كنتُ قد آثرتُ الصمت عمّا يحدث في جماعة الإخوان؛ مُكتفيًا بمقالات قليلة في المراجعات حول الثورة بدأتُها منذ نهاية العام الماضي؛ بخاصة لمّا حدثتني روحي بأن الذين أكتب لهم لا يتابعون ما أكتب، وأن الخرق في التواصل يزداد مع وجود الذين يرون أنفسهم قيادات ومُوالين لهم يرون كل ما يقولون ويفعلون صوابًا، ولو جافى المنطق والعقل والضمير؛ فضلًا عن الدين المُفترض أن الجماعة قامت بناءَ على هدي من نوره.
وفي مقابل أشخاص تولوا القيادة في الغربة، وارتضوها لأنفسهم في وقت محنة هم أوصلوا الجماعة إليها؛ وهم بقوا على أنفاسها أثناءها، ولا يريدون أن يردهم راد عنها من ناصح أو دالٍ أو مجرد مُذكر، وفي مقابل أولاء التابعين المتدثرين بكلمات لا تقبل الرد أو النقاش من جانبهم من مثل “كدر الجماعة أفضل من صفو الفُرقة”، وكأن الله تعالى لم يخلق صفوًا واجتماعًا معًا، أو كأن أهل الباطل أولى بادعاء الجمع بينهما..كنتُ أود الصمت حتى أعرف هل صمتي أفضل أم كلامي، كما تفضل بالقول الإمام “أبي حنيفة”، عليه سحائب الرحمات، بخاصة لما لاحظتُ أن الانقلابيين الذين كنتُ أعول على دحرهم، ضمن مئات الآلاف ممن أحسب أنهم شرفاء مُخلصين، لاحظتُ أن الأخيرينَ أعمق قدمًا، وأرسخ مُضيًّا، وأشد ثباتًا وتصلبًا، من الذين كنتُ وما زلتُ أرى أنهم أقرب إلى الحق.
وأقرب إلى الحق لها معي تفصيلة صغرى آمل ألا أُطيل بها، فإن الذين يتصدون للصدارة في مصر دون روية أو تمهل أو رؤية او كفاءة أو إمكانات إنما ارتكبوا خطيئة في حق أنفسهم قبل غيرهم، والقائل بأن أوان المراجعة يجب أن يؤجل يرى رأيًا لا أراه ولا أعتقده، وإلا فبعد قرابة أربع سنوات من الانحدار إلى الخلف وضياع الحق..والعصف والاستبداد بقدرات جماعة كان من المُنتظر أن تقود الحراك نحو الحضارة المُنتظرة في العالم كله..إلى متى يمكننا الانتظار؟
على أن الضمير الذي يُحركه الدين الحنيف الذي أراد من الانضواء والانضمام إلى ركاب الجماعة قبل عقود خدمة لله في علاه؛ لا للجماعة ولا لمرشدها الحي، فك الله أسره، أو المؤسس، رحمه الله، ولا انحيازًا إليها هو الذي يدفعني الآن لأعاود كتابة المقال بعد أن كنتُ أضمرتُ أن أعود إلى مدينتي وأصلي وشجرتي الوارفة الرواية، وبعد أن أيقنت أن حراك الجماعة كالعملاق الضخم المُترهل الذي لا يبصر مَنْ يُعادي أو حتى يدهس حال تم استفزازه، وأولئك الموافقون على قرارات الجماعة أيَاً ما كانت رأيناهم مؤخرًا يُدافعون عن اعتراف نائب المرشد الدكتور “إبراهيم مُنير” بدولة إسرائيل، بل يخاطب الملوك والرؤساء العرب بأصحاب الجلالة والفخامة والسمو، وعلى بشاعة الجُرم، ووقوع صاحب البيان في دماء مئات الآلاف من شهداء الإخوان في فلسطين، نحسبهم كذلك، وأيضًا من شهداء وضحايا الحراك العربي الأخير نحو الحرية، وعشرات المحاولات المُضنية خلال عقود منذ تحرر وطننا العربي من الاحتلال، بعيدًا عن أن قائد الانقلاب لم يكن ليطمح من الإخوان إلا بالاعتراف به، وأنهم قدموا إليه أكثر من ذلك لما اعترفوا بإسرائيل، أيضًا، وبلا مُقابل.
ومع أن هذه كلمات الدكتور “منير” كانت تعد لمثلي كشروق الشمس من مغربها، أو هبوب الرياح من أسفل الأرض، أو سير النجوم بين البشر، إلا أني وجدتُ ما هو أنكى وأدهى وأشد من تبريرات للقول الأول، ثم فرحة عارمة بمجرد الاعتذار عنه، دون محاسبة للقائل أو تبرئ منه، وتلك إسرائيل التي رضعنا عداوتها في المهد!
ثم قيل، بمنتهى الصراحة التي تذهب بنور الشمس، وبسر الروح في الجسد، وبلؤلؤة العين..وتعمي البصر؛ قال نفس الرجل أن الإخوان جماعة إصلاحية لا ثورية، وإنها لم تكن تهدف إلى إسقاط الأنظمة العربية، ولا أعرف، بداية على أي مقياس قال الرجل ما قاله، فحتى على مقياس الإصلاح فإن الجماعة تود من المنظومة أن تصل إلى أعلى درجاتها بإصلاح رأس الدولة، أما على مقياس الثورية فلماذا لم تأخذ الجماعة بهذه المقولة وهي تُفني حتى الساعة قدراتها وكوادرها البشرية الغالية النفيسة في مصر من أجل ألا هدف!
لكن الجماعة نجحت في تربية عشرات الآلاف من اليمنيين الذين يقبلون بأي كلام، ولو كان يساوي التولي يوم الزحف، أو النكوص على العقب، طالما صدر عن الجماعة، ويهللون ويُطبلون للاعتذار الأجوف عن كلمات عبارة عن رسائل غزل غير مقنعة للأنظمة الفاسدة، والقائلون هم أنفسهم الذين عبأوا الناس بعكس ما يعلنون اليوم، وهم أنفسهم الذين نأوا بأنفسهم عن التبعات وظلوا في قصور عالية تظلهم أموال الجماعة!
ولا أود أن أزيد فيما طرحه الدكتور “عزام التميمي” مؤخرًا عن عمل صاحب المركز الأرفع في الجماعة اليوم بكل شيء فيها بداية من إعداد الشاي سابقًا إلى تملك جميع قرارتها في جميع المجالات من اقتصاد وإعلام وسياسية ومعارضة وتسليم اليوم، فلطالما حاول صاحب هذه الكلمات تفسير ما يراه أو يعاينه، وذهب العقل به والكلمات المُنشورة، أسأل الله أن يجعلها في ميزان الحسنات، كل مذهب..حتى جاءت الحقيقة ساطعة ومريرة.
وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.