بعد مقتل 45 شخصًا في تفجيري كنيسيتي الإسكندرية وطنطا، أعلن عبدالفتاح السيسي تطبيق حالة الطوارئ في أنحاء مصر، ثم وافق البرلمان بدوره عليها أيضًا.
ورغم أن السلطات في مصر تفعل ما يحلو لها؛ إلا أن هذا الإجراء -على ما يبدو- من أجل مزيد من التقنين ومزيد من الرسائل الضمنية للجهات التي يرى النظام أنها لا تقوم بدورها في دعمه.
فقد تلقى القضاء المصري رسائل ضمنية مفادها أن النظام القضائي الحالي يعرقل الحرب ضد الإرهاب.
ولمصر باع طويل مع قانون الطوارئ؛ ففي عام 1914 أعلن البريطانيون الأحكام العرفية، التي بدورها أعطت السلطة القانونية في مصر للحاكم العسكري البريطاني؛ وإثر ذلك أصبحت مصر دولة بوليسية.
وفي 1939م أعلنت مصر الأحكام العرفية من أجل مساندة بريطانيا ضد دول “المحور”، ومنذ ثورة 52 حتى عام 2012م ظلت مصر على الحال نفسه.
وفي عام 1958م تم تغيير قانون مسمى “الأحكام العرفية” إلى “قانون الطوارئ”، ونتيجة امتلاء هذا القانون بالاستبداد والسلطوية كان أول ما تم رفضه خلال ثورة 2011م.
وهناك ثلاثة إجراءات قلّصت قانون الطوارئ بعد ذلك: أولها عام 2012م؛ حيث انكسرت للمرة الأولى حالة الطوارئ، ورغم فرضها بعد ذلك بعض المرات؛ لكنها كانت لفترات محدودة، وغالبًا ما تنحصر في مدى جغرافي محدد.
والثاني في يونيو 2013، حيث قيّدت المحكمة الدستورية العليا شرطًا في قانون الطوارئ يمكّن من الاعتقالات؛ ولعل جرأة المحكمة الدستورية في هذا التوقيت كانت نابعة من كون الرئاسة في أيدي إسلاميين.
الإجراء الثالث والأخير جاء حين اعترضت الأحكام الدستورية على حالات الطوارئ غير محددة المدة التي ميّزت الدولة على مدى عقود.
وسمح الجيش المصري بهذه الإجراءات نظرًا لوجود تعديلات أخرى تفرّغها من محتواها. ومثال على ذلك: “محاكمة المدنيين في محاكم عسكرية” جرت حمايتها من خلال مادة دستورية أخرى.
وعلى مدار السنوات الماضية، اعتقل النظام المصري آلاف الأشخاص، وسمح بمحاكمات عسكرية، وأنشأ دوائر خاصة لمكافحة الإرهاب في المحاكم العادية، وراقب المساجد، وأخلى المناصب العامة من المعارضين، وحَظَرَ المظاهرات، وحاربَ منظمات المجتمع المدني، وتحرَّش بمنتقدين، وراقب محادثات خاصة والفيس بوك؛ كل هذا من دون استخدام حالة طوارئ.
ومن الواضح أيضًا أن المستهدف من فرض حالة الطوارئ هو أجهزة الدولة غير المطيعة لرأس النظام؛ لا سيّما المحاكم التي لم تثبت أنها حليف للنظام يُعتمد عليه.
فقد أعاقت المحكمة الإدارية العليا، التابعة لمجلس الدولة، اتفاقية تسليم تيران وصنافير للمملكة السعودية.
وفي هذا السياق، وبالرغم من أن حالة الطوارئ قد تكون قصيرة الأجل؛ لكن تأثيرها قد يكون طويل المدى.
كثيرًا ما يفعل الحكام المصريون ما يحلو لهم؛ لكن حالة الطوارئ مصممة من أجل دفع آخرين إلى التعاون.