كثيرة هي الأمور التي استعصت على “بنكيران”، الذي كلّفه ملك المغرب قبل خمسة أشهر بتشكيل الحكومة المغربية؛ بدليل طول الفترة التي استغرقها للتشكيل، ومع ذلك لم يحدث. وبعد أسبوع واحد من إقالة بنكيران وتعيين سعد الدين العثماني لتشكيل الحكومة، أعلن العثماني عن تشكيل ائتلاف حكومي يضم ستة أحزاب، بينها حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية (يساري) الذي سبق أن رفض بنكيران انضمامه إلى الحكومة إبّان المفاوضات التي قادها دون أن يفلح في تشكيل الحكومة.
تجربة بنكيران
قضى بنكيران خمسة أشهر وهو يفاوض الأحزاب نفسها التي اتفق معها العثماني على تشكيل الحكومة، لكنه لم يصل معها إلى اتفاق؛ بسبب رفضه شروطًا فرضتها بعض هذه الأحزاب، بعد أن تكتلت في ما أصبح يسمى “تحالفًا رباعيًا”.
فقد اشترطت أربعة من هذه الأحزاب على بنكيران -الذي عينه الملك بصفته الأمين العام لحزب العدالة والتنمية الذي حل في المرتبة الأولى في الانتخابات البرلمانية في السابع من أكتوبر الماضي بـ125 مقعدًا- شروطًا رفضها في البداية، ثم بدأ يتنازل عن بعضها، ورفض في الأخير شرط دخول الاتحاد الاشتراكي للحكومة؛ وهي العقدة التي وقفت عندها المفاوضات إلى أن أعفى الملك بنكيران من مهمته الأربعاء الماضي.
وأوضح العثماني -الذي يشغل منصب رئيس المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية (برلمان الحزب)- مساء أمس السبت في مؤتمر صحفي أن الحكومة الجديدة تتشكل من أحزاب التجمع الوطني للأحرار والاتحاد الدستوري والحركة الشعبية والتقدم والاشتراكية والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، فضلًا عن حزبه (ذي المرجعية الإسلامية)؛ ليطوي بذلك صفحة التعثر الحكومي التي استمرت شهورًا.
وسرعان ما تساءل كثيرون، خاصة في وسائل التواصل الاجتماعي، عن سر سرعة “فك” سعد الدين العثماني لشيفرة تشكيل الحكومة المغربية في أسبوع واحد بعدما “استعصت” على سلفه طيلة خمسة أشهر، ولماذا رفع الفيتو عن دخول الاتحاد الاشتراكي للحكومة؟ وهل كان الفيتو قرار الحزب أم قرارا شخصيا من بنكيران؟ وهل كان بنكيران هو السبب في التعطيل؟
قدّم بنكيران نفسه جانبًا من الإجابة عن الأسئلة السالف طرحها، صباح أمس السبت، في افتتاح أعمال الهيئة المكلفة باقتراح مرشحي حزبه للحقائب الوزارية؛ حيث أكد أنه أدار المفاوضات التي قادها لتشكيل الحكومة في إطار منهجية الحزب وبالتشاور مع قيادته.
وقالت بعض المصادر الإعلامية إن بنكيران واجه ضغوطًا لمدة خمسة أشهر ونصف الشهر، ورفض دخول الاتحاد الاشتراكي للحكومة؛ لأن أمينه العام إدريس لشكر اختار الدخول إلى الحكومة من “نافذة التحالف” مع رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار عزيز أخنوش بدل دخولها من “أبوابها” عبر التفاوض المباشر مع بنكيران.
وأضاف الأمين العام للعدالة والتنمية، في الاجتماع المشار إليه، أن حزبه قرر بحريّة من خلال الأمانة العامة والمجلس الوطني التفاعل الإيجابي مع بلاغ الديوان الملكي الذي أعفاه من مهمته، ومع تكليف الملك محمد السادس للعثماني بتشكيل الحكومة، كما قرر الحزب دعم العثماني ومساندته وفتح المشاورات مع كل الأحزاب السياسية.
سرعة ضرورية
من جانبه، قال أستاذ العلوم السياسية عمر الشرقاوي إن تسريع وتيرة الإعلان عن التحالف الحكومي كان متوقعًا، وربما كان ضمن التوجيهات التي قدمها عاهل البلاد للعثماني أثناء تكليفه.
وأضاف في تصريحات تلفزيونية أن السرعة “كانت ضرورية ومطلوبة كذلك بعد 165 يومًا من الانسداد السياسي، الذي عطل عمل كل المؤسسات الدستورية”.
وتابع الشرقاوي: “لا ننسى كذلك أن الملك محمد السادس أعطى درسين في التعامل مع الزمن الدستوري؛ فقد عين رئيس الحكومة بعد يومين على صدور نتائج انتخابات السابع من أكتوبر الماضي، ويوم واحد بعد إعلان الديوان الملكي إعفاء بنكيران من مهمته”.
التحكم في المشهد السياسي
أما الأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد (يساري) نبيلة منيب فقالت إن “الأطراف التي أفشلت عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة المعفى من تشكيل الحكومة، هي نفسها التي تساعد سعد الدين العثماني في تشكيل الأغلبية”.
وأضافت في تصريحات صحفية أن “من الأسباب التي عرقلت مهمة بنكيران وجود تحكم حقيقي في المشهد السياسي؛ حيث يتم صنع أحزاب موالية للسلطة تعمل على ضرب الأحزاب الوطنية المستقلة”.
غضب وتفهَم
وعبّر عدد من شباب حزب العدالة والتنمية، في مواقع التواصل الاجتماعي، عن غضبهم لقبول مشاركة حزب الاتحاد الاشتراكي في الحكومة، وعدوا ذلك تنازلًا سيضر بسمعة الحزب وشعبيته؛ لكن قياديين بالحزب رؤوا أن طبيعة المرحلة تفرض تفهم قرار مشاركة هذا الحزب.
حكومة السياق الصعب
وفي هذا السياق، قال القيادي في حزب العدالة والتنمية ونائب عمدة مدينة طنجة (التي يديرها العدالة والتنمية) محمد أمحجور إن “حكومة سعد الدين العثماني حكومة السياق الصعب”.
وأضاف في منشور بحسابه على موقع فيس بوك: “حكومة سعد الدين العثماني هي أيضًا حكومة العدالة والتنمية شكّلها الدكتور بناء على قرارات مؤسسات الحزب ومسؤوليه، ما العمل؟”، مطالبًا بدعم حكومة العثماني ليحقق أكبر قدر ممكن من الإنجازات.
وبخصوص مدى تأثر حزب العدالة والتنمية بالتطورات الجديدة، قال المحلل السياسي عمر الشرقاوي إنه “من المؤكد أن تكون لهذا المستجد تداعيات داخل حزب العدالة والتنمية في حدود معينة؛ فلا أتوقع أن يدفع الحدث إلى انشقاق كما حصل في الاتحاد الاشتراكي خلال إدارته مرحلة التناوب التوافقي في نهاية تسعينيات القرن الماضي”.
امتصاص الصدمات
وأضاف: “حزب العدالة والتنمية له عقيدة سياسية وبناء تنظيمي قادر على امتصاص الصدمات السياسية، وعلى الأقل التخفيف من تداعياتها”، مبينًا أن ذلك رهين بعنصرين: أولهما ردود فعل بنكيران التي “ستكون حاسمة في تثبيت التوازن أو خرقه”، والآخر الهوامش المتاحة للعثماني لقيادة الحكومة؛ “فكلما اتسع الهامش تراجع نفوذ بنكيران داخليًا وتقلصت دعوات التمديد له”.
وأوضح الشرقاوي أن أهم تأثير لتشكيل العثماني للحكومة على المشهد السياسي العام في المغرب هو “نهاية مرحلة التأثير السياسي لبنكيران بعد خمس سنوات من النجومية السياسية التي أزعجت كثيرين داخل حقل سياسي محافظ”.