لم يكن لعبدالفتاح السيسي أن يتولى منصب الرئاسة في دولة هي الأكبر في الشرق الأوسط مثل مصر إلا بعد رضا الأميركان. هذه هي الحقيقة التي يرى مراقبون أنها لا تحمل رضًا مجانيًا؛ بل إن الإدارة الأميركية تعرف جيدًا كيف ستوظف هذا الدعم من أجل مزيد من السيطرة والتحكم وتمرير المشاريع السياسية والاقتصادية، ليس في مصر فقط؛ بل في الشرق الأوسط بشكل عام، فضلًا عن ضمان أمني جديد لحليفتها الرئيسة “إسرائيل”.
التقطت الصحف الإسرائيلية هذا الخيط وأبدت اهتمامًا بزيارة عبدالفتاح السيسي إلى الولايات المتحدة والسياق الذي تأتي فيه والقضايا التي ستتناولها والنتائج التي ستترتب عليها.
السيسي جسرا
وفي مقال له بموقع “إن آر جي”، قال الكاتب الإسرائيلي إيلي كولتشتاين إن “السيسي يلعب دورًا أساسيًا في خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب”.
وأوضح أن ترامب يريد استغلال رئاسة السيسي لأكبر دولة عربية إسلامية لتمرير عدد من مشاريعه السياسية؛ سواء فيما يتعلق بعملية السلام بين “إسرائيل” والفلسطينيين، وأن يكون السيسي جسرًا لتوثيق علاقات ترامب الإقليمية مع الدول العربية في المنطقة، أو الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية.
شريك علني
واعتبر أن الزيارة تشكل تحولًا بنسبة 180 درجة بالنسبة إلى السيسي وتجعل منه شريكًا علنيًا لها في سياستها الخارجية؛ خاصة وأن زيارته إلى الولايات المتحدة هي الأولى لرئيس مصري منذ 2011.
وأضاف أن ترامب، وعلى العكس من سلفه باراك أوباما، من المتوقع أن يستقبل السيسي بحفاوة بالغة، في ظل المصالح المتبادلة بينهما، والحرب التي يديرانها معًا ضد أعدائهما المشتركين؛ مما سيجعل الإدارة الأميركية لا تلقي اهتمامًا كبيرًا بانتهاكات حقوق الإنسان في مصر.
ما بين أوباما وترامب
وأشار إلى أنه منذ 2011، حيث وقعت الثورة المصرية وأسفرت عن الإطاحة بالرئيس حسني مبارك، لم يزر أي مسؤول مصري كبير البيت الأبيض، في حين فضّل أوباما أن يتنكر لإحدى الدول المركزية في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي؛ احتجاجًا على انتهاكاتها لحقوق الإنسان؛ ولذلك لم يوجه دعوة إلى السيسي لزيارة واشنطن لأنه رأى صعوده إلى الرئاسة المصرية أمرًا غير شرعي وليس قانونيًا.
وأوضح أن أوباما أوقف التدريبات العسكرية الأميركية مع مصر وأرجأ في بعض الأحيان تحويل المساعدات المالية العسكرية للجيش المصري، لكن كل ذلك أصبح من التاريخ، وفور دخول ترامب إلى البيت الأبيض بات واضحًا أن عهدًا جديدًا بدأ مع السيسي.
طاعة مبكرة
وقال الكاتب الإسرائيلي إن طاقم ترامب قد نجح مبكرًا حتى قبل دخوله البيت الأبيض في إقناع القاهرة بسحب قرار يدين إسرائيل في مجلس الأمن الدولي في ديسمبر الماضي.
وفي صحيفة “معاريف”، اعتبر الكاتب نيتسان تسور الزيارة جزءًا من عملية بناء علاقات ثنائية بعد محادثتهما الهاتفية التي أعقبت أداء ترامب للقسم في البيت الأبيض.
وأوضح أن لقاء ترامب بالسيسي سيبحث تقوية العلاقات الأميركية مع مصر، ومحاربة الطرفين لتنظيم الدولة الإسلامية، وكيفية تحقيقهما صنع الاستقرار والسلام في المنطقة.
وأشار إلى أن علاقات السيسي مع باراك أوباما كانت متوترة جدا عقب إقصاء السيسي للرئيس المصري السابق محمد مرسي.
حقوق الإنسان
وأعلن مسؤول أميركي بالبيت الأبيض أن إدارة ترامب تعتزم التعامل مع المخاوف بشأن حقوق الإنسان في مصر بطريقة مختلفة. وأضاف: “نهجنا هو تناول مثل هذه القضايا الحساسة بطريقة غير علنية وأكثر حذرًا. نعتقد أنها الطريقة الأكثر فعالية لدفع تلك القضايا إلى نتيجة إيجابية”.
وقال البيت الأبيض إن علاقة ترامب مع السيسي شهدت بداية جيدة قبل انتخابات الرئاسة الأميركية أثناء اجتماع في نيويورك في سبتمبر/ أيلول الماضي.
وقال المسؤول إن ترامب يؤيد نهج السيسي في مكافحة الإرهاب، الذي يشمل الجهود العسكرية والسياسية، ومساعيه لإصلاح اقتصاد مصر، ودعواته إلى “إصلاح الخطاب الإسلامي وتطويره”.
وتأتي زيارة السيسي بينما اقترحت إدارة ترامب تخفيضات واسعة في المساعدات الخارجية الأميركية (لم يتم حتى الآن تحديد تفاصيلها). ويتوقع البيت الأبيض أن المساعدات المخصصة لمصر ستستمر؛ لكنه لم يقدم أي تفاصيل اليوم.
ومصر حليف وثيق للولايات المتحدة في الشرق الأوسط منذ وقت طويل، وتتلقى مساعدات عسكرية أميركية بقيمة 1.3 مليار دولار سنويًا.
لكن العلاقات بين البلدين توترت عندما وجه الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما انتقادات إلى نظام السيسي، وأوقف لبعض الوقت المساعدات الأميركية إلى مصر بعدما أطاح السيسي -عندما كان وزيرًا للدفاع- منتصف صيف العام 2013 بالرئيس محمد مرسي.