في الوقت الذي يشكو فيه النظام المصري وأركانه من العجز المالي ومطالبته المصريين بتحمل قرارات التفشف وزيادات الأسعار المفروضة عليهم، وافق مجلس النواب خلال الجلسة المسائية اليوم الثلاثاء على منحة مصرية بقيمة خمسة ملايين دولار إلى دولة جنوب السودان.
وتأتي الاتفاقية تنفيذًا للتعاون الفني بين البلدين في مجال إنشاء أربع منشآت لحصاد مياه الأمطار الموقعة في مدينة “جوبا” بتاريخ 2 نوفمبر 2016م، الصادر بقرار رئيس جمهورية مصر العربية رقم 60 لسنة 2017م.
دوافع أمنية
ورأى سياسيون سودانيون أن السيسي ونظامه لديهما مصالح في جنوب السودان تتعلق بأمنهما المائي ولا يريدان التعرض إلى خسائر في مجرى النيل الأبيض، مثلما حدث مع إثيوبيا (منبع النيل الأزرق الذي تشيد على مجراه سد النهضة)، وتعادل حصة البلدين نحو 87% من موارد النهر السنوية.
ورأوا أن العلاقة متأرجحة بين السودان ومصر بسبب نزاعهما الحدودي على مثلث “حلايب” وتبادلهما الاتهامات بدعم المعارضين، وأنه “لا تعمد القاهرة إلى تصعيد؛ لأنها تحتاج إلى تعامل مرن مع الخرطوم يحفظ أمنها المائي، وأن البشير يريد من خلال هذا التصريح إحراج مصر وتحجيم علاقاتها مع جوبا”.
وقالت وكالة الأناضول إن مصر أخلاقيًا ستكون محرجة من تغذية صراع خلّف آلاف الضحايا؛ لكن قانونيًا ليس هناك ما يمنعها من إرسال أسلحة إلى جنوب السودان، وسيفضي اتهام البشير إلى تعقيد علاقته مع السيسي؛ لكن هذا ليس سوى إضافة مشكلة إلى مشاكل كثيرة ومعقدة بين البلدين.
وأضافت أن التقارب المصري الأوغندي الجنوب سوداني يثير جدلًا واسعًا لدى أوساط سياسية إفريقية؛ لا سيما في السودان، وبرز هذا التقارب مع زيارة السيسي إلى عاصمة أوغندا (كمبال) وزيارة رئيس جنوب السودان “سلفاكير ميارديت” إلى القاهرة، في ظل تواتر المعلومات بشأن اتفاق أمني بين الدول الثلاث.
البشير يتهم السيسي
واتهم الرئيس السوداني عمر البشير بدعم حكومة دولة جنوب السودان بالأسلحة والذخائر، وأن لدى إدارته معلومات تفيد بأن نظام السيسي يدعم حكومة جنوب السودان، مشيرًا إلى أن الحكومة المصرية لا تقاتل في جنوب السودان؛ لكنها تمد حكومتها بالأسلحة.
وأكد أن هناك مؤسسات في مصر تتعامل مع السودان بعدائية، متهمًا جهات -لم يسمّها- داخل هذه المؤسسات بأنها تقود هذا الاتجاه، مضيفًا أن المعلومات لدى الحكومة السودانية تفيد بأن الاستخبارات المصرية تتصرف بطريقة تضرّ بالعلاقات بين البلدين؛ حيث ثبت أن هذه الاستخبارات وراء استضافة القاهرة شخصيات من المعارضة السودانية التي عرقلت محاولات إنهاء الخلافات في الداخل السوداني.
وأكد موقع صحيفة ““Northafricapostt المغربية أن توقيع مصر وجنوب السودان “اتفاق تعاون” أثار مخاوف حكومة الرئيس السوداني عمر البشير.
وأضافت الصحيفة الناطقة بالإنجليزية، في تقرير لها، أن تفاصيل الاتفاق التعاون الثنائي “تشوبه الضبابية”؛ ولكن المعلوم أنه يتركز على تعزيز التعاون في تبادل الخبرات، وتدريب القوات الخاصة، وإجراء تدريبات مشتركة، والمشاركة في الندوات وعمليات الإنقاذ العسكري.
وأوضحت الصحيفة أن الصفقة العسكرية المصرية مع جنوب السودان تأتي في الوقت الذي تواجه فيه الخرطوم وجوبا نزاعات حدودية على ترسيم المنطقة “أبيي” الغنية بالنفط.
وقال هاني رسلان، رئيس قطاع دراسات السودان بمركز الأهرام، إن العلاقات بين السيسي والبشير تشهد تذبذبًا واضحًا خلال الفترة الماضية، بالأخص بعدما تخلى الأخير عن العسكر في قضية سد النهضة، التي يبدو أنها جاءت بأمر سعودي.
وأضاف أن البشير يستغل الخلاف بين مصر والسعودية في الفترة الأخيرة لمحاولة التقرب إلى الرياض؛ خاصة أنه شعر بالقوة بعد حصوله على مساعدات خليجية بعد مشاركة بلاده في التحالف السعودي المشارك في الحرب على الحوثيين باليمن.
وأشار رسلان إلى أن جنوب السودان تمثل أهمية استراتيجية للأمن المصري، وأن وجود انقسام داخلي في جوبا يؤثر بالطبع على الأمن القومي المصري والمنطقة كلها.
صفقة قذرة
واتهمت المعارضة المسلحة في جمهورية جنوب السودان عبدالفتاح السيسي بالتورط في صفقة سرية وصفتها بـ”القذرة”؛ للحفاظ على الرئيس سلفا كير في منصبه.
ودولة جنوب السودان الوليدة تقع في وسط إفريقيا، وتعتبر مدينة جوبا عاصمتها وأكبر مدنها، ومن أكبر مدنها واو وملكال ورومبيك وأويل وياي. وتأسست جنوب السودان عندما استقلت عن السودان في استفتاء شعبي لسكان الجنوب أعلن عن نتائجه النهائية في فبراير 2011، وتم الإعلان عن استقلال كامل للدولة في 9 يوليو 2011.
حرب أهلية
يأتي هذا فيما نقلت صيحفة “وورلد تريبيون” في الثامن والعشرين من أبريل الماضي عن المتمردين الجنوبين اتهامهم للسلطة العسكرية في مصر بمساعدة حكومة سيلفا كير في الحرب الأهلية، ونقل التقرير عن المتمردين تأكيدهم أن مصر انضمت إلى قوات أوغندية تحارب إلى جانب القوات الحكومية لاستعادة المعاقل التي استولوا عليها (أي: المتمردون).
وأوضح التقرير أن السلطة العسكرية في مصر نقلت ذخائر ومعدات عسكرية إلى حكومة جوبا لمواجهة المتمردين، كما أرسلت مجموعة من الضباط التابعين للجيش المصري لتدريب ضباط جنوبيين.
ونقلت الصحيفة على لسان المتمردين قولهم إن مصر قامت بهذه المساندة لحكومة سيلفاكير مقابل تعهد جوبا بدعم القاهرة في قضية سد النهضة، وإن رئيس جنوب السودان سالفا كير يخطط لتحويل المياه إلى مصر من أعالي النيل.
أسْر “مرتزقة” مصريين
وفي وقت سابق من العام الماضي، أكدت صحف سودانية أن جنودًا مصريين تم أسرهم كانوا يقاتلون في جنوب السودان مع قوات سيلفا كير، وأن عناصر من الجيش الأبيض المعارض في دولة جنوب السودان أسرت عددًا من الجنود المصريين وقتلت بعضهم.
وقالت صحيفتا “الانتباهة” و”الصحافة” إن الجيش الأبيض المعارض في دولة جنوب السودان أسر مجموعة من القوات المصرية كانت تقاتل إلى جانب قوات حكومة سيلفا كير في معركة منطقة “أيود” في ولاية جونقلي.
وأشارتا إلى أنه بحسب بيان قوات المعارضة المسلحة، فإن المعركة وقعت عندما حاولت قوات سيلفا كير بمعاونة قوة مصرية وأوغندية استعادة منطقة “أيود”، لكن تعزيزات الجيش الأبيض وصلت؛ وهو ما كبد القوات الحكومية خسائر فادحة، حيث تم إحصاء 400 جندي من الجيش الشعبي بجانب 14 جنديًا مصريًا وأربعة جنود أوغنديين، بينما فقد الجيش الأبيض 90 مقاتلًا قُتلوا جميعًا في المعركة.
وذكرت الصحيفة أسماء الجنود المصريين وهم: عويس أحمد، النقيب أحمس، عمران صالح، أيمن ثروت، عبدالرحمن عمر، عثمان، عبدالله سعيد، محمد رعد، يوسف عبده، النقيب علي شمت، شمس الدين، والجنديان الأوغنديان هما عقيقي لويوا وصموئيل منجوغال.
وبحسب قوة الجيش الأبيض، تم نقل الأسرى إلى مكان آمن يضم أسرى آخرين من قوات حركة العدل والمساواة السودانية.