية الفرنسية؛ ليكون بمثابة ضربة أخرى لصعود الشعبوية في أوروبا.
ونشر موقع “ذا أتلانتك” تحليلًا للصحفي والكاتب يوري فريدمان تحدث فيه عن الأزمات التي ستواجه ماكرون في الانتخابات البرلمانية القادمة بسبب أن حزبه “جديد” على المشهد السياسي.
وإلى نص المقال:
قد يسبب فوز المرشح الرئاسي إيمانويل ماكرون على منافسته “مارين لوبان” شقوقًا في السياسة الفرنسية بدلًا من إصلاح الانقسام الذي تشهده الدولة؛ ما يمثل تحديًا لأي نظام ديمقراطي حديث، خاصة في أوروبا.
وسجّلت تقارير عدم مشاركة ربع الناخبين الفرنسيين في الانتخابات الفرنسية، وهو من أعلى معدلات الامتناع عن التصويت في تاريخ الجمهورية الخامسة الفرنسية التي أنشأها شارل ديجول في 1958. ويبدو أن المصوّتين الفرنسيين يشعرون بحالة من خيبة الأمل من القادة، وسواء كان ذلك ردًا على فشل الحكومة في تعزيز الاقتصاد الراكد أو تأمين الدولة من الهجمات الإرهابية؛ أكد الشعب الفرنسي في أكثر من مناسبة عدم ثقته في الحكومة.
وتسبب احتجاج الفرنسيين على حكومتهم في تعزيز موقف ماكرون حتى وصل إلى الرئاسة، وهو لا ينتمي إلى أي حزب معروف في فرنسا؛ بل أنشأ حزبه الخاص “إلى الأمام” منذ عام. ولكن، يمكن أن يتحول استقلاله الذي تسبب في فوزه إلى عائق خلال الانتخابات البرلمانية في يونيو.
ووعد ماكرون بوضع مرشحين لحزبه في كل مقاطعة انتخابية فرنسية، وتُظهر استطلاعات أن حزبه يمكن أن يفوز بمقاعد الجمعية الوطنية الفرنسية، ويمكن أن يفوز بالأغلبية؛ ما قد يمثل مفاجأة كبرى لحزب جديد في المشهد السياسي.
ولكن، في حالة خسارته للأغلبية، سيحتاج ماكرون إلى تكوين تحالفات مع أحزاب أخرى. وإذا فاز حزب آخر بالأغلبية فإنه سيحاول التعايش معه فيما يُطلق عليه في فرنسا “التعايش”.
وفي الانتخابات الفرنسية السابقة، جاء الرؤساء من أحزاب وسط يسارية أو وسط يمينية، ويعني فوزهم في الانتخابات الرئاسية تمهيد الطريق لفوز أحزابهم بالأغلبية في الانتخابات البرلمانية؛ ما يتيح للرئيس تعيين رئيس الوزراء من حزبه ليدير الحكومة كما يريد. ولكن ذلك لم يحدث دائمًا؛ حيث شهدت فرنسا في ثلاث مرات مختلفة مرحلة “تعايش” فاز فيها حزب مختلف عن الرئيس بأغلبية البرلمان.
وقال أستاذ السياسة المقارنة بجامعة دارتموث “جون كيري” إن دور الرئيس تضاءل في فترات التعايش وتقلدت الحكومة سلطة صناعة القرار. فعلى سبيل المثال، خفّض رئيس الوزراء جاك شيراك في أواخر الثمانينيات الضرائب وخصخصة الشركات المملوكة للدولة في الوقت الذي كان فرنسوا ميتيران رئيسًا.
والآن، عادت المخاطر مرة أخرى من اختلاف حزب الأغلبية في البرلمان عن حزب الرئيس؛ فإذا فاز حزب معارض بالأغلبية فذلك قد يقوض ماكرون من تنفيذ أجندته التي تتضمن خفض المصروفات الحكومية وإعطاء أصحاب العمل مرونة في تعيين العاملين وفصلهم والتفاوض معهم.
فإذا كان على ماكرون أن يحشد تحالفًا من فصائل مختلفة، سيتعين عليه أن يبني دعمًا لكل تصويت على كل جزء من التشريعات. وفي هذه الحالات، سيكون فوز ماكرون مختلفًا عما توقعه مؤيدوه؛ حيث سيصارع كرجل انتخب لاتخاذ قرارات جيدة من أجل فعل ذلك، وكرئيس انتخب بسبب رفض المصوتين للأحزاب التقليدية سيُجبر على التعامل معهم؛ وحينها ستزيد حالة خيبة الأمل وسط الفرنسيين.
وتعاني دول أوروبية من هذه الحلقة المفرغة؛ حيث يؤدي الإحباط من المؤسسة السياسية إلى ظهور أحزاب متوسطة وصغيرة للمشهد السياسي ساعية للنفوذ. وقال العالم السياسي روبين بيست بعد الانتخابات الهولندية إنه كلما حدث انقسام سيكون من الصعب تمرير أي نوع من البرامج السياسية المتماسكة وسيصبح المصوتون أكثر إحباطًا.
وإذا فاز الحزب المنتمي إليه الرئيس الفرنسي بأغلبية برلمانية، أو قرّر المشرعون الجمهوريون والاشتراكيون التعاون؛ ستسير رئاسة ماكرون بشكل جيد. وكما قالت المؤرخة إلين فلورانس، أسس ديجول الجمهورية الخامسة حتى لا تعتمد على الأحزاب السياسية التي رأى أنها مصدر لعدم الاستقرار.
وأُسّست الجمهورية الخامسة كنظام هجين يجمع بين مؤسسة النظام البرلماني ومكتب رئاسي قوي؛ بحيث لا تؤدي الأزمة في النظام الحزبي إلى إثارة أزمة حكومية.
وأضافت إلين أن رئاسة ماكرون ستكون اختبارًا حقيقيًا للجمهورية الخامسة كما تصورها ديجول؛ إذ إنه لم يختبرها بسبب تطوير النظام إلى “حزبي”، موضحة أن رؤية ديجول قد تسبب أزمة بعد 60 عامًا من تأسيسها.