اختارت الأحزاب العلمانية الرئيسية مثل حزب الوفد، والحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، وحزب المصريين الأحرار، التنسيقَ مع الجيش كي تصبح جزءاً لا يتجزأ من السلطتين التشريعية والتنفيذية في مرحلة ما بعد عام 2013.
وبعد أن أدركت هذه الأحزاب أن الجيش لم ينفّذ انقلابه لتحرير السياسة المصرية على نحو مستدام أو القبول بتقاسم السلطة مع العلمانيين، وافقت على الرضوخ إلى المؤسسة العسكرية، وحاولت أن تفسح لنفسها إطاراً مستقلّاً من النشاط على هامش موقع الجنرالات المُسيطر.
أيّد كلٌّ من حزب الوفد وحزب المصريين الأحرار وصول عبد الفتاح السيسي إلى السلطة وتبنّيا ترشيحه للرئاسة في عام 2014.
أما الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي فقد رفض اتّخاذ موقف حزبي من الانتخابات الرئاسية، لكن عدداً من أعضائه الموالين للدولة دعموا السيسي على الملأ واستقالوا من الحزب متّهمين قيادته برفض الاصطفاف إلى جانب مُنقذ مصر.
في الانتخابات البرلمانية العام 2015 التي سيطرت على إدارتها بحزم أجهزة الأمن والمخابرات، قامت الأحزاب العلمانية التي كانت متلهّفة للحفاظ على النزر القليل من استقلاليتها، بطرح مرشّحيها كمنفردين وضمن قوائم انتخابية على حدٍّ سواء، ففاز حزب المصريين الأحرار بخمسة وستين مقعداً، وحزب الوفد بخمسة وثلاثين مقعداً.
أما الحزب الديمقراطي الاجتماعي المصري فلم يحصل سوى على أربعة مقاعد في مجلس النواب، فبدت هذه النتيجة أشبه بردّ انتقامي أنزلته الدولة بهذا الحزب لامتناعه عن تبنّي ترشيح المنقذ للرئاسة، وإطلاق تصريحات مندّدة بانتهاكات حقوق الإنسان وبالقوانين المقيِّدة للحريات.
لكن حتى التكتّلات الأكبر، مثل حزبي الوفد والمصريين الأحرار، بدت غير ذات فاعلية؛ نظراً إلى فوز ائتلاف “دعم مصر” المدار أمنياً بغالبية مقاعد البرلمان.
منذ بدء جلسات مجلس النواب في يناير/كانون الثاني 2016، أعاد نوّاب كلٍّ من حزبي الوفد والمصريين الأحرار التأكيد مجدّداً على دعمهم الكلّي للدولة. وقد عرقلت الغالبية الموالية للحكومة المساعي الرامية إلى استخدام البرلمان كمنبر لانتقاد بعض السياسات التي تنتهجها الحكومة، وتدخّلت أجهزة الأمن بشكل مباشر في شؤون الحزبين لزرع بذور النزاع في أوساط قيادتهما وإثارة الشقاق داخلهما، فساند نواب من حزب المصريين الأحرار قياديي الحزب ورئيسه عصام خليل، الذين يحظون بدعم أجهزة الأمن، في إقصاء رجل الأعمال نجيب ساويرس ومجموعته من الحزب، بعد تصاعد انتقادهم لبعض السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي تنتهجها الحكومة.
في غضون ذلك، كان حزب الوفد بدوره يعاني من صراع على القيادة بين رئيسه الحالي السيد البدوي، ونائب الرئيس السابق فؤاد بدراوي، ما أحدث شللاً داخل الحزب وحَدَا بنواب الوفد إلى التنسيق على نحو أوثق مع الائتلاف الموالي للسيسي ونواب أحزاب أخرى مثل حزب مستقبل وطن وحزب المؤتمر.
مجموعة أخرى من الأحزاب العلمانية عارضت هيمنة الجيش على السياسة، من ضمنها أحزاب “الدستور” و”الكرامة” و”مصر القوية” و”العيش والحرية” و”التحالف الشعبي”، وهي تحمل راية المعارضة منذ عام 2013، فيما كان الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي يسلك تدريجياً ذات المسار.
انضم حزبا الدستور والكرامة إلى أحزاب أصغر، مثل حزب العدل وحزب مصر الحرية، في تشكيل منبر يُدعى تحالف التيار الديمقراطي في عام 2013. ومذّاك، يجاهر التيار الديمقراطي بمعارضة الترتيبات السلطوية التي أُرسيت في أعقاب الانقلاب، مندّداً بالقوانين غير الديمقراطية التي صدرت تحت إشراف عبد الفتاح السيسي، وبانتهاكات حقوق الإنسان.
وقد رفض هذا المنبر، مثلاً، كلّاً من قانون مكافحة الإرهاب وقانون التظاهر مطالباً بتعديلهما، ومناشداً الحكومة وضع حدٍّ لانتهاكات حقوق الإنسان، ومن ضمنها التعذيب، والاختفاء القسري، واستمرار إحالة المدنيين إلى محاكم عسكرية. وهو أوضح أن تورّط أجهزة الأمن في انتهاكات حقوق الإنسان يحظى بمباركة أصحاب النفوذ الفعلي في الجيش.
وفي الانتخابات الرئاسية لعام 2014، أحجم التيار الديمقراطي عن تبنّي ترشيح السيسي للرئاسة لصالح صباحي. تدريجياً، بدأ التيار الديمقراطي ينادي علناً بإيجاد بدائل لهيمنة الجيش والأمن والاستخبارات على شؤون الحكم.
من جهة ثالثة، صعّدت أحزاب مثل مصر القوية والعيش والحرية، التي لم تؤيد انقلاب عام 2013 ولا تطلعات الرئيس السيسي، معارضتها، وباتت تدعم الآن الرفض الكامل لمنظومة الحكم السلطوية، كما طالبت علناً بأن يتحمّل السيسي مسؤولية انتهاكات حقوق الإنسان.
حاول الحزبان التعاون مع الناشطين الشباب، ومجموعات الطلبة، والرابطات المهنية، والحركة العمالية من أجل إنقاذ جزء من حرية التعبير وتكوين الجمعيات.
أعطى حزبا مصر القوية والعيش والحرية الأولوية للنشاط في المجالات السياسية غير الرسمية، بعد مقاطعتهما الانتخابات الرئاسية في عام 2014 والبرلمانية في عام 2015 بسبب طبيعتها غير الديمقراطية. وقد نسج حزب مصر القوية صلات وثيقة مع مجموعات طلابية معارضة في جامعات حكومية، وعمل على القفز فوق الأيديولوجيات لجمع الطلاب العلمانيين والإسلاميين المؤيدين للديمقراطية.
من جهته، رعى حزب العيش والحرية بشكل منتظم مبادرات الناشطين الشباب للدفاع عن ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان، فعلى سبيل المثال، استندت مبادرة “الحرية للجدعان”، التي أُطلقت في عام 2013 ومارست منذ ذلك الحين ضغوطاً من أجل الإفراج عن المعتقلين والسجناء السياسيين، أساساً إلى أعضاء بارزين في حزب العيش والحرية، كما قام الحزب – الذي لم يُرخص له إلى الآن – بتشكيل فرق قانونية من أجل الدفاع عن المعتقلين من الناشطين الشباب، والطلاب، والناشطين من العمال.
مع ذلك، لم يكن للمعارضة المتنامية، المؤلفة من هذه الأحزاب العلمانية الصغيرة ذات التمويل الضعيف، من دور فعّال في تغيير ترتيبات السلطة السلطوية بعد عام 2013، ولا في تعديل مشهد تخلي الأحزاب العلمانية الرئيسية عن المبادئ الديمقراطية. والواقع أيضاً أن الحكومة لم تكن متسامحة إزاء دور العلمانيين المعارضين إلاّ حين كان يقتصر على عقد مؤتمرات صحفية وإصدار بيانات صحفية.
في المقابل، جوبهت محاولات الوصول إلى قواعد شعبية مهمة (مثل الروابط المهنية، وجماعات العمل المستقلة، ومجموعات الطلاب، والمنظمات غير الحكومية) بضغوط أمنية وتدابير قمعية، بما فيها اعتقال أعضاء الأحزاب والتشهير العلني بقادتها.