بفارق ضئيل، فاز الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في استفتاء وسَّع من صلاحيات الرئيس، بما قد يسمح له بالبقاء في منصبه حتى عام 2029.
وفازت حملة “نعم” بـ51.37 في المئة، بينما حصلت حملة “لا” على 48.63 في المئة من الأصوات، وأعلنت لجنة الانتخابات فوز حملة “نعم”.
وخرج مؤيدو “نعم” إلى الشوارع في المدن الكبرى احتفالًا بالنتائج، بينما خرج المعارضون يطرقون على الأواني في طريقة تقليدية للتعبير عن الاحتجاج.
والاستفتاء على تعديل الدستور هو السابع في تاريخ الجمهورية التركية منذ تأسيسها على يد مصطفى كمال أتاتورك عام 1923، حيث صوت الشارع التركي بــ”نعم” في ستة استفتاءات مقابل “لا” في استفتاء واحد.
تغيير إداري
يصف عمر كوركماز، كبير مستشاري رئيس الوزراء التركي بن علي يلدرم، نتيجة الاقتراع على تعديل الدستور بأنها زلزال كبير ضرب المنطقة على الصعيد الإداري، لا على صعيد الأيدولوجيا والاصطفافات السياسية.
ويقول “كوركماز” لـ”الجزيرة نت” إن قبول الشعب التركي بالتحول إلى النظام الرئاسي يعني إغلاق الباب أمام كل من القوى الخارجية والعسكرية، ومنعها من التدخل في شؤون إدارة الشعب لنفسه، مشددا على أن “التغيير إداري لا أيدولوجي”.
وركز على أن نتيجة الاستفتاء ستنهي كثيرًا من المشاكل التي خلقتها الأنظمة العسكرية بانقلاباتها، وأهمها تعارض الصلاحيات بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، موضحًا أنه في النظام الرئاسي سيعرف كل من الرئيس والوزراء والنواب وكل موظفي الدولة المكان الخاص به، وكذلك العسكر سيلتزمون بالدور المنوط بهم.
ويضيف “كوركماز” أن النظام الرئاسي سيسهل إدارة البلد ويجعلها أكثر تركيزا واستقرارا عبر تقليل فرص اللجوء إلى الانتخابات المبكرة وتغيير الحكومات، مشيرا إلى أن النظام البرلماني السابق تسبب غالبا في تشكيل حكومات هشة ذات أداء اقتصادي ضعيف يقود إلى تدخلات خارجية، وهو أمر لن يكون سهلا في ظل الاستقرار الذي سينشأ مع النظام الرئاسي.
4 دلالات
المحلل السياسي الأردني، فراس أبو هلال، اعتبر أن الاستفتاء على التعديلات الدستورية حدثًا مفصليًا، وبدون شك يمكن النظر له كمقدمة لتأسيس الجمهورية الثانية في تركيا، بغض النظر إذا ما كنت تتفق أو تختلف مع التغييرات ومع هذا التأسيس.
وأضاف “أبو هلال”، في تصريحات لـ”رصد”: “وبالنظر إلى أنه حدث بمثل هذه الأهمية، فإن من الصعب الحكم عليه مبكرا، إذ أن فوائد ومضار هذا الخيار تحتاج لبعض الوقت وللتجربة حتى تنضج”، مضيفًا: “ومع ذلك فإن التغيير سيكرس أردوغان كصانع لهذا الحدث المفصلي، وسيسجل في التاريخ التركي كما سجل أتاتورك بصورة أو بأخرى”.
وتابع: “التغييرات فيها الإيجابي وفيها السلبي، لكن أعتقد أن غالبيتها جيد، وأعتقد أن هناك مبالغة في الحديث عن أن التغييرات هي في صالح صناعة زعيم ديكتاتوري، لأن الصلاحيات المطروحة في التعديلات كلها طبيعية في النظم الرئاسي، باستثناء النص المتعلق بعدم ضرورة موافقة البرلمان على أعضاء الحكومة”.
وأوضح المحلل السياسي الأردني، أن النتيجة تحمل عدة دلالات:
أولًا: الشعب التركي شعب حر وليس في جيب أحد، ولذلك فقد كانت النسب متقاربة.
ثانيا: النتيجة تظهر وجود استقطاب حاد في المجتمع، وهذا الأمر يمكن أن يكون طبيعيًا بالنظر إلى الحملة الانتخابية الساخنة التي سبقت الاستفتاء، ولكن أيضًا هذه الحالة تستدعي العمل على بناء الوحدة الوطنية وتنفيس الاحتقان والحد من الاستقطاب، وهذا يستدعي خطابًا هادئًا، وقد أحسن بن علي يلدريم حينما بدأ خطاب النصر بالقول “نحن أمة واحدة.. نحن شعب واحد”.
ثالثًا: التعديلات الدستورية ستكون على المحك عند البدء بتنفيذها، ويمكن لخطاب عقلاني وسياسات محسوبة وهادئة أن تطمئن الجميع وأن تحد من الاستقطاب، وأن تعيد المناخ السياسي إلى حالة من التوافق تشبه الوضع بعد محاولة الانقلاب الفاشلة عام 2016.
رابعًا: إذا استطاعت الحكومة التركية بقيادة أردوغان من إصلاح الأوضاع الاقتصادية، ووقف انهيار الليرة، ومحاربة الإرهاب بشكل ناجح، وربما التقدم بعملية سلام جديدة مع الأكراد، فإن هذه الأجراءات والإنجارات ستكون كفيلة بإنهاء الجدل حول التعديلات الدستورية، وسيصبح هذا الجدل من الماضي، وسينهي حالة الاستقطاب الحادة.
المعارضة في تركيا
إلا أن قيادات معارضة عديدة رفضت نتيجة الاستفتاء، إذ طالب حزب الشعب الجمهوري المعارض في تركيا بإعادة فرز 60 في المئة من الأصوات في استفتاء التعديلات الدستورية.
ورأى الحزب بأن قرار هيئة الانتخابات في تركيا قبول بطاقات الاقتراع غير المختومة، يطرح “تساؤلات بشأن نزاهة الاستفتاء”، وذكر حزب الشعب، في بيان، أن الأمن قام بطرد المراقبين أثناء الفرز بحجة قانون الطوارئ في جنوب شرق تركيا ذي الأغلبية الكردية، حيث صوت معظم الناخبين ضد الإصلاحات.
وقال بولنت تيزجان نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري في تصريحات للصحفيين في أنقرة إنه تلقى شكاوى من العديد من المناطق بأن الناخبين منعوا من الإدلاء بأصواتهم بشكل سري، مشيرا إلى أن عملية فرز الأصوات تمت بشكل سري في مراكز عدة للاقتراع، ولم يسمح للمراقبين بالإشراف عليها لمدة ساعة ونصف الساعة حتى قبول الشكوى التي قدمها حزبه.
واعتبر أن قبول لجنة الانتخابات أوراق الاقتراع غير المختومة هو مخالفة صريحة للقانون، وشدد على أنه لا يوجد أي مخرج لإنهاء النقاش بشأن شرعية الاستفتاء وتهدئة التوتر إلا بإبطال لجنة الانتخابات نتائج التصويت.
وأضاف أن الحزب سيقدم شكوى لسلطات الانتخابات البلدية ولجنة الانتخابات، وبحسب نتيجة هذه الشكاوى سيتوجه إلى المحكمة الدستورية والمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان وغيرها من الجهات المعنية.
وكان زعيم الحزب كمال كيليتشدار أوغلو انتقد الإجراء الذي أعلنه المجلس الانتخابي الأعلى في اللحظة الأخيرة وأكد فيه صلاحية البطاقات التي لا تحمل الختم الرسمي لمركز التصويت الذي يجري الاقتراع فيه، وأكد أن هذا الاجراء “يجعل مسألة شرعية الاستفتاء قابلة للنقاش ويثير شكوكا حول قرار الأمة”.
وفي السياق ذاته، نقل مراسل “الجزيرة” عن مصادر في حزب الشعوب الديمقراطي الكردي قولها إنه “بغض النظر عن النتيجة، فإن الحزب سيعترض على ثلثي نتائج صناديق الاقتراع، وإن معطيات الآلية الانتخابية تشير إلى أن هناك تلاعبا بثلاث نقاط إلى أربع”.
الهيئة العليا للانتخابات ترُد
وردًا على ذلك أكد رئيس اللجنة العليا للانتخابات سعدي جوفن دقة نتائج الاستفتاء، مشيرا إلى صعوبة وقوع أي تزوير في بطاقات الاقتراع التي استخدمت أمس في الاستفتاء “خاصة أنها مصنوعة من طرفنا ومن ورق خاص”، وطمأن المواطنين الأتراك أنه إذا وقع أي تزوير يمكن كشفه فوراً وبالتالي لا يتم احتسابه بنتائج الاستفتاء على التعديلات الدستورية.
ونفى “جوفن” أن يكون قرار اعتماد البطاقات الانتخابية والظروف التي تخلو من ختم لجان الصناديق أتى بعيد بدء عملية التصويت، قائلا إن “القرار اعتمد قبل دخول أي صوت في صناديق الاقتراع، ولا يمكن تحميل هذا القرار أي معنى آخر”. وشدد على أن “البطاقات والظروف التي قد تكون مزورة لا تحسب في عملية التصويت”.
قلق أوروبي
رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر ومسؤولة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني ومفوض سياسة الجوار الأوروبي ومفاوضات التوسع يوهانس هان أصدروا بيانا مشتركا قالوا فيه إن “التعديلات الدستورية، وخصوصا تطبيقها العملي، سيجري تقييمها في ضوء التزامات تركيا كدولة مرشحة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وكعضو في مجلس أوروبا”.
من جهتها دعت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى السعي لإجراء “حوار قائم على الاحترام” مع كل الأحزاب السياسية التركية، وقالت ميركل في بيان مقتضب مشترك مع وزير الخارجية سيغمار غابرييل إن “الحكومة الألمانية تنتظر من الحكومة التركية بعد حملة انتخابية شاقة، السعي الآن إلى حوار قائم على الاحترام مع كل القوى السياسية وفي المجتمع”.
وأضافت أن الحكومة الألمانية “تحترم حق الأتراك والتركيات في تقرير دستورهم”، مؤكدة أن “الفارق الضئيل يدل على عمق انقسام المجتمع التركي”، وأشارت إلى أنها تنتظر التقييم الأولي للمراقبين الأوروبيين بشأن سير الاقتراع، وذكرت “بشكوك جدية” عبروا عنها فيما يتعلق بهذا الاستفتاء.
من جهته، قال مرشح الرئاسة الفرنسية إيمانويل ماكرون إنه “لا يجب أن يؤدي الاستفتاء التركي إلى السيطرة الكاملة على السلطة، وفي حال انتخابي رئيسا سأمد يدي إلى كل الناس الذين يؤمنون بالديمقراطية”.
وبدوره، اعتبر وزير الخارجية النمساوي سباستيان كورز أنه “بغض النظر عن النتيجة النهائية لاستفتاء تركيا، فإنه يظهر مدى انقسام البلاد. التعاون مع الاتحاد الأوروبي سيصبح أكثر تعقيدا”.