قامت أكثر من 150 مومسًا فرنسية في باريس وهن يُمثلن أغلب “كاهنات الحب” بها، كما يُسمهن النظام الفرنسي بتنظيم مظاهرة، الثلاثاء الماضي، للتنديد بقانون فرنسي يُغرم كل مواطن يذهب إلى بيت إحداهن بغرامة تتراوح بين 1500 و3750 يورو؛ وهو القانون الذي بدأ تطبيقه منذ أبريل/نيسان الماضي، وساوى دفع أكثر من 800 شخص للغرامة الكبيرة نسبيًا؛ وبالتالي هجر أغنياء راغبون في المتعة مقابل الأجر المواخير أو بيوت الدعارة المعروفة في باريس؛ وصارت اللواتي تتكسبن بأجسادهن؛ مع كامل صحتهن، مُعرضات إلى التعامل مع المخمورين والسُّكارى الذين لا يدفعون؛ وإن دفعوا قاموا بضربهن أو حتى نقل الإيدز إليهن.
وأولئك النسوة رفعن اللافتات المُطالبة بحقهن في العمل والمتاجرة بأجسادهن؛ واعتراف الدولة بأن جسد إحداهن هو مصدر دخلها؛ وأن العمل الجنسي “عمل”، وقد كتبن اللافتات بالفرنسية إلى جوار الإنجليزية لِمَنْ لا يفهم لغتهن، وللأمانة فإن فرنسا تُسمي هؤلاء “عاملات القطاع الجنسي”؛ وذلك وفق المنظومة الرسمية للدولة.
وللأمانة، أيضًا، فإن بعض المُتاجرات بأعراضهن طمسن وجوههن بالطلاء، أو اخفين وجوههن خلف اللافتات؛ لكن أغلبهن شمخن بأنوفهن؛ واخترن بذكاء، يُحسدن عليه، الانطلاق من حي “بيغال” في وسط العاصمة الفرنسية؛ والذي يُعد المركز الرئيسي التاريخي للدعارة فيها؛ حيث احتضن منذ مجاهل التاريخ في القرن التاسع إلى أواسط القرن الماضي عشرات المواخير.
والذي يرى تحرك السيدات بسهولة ويُسر؛ مُصطحبات مكبرات الصوت؛ ومُعبرات عن رغباتهن في أحقر طلب أو إعلان يُمكن لكائن حي أن يطلبه؛ حتى أن بعض الحيوانات “الجمال أو النوق” مثلًا لا ينخركوا فيه إلا في وفق قواعد سرية مطلقة؛ وإن كشف سترهم أحد توقفوا عن المُعاشرة، فضلًا عن الدولة الفرنسية لم تقر إلا بالغرامة على الذهاب إلى بيت إحدى المُومسات؛ لا السجن مثلًا؛ وذلك بعد أن أثبت الأمر ضررًا بالغًا على المجتمع؛ لكنها جمعت بين الغرامة والسجن لمَنْ يُؤوي بعضًا من مهاجرين؛ وتصل الغرامة إلى 30 ألف يورو والسجن لـ5 سنوات.
لكن الحكومة الفرنسية التي أقرت الأمر في العام الماضي هي التي سمحت للمُظاهرة، الثلاثاء الماضي؛ وحين ترى المُتظاهرات،عبر مقطع للفيديو بثته وكالات الأنباء والمواقع، وهن يتمخطرن في الشوارع غير خائفات ولا مُرتجفات؛ وأغلبهن صغيرات في السن موفرات الصحة والعافية، والطريق الذي يسرن فيه مخصص للسيارات.. وهو رئيسي.. وحين يرى المصري أو السوري أو الفلسطيني او العراقي وهلم جرًا هولاء وهن يطالبن بإلغاء الغرامة على الرجال الذين يأتين إليهن..يتحسر على نفس العالم الذي سمح بالأنظمة القمعية الوحشية بأن تحكم بلاده العربية؛ بالإضافة إلى موافقته على قتل الاحتلال الصهيوني كل الذي تصور له نفس الوقوف إلى جانب الطريق لا في وسطه مُفكرًا في الاعتراض على تاريخ طويل يمتد إلى عشرات السنوات من الظلم والطغيان والقتل المادي فضلًا عن الإنساني.
يُقتل في الوطن العربي كل الذين تسول لهم أنفسهم المُناداة بتداول سلمي ديمقراطي للسلطة؛ وكم من مئات الألوف من الضحايا إما استشهدوا أو أصيبوا أو اعتقلوا؟ بمباركة الغرب بما فيه فرنسا، التي تسمح للعاهرات فيها بالتظاهر طلبًا لحرية التكسب بأجسادهن؛ فيما المواطن العربي يفقد روحه إن طالب بحرية معاملته كإنسان في المخفر أو الدرك أو قسم الشرطة المخصص لحمايته.
وبينما تسمح فرنسا لهؤلاء المُحترفات في بيع أجسادهن بالتظاهر تقضي بسجن وتغريم كل فرنسي يحاول أن يُساعد المُهاجرات التي أدت الحصارة الغربية الظالمة المادية الجاحدة للإنسان أن يتركوا أرضهم وديارهم وأموالهم ويأتوا إلى الغربة فارين بأرواحهم لتحظر دول غربية استقبالهم؛ او يسمح البرلمان المجري بتوقيف أي مهاجر تمهيدًا إلى اعتقاله؛ بالإضافة إلى دعوة ألمانية بتقييد المعتقلين قبل تسلميهم إلى الشرطة.
وهذا الغرب الذي يسمح لعاهراته بالتظاهر هو نفسه الذي أفنى عشرات الآلاف من ابناء الجزائر من قبل لمناداتهم بالتحرر من أسره كما في مختلف الدول العربية؛ وهو نفسه الذي ولى الأنظمة القهرية الفاسدة المستبدة ويناصرها ويحافظ عليها في وطننا العربي.. ثم يشتكي من الارهاب، وهو الذي يدعم أسبابه بالكيل بمكاييل مختلفة هنا وهناك، وعبر قتل البشرية لدى المستجيرين به قبل الاجساد؛ وما ذلك العربي الذي رفضت السلطات الألمانية إجراء عملية له في إصبع قدمه الصغير تحت مظلة التأمين الصحي منا ببعيد، بحسب الصحفية الألمانية “ياسنا تساتشيك” في كتابها الجديد ” البلد البارد” ؛ ولا مئات الضحايا الذين يفقدون حياتهم على شطآن الدول الغربية المُدعية لتحضر منا ببعيد؛ وأين هذا وذاك من السماح لفاقدات الإنسانية بالتظاهر في قلب عاصمة غربية؟ وإهانة سوريات وإفريقيات أذلهن النظام الغربي الفاسد المُنحاز مرتين، الأولى لما ساعد الظلمة على التنكيل بهن؛ والثانية لما تعنت في استقبالهن، وما هذا كله إلا قتلًا للإنسان وصبًّأ للزيت على البنزين المُشتعل في نفوس المُظلومين إلى أن يأذن الله بعودة حضارة الرحمة العربية الإسلامية لتظلل هذا العالم من جديد!