كما هو متوقع، انقلب موقف ترامب عن ما كان عليه بشأن الوضع السوري، فبعد أن تحدث كثيرًا عن رفضه التدخل العسكري، إلا أنه فاجىء الجميع الخميس الماضي بإطلاق ما يقرب من 60 صاروخ على قاعدة جوية سورية.
وادعى ترامب من خلال تصريحاته الرسمية أن الهجمات جاءت ردًا على هجمة الرئيس السوري بشار الأسد ضد مواطنيه بالغاز الكيميائي. وحاول ترامب من خلال تصريحه أن يتحدث عن مخاوف اعتبرها البعض خيالية، حيث قال أنه من مصلحة أمريكا أن تمنع وتردع إنتشار إستخدام الأسلحة الكيميائية القاتلة.
وقال “تشارلز بلو” الكاتب في موقع “نيويورك تايمز”: إن هذا يعد تكرار لتحذيرات بوش بشأن إستخدام الرئيس العراقي السابق صدام حسين لأسلحة دمار شامل، وهي الكذبة التى أدت لحرب طويلة استمرت لأكثر من عقد.
وأضاف بلو في مقاله، أن الفظائع تحدث في العالم طوال الوقت وقبل سوريا، حيث أنه احياناً ترصد وسائل الاعلام حالات القتل، وفي احيان اخرى يموت العديد ولا يتم رصد ذلك، وفي بعض الاحيان يتم استخدام اسلحة تقليدية، واحياناً آخرى تستخدم أسلحة محظورة، ولكن لدى العالم بشكل عام وأمريكا بشكل خاص مقاييس مختلفة لتحديد الحدث الذي يستحق الرد. وفي بعض الاحيان يكون هناك دوافع سيئة خلف الرد على أي هجمة.
وقال بلو أن الحرب يمكن إستخدامها كسلاح سياسي. حيث أنه يمكن أن يساعد في تشتيت الإنتباه، زيادة الرغبة في الإنفاق العسكري، وزيادة نسب الموافقة على الرئيس.
وقال غالوب في أعقاب أحداث 11 سبتمبر أنه بعد هذه الهجمات زادت نسبة موافقة الشعب الأمريكي على طرق قيادة بوش لعمله حيث وصلت النسبة إلى 86%، واعتبرت غالوب أن هذا يعد أعلى رابع تقييم قاموا به خلال ستة عقود. ومن المتوقع أن ذلك هو ما فعله ترامب، حيث استخدم خوف الشعب من الإرهاب و حاول إدعاء البطولة.
وأضاف بلو أن إمتلاك أمريكا لقدرة على إطلاق حرب ضخمة يعد أمر مغرى، وبوضع مثل هذه القوة في أيدي شخص مثل ترامب والذي يتحرك بتهور، عندها يجب على العالم أن يخشى ما هو قادم.
ويرى بلو أن أي هجمة يمكن أن تزيد الرغبة في مزيد من الحروب، واضاف أنه وفقاً لتقرير ماركت واتش الصادر الإسبوع الماضي، فإن أمريكا سوف تتكلف ما يقرب من 60 مليون دولار لإستبدال الصواريخ التى تم إستخدامها على أهداف سورية، ولكن وفقاً لتقرير “فورتشن” فإن حصص مصنعى الأسلحة حققت قرابة 5 مليار دولار بالقيمة السوقية بمجرد عملها يوم الجمعة أي بعد الهجمات بيوم، وهو ما يعني أن الحرب تعتبر عمل تجاري مربح.
وشعر الأمريكيون والذي رأوا صور الأطفال القتلى في سوريا بالفخر بعد الضربات الأمريكية لموقع تابع لشخص استبدادي مثل الأسد، وذلك دون المخاطرة بالجنود الأمريكين، ولكن الآن يجب على أمريكا الإستمرار في قتالها لأن سمعتها باتت على المحك.
وأوضح بلو أن الهجمات غالباً ما تقود لهجمات آخرى، مضيفاً أنه في معظم الحالات تقوم أمريكا بالمساعدة في إسقاط قائد استبدادي في دولة فقيرة وهو ما يساعد مواطنى هذه الدول، ولكن الحقيقة المعقدة التى رأيناها خلال التاريخ أن ذلك غالباً يخلق فراغ، حيث يمكن أن يأتي شخص أسوأ بدلاً من الشخص السىء.
ويرى بلو أن أمريكا الآن تعد أمام خيارين أولهما البقاء ومحاولة إصلاح ما قد تسببوا في خرابه، أو التخلى عن ذلك ورؤية المخاوف الأمريكية تتزايد.
وأشار بلو أنه على أمريكا الآن التوقف عن خطابات تهنئة النفس، وخطابات التهديد التى يقوم بها السياسيين والنقاد، موضحاً أن بعضهم عارضوا التدخل العسكري الأمريكي من الرئيس السابق باراك أوباما بعد إستخدام بشار الأسد لسلاح كيميائي أسوأ في 2013.
وقال “بلو” أنه على الرغم من أن الشعور العام الآن هو الرغبة في معاقبة الأسد على أفعاله، إلا أن سوريا الآن تعد منطقة تجمع قوات عدوة لأمريكا مثل قوات الأسد والقوات الروسية والقوات الإيرانية بجانب داعش.
وأكد “بلو” أن الحذر لا يعني، ولكن على العكس فإن ذلك يعد نوع من أنواع الحكمة الواجبة.