جاءت تصريحات الدكتور أحمد عماد الدين وزير الصحة، عن مجانية التعليم والصحة لتثير موجة من الغضب، كما تثير التساؤلات حول أسباب هذه التصريحات في هذا الوقت، وهل هي بالونة اختبار للتمهيد لإلغاء مجانية الصحة والتعليم.
وقال وزير الصحة في كلمته خلال اجتماع لجنة الصحة بمجلس النواب أمس إن”منظومة الصحة متهاوية بسبب القرار الذي أصدره الرئيس جمال عبدالناصر بأن التعليم كالماء والهواء، والصحة مجانية لكل فرد، فراح التعليم وراحت الصحة”.
حق دستوي
الدكتور هشام شيحة، رئيس الإدارة المركزية للطب العلاجي بوزارة الصحة سابقا، قال إن تحميل فكرة مجانية العلاج والتعليم ﻷخطاء المنظومة هي من باب البحث عن “شماعة” لوضع أخطائه عليها لكي يبعد عن نفسه تهمة الفشل.
وأضاف “شيحة” في تصريح صحفي، أنه إذا تحدثنا عن الصحة فلنرجع للدستور الذي استفتي عليه المصريون، في المادتين 18 و19 التي تنص على أن لكل مصري الحق في العلاج على نفقة الدولة إذا تعثر في الإنفاق على نفسه.
وتنص المادة 18 من الدستور على “لكل مواطن الحق فى الصحة وفي الرعاية الصحية المتكاملة وفقاً لمعايير الجودة، وتكفل الدولة الحفاظ على مرافق الخدمات الصحية العامة التى تقدم خدماتها للشعب ودعمها والعمل على رفع كفاءتها وانتشارها الجغرافي العادل
وأوضح “شيحة” أن آليات التقدم في ملف الصحة متوقفة على شرطين الأول هو تفعيل نظام تأمين صحي شامل، يكون الاشتراك فيه إجباريا على كل الطبقات، بداية من القضاة والشرطة والجيش، إلى العمال من محدودي الدخل.
والشرط الثاني – بحسب “شيحة” – هو تدعيم صناعة الدواء، مشيرا إلى أن مجانية الصحة لا تعني الحصول على الخدمة مجانا فالدولة جمعت هذه المبالغ في هيئة ضرائب من المواطنين مسبقا لذا هي ملتزمة بعلاجهم.
ميزانية متدنية للصحة
وبخصوص ميزانية الصحة التي أقرها الدستور و لم تلتزم بها الحكومة ومررها البرلمان، أكد “شيحة” أن غالبية دول العالم الرأسمالية تخصص مبالغ أكبر بكثير من مما تخصصه مصر لميزانية الصحة.
وألمح إلى أن الولايات المتحدة الأميركية كمثال تقر 16% من الموازنة العامة للصحة، وبريطانيا تقر 13%، بينما تقر دول كالصومال وسلطنة عمان والسعودية مقررات أكبر بكثير من المبلغ المصري المقرر للصحة.
ورد أحمد السيد النجار، رئيس مجلس إدارة مؤسسة “الأهرام”، على تصريحات وزير الصحة، أحمد عماد، حيث كتب عبر حسابه الشخصي على موقع “فيس بوك” تدوينة استنكر فيها تصريح وزير الصحة، وأرجع تدهور الصحة في مصر إلى أسباب أخرى، على رأسها “تقليل الإنفاق العام على الصحة” و”الرواتب المزرية” للأطباء، على حد ذكره.
ضعف الإنفاق العام على الصحة
وأضاف “النجار”: “من سخريات القدر أن أغلب من يهاجمون مجانية التعليم والرعاية الصحية في عهد عبد الناصر تعلموا وتمكنوا هم وأسرهم من الحصول على الرعاية الصحية بفضل تلك المجانية!! وإذا كانت هناك مشاكل في نظام الرعاية الصحية فإن المنشأ الأساسي لها هو التدهور الذي حدث بعد عهد عبد الناصر، وبالذات ضعف الإنفاق العام على الصحة الذي يبلغ في العام المالي 2016-2017 نحو 48,9 مليار جنيه وهي تعادل نحو 1,5% من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بنحو 2% في العام المالي السابق”.
وأوضح “النجار” أنه “يبلغ متوسط الإنفاق العام على الصحة في مختلف دول العالم نحو 6% من الناتج العالمي، أي أننا بين الأدنى عالميا في هذا الشأن”.
ويلزم الدستور الحكومة بإنفاق 3% من الدخل القومي على الأقل على الصحة، وقد تم إعطاء الحكومة مهلة ثلاثة أعوام تنتهي في نهاية العام الحالي للوصول إلى هذا الحد الأدنى، لكنها في الحقيقة تتجه عكسيا لتقليل الإنفاق العام على الصحة كنسبة من الناتج.
وأضاف :”كما تدهورت منظومة الرعاية الصحية العامة بسبب المستوى المزري لأجور الأطباء وهم الأكثر تفوقا علميا بين أبناء الأمة، مقارنة بأجور فئات أقل منهم في العلم والتأهيل وتحصل على أضعاف ما يحصلون عليه، مما دفع الأطباء للبحث عن مصادر تكميلية للدخل وإهمال العمل في المستشفيات العامة طالما أن الأجر عن العمل الأساسي في المنظومة الصحية العامة لا يكفي لأي حد أدنى من حياة كريمة تليق بطبيب”.
بزنس الصحة
وأوضح “النجار” أن تدني الإنفاق العام على التعليم والصحة في عهد مبارك، قد جاء في إطار إفساح الحكومة، المجال أمام سيطرة القطاع الخاص على “بيزنس” التعليم والصحة في مصر، وذلك بعد أن تم تكريس صيغة رديئة للتعامل مع قطاعي التعليم والصحة بهذه الصورة التجارية البعيدة عن منظور تطوير صحة ومستوى تعليم الأمة”.
وكانت جريدة الأهرام “شبه الرسمية” نشرت قائمة بأسماء المستشفيات التكاملية التي تقرر بيعها، والتي تشمل 522 مستشفى في جميع المحافظات، كما طالب عبدالفتاح السيسي وزارة الصحة بطرح هذه المستشفيات أمام المستثمرين خلال المرحلة المقبلة.
وقال “السيسي” خلال إحدى جولاته نهاية الأسبوع الماضي، إن جمعيات مثل الأورمان ومصر الخير تستطيع إدارة تلك المستشفيات وتوسيع الخدمة المقدمة للمواطنين.
وأشار إلى أنه يتمنى أن تنضم المستشفيات التعليمية لتلك المناقصات، حتى نتمكن من توفير الاحتياجات بأقل سعر وأفضل جودة وأطول فترة ضمان لصيانة الأجهزة، وحثَّ المستشفيات على إيجاد دخل يدعم الحفاظ على المعدات الحديثة وصيانتها، عقب انتهاء مدة الصيانة المقررة من الشركات العالمية.
من جانبه، أكد محمود فؤاد، مدير المركز المصري للحق في الدواء، أن قرار خصخصة المستشفيات مخالف للمادة 18 و33 من الدستور، يمنع التصرف في أصول الدولة، وأنه في حال تنفيذ وزير الصحة بيع المستشفيات سيتم سجنه وفقاً للقانون.
وقال “فؤاد”: “إن الصحة عادت لتجميل القرار، بأن المستثمر سيكون له جزء في الإدارة، موضحاً: “لن يدفع مستثمر أموالاً لاستكمال بناء مستشفى وتطويره بلا مقابل”.
ونوه بأن تلك المستشفيات التكاملية وُضعت لعلاج الفقراء في القرى والمناطق الأكثر كثافة سكانية، وإذا تم بيعها للمستثمر فسيتحمل الفقير ثمن العلاج وإجراء العملية الجراحية كاملاً.
وأكد أن القرار يفتح الباب لخصخصة المستشفيات المصرية كلها، ويقضي على “العلاج المجاني”، موضحاً: “إننا كنا نطالب بتحسين جودة المستشفيات وضمان وصول العلاج للمستحقين، وحالياً نطالب بعدم بيع المستشفى من الأساس!”.
وطالب “فؤاد”، أعضاءَ البرلمان بالتدخل لوقف عملية بيع المستشفيات التكاملية، لأن أكثر الشعب يعتمد في علاجه على المستشفيات الحكومية التي تقدم كثيراً من خدماتها مجاناً.
الوزير يورط السيسي
وهاجم مقدم البرامج محمد علي خير المقرب من النظام، وزير الصحة، وأضاف في برنامجه المصري أفندي 360، المذاع على فضائية القاهرة والناس، :” هذه التصريحات هي تفخيخ للسيسي، لأن هذا الوزير لا علاقة له بالسياسة، وكان من المفترض ان يخرج في التعديل الوزاري الماضي ولكنهم لم يجدوا من يحل محله”، متابعا: “الوزير بيقول المنظومة متهاوية، أمال أحنا جايبينه ليه ؟!”