ربما يكون من المناسب أن أوضح لغير المصريين أن سرقة العقارات من أكثر الجرائم انتشارا في مصر، ولها العديد من التكنيكات التي ربما لا تخطر ببال أحد، ولكن من أكثر هذه الصور انتشارا هو أن يبحث السارق عن أرض أو عقار ليس له صاحب، إما لسفر، أو هجرة، أو لانشغال، أو أيا كان السبب.
هذه الخطوة الأولى، أما الخطوة الثانية، فتكون بوسيلة من وسيلتين، إما أن ينتحل شخصية صاحب العقار (بطريقة ما)، أو أن يزور عقد بيع ابتدائي من صاحب العقار له هو شخصيا (وهي الوسيلة الأكثر انتشارا).
من خلال هذا العقد المزور يتمكن هذا اللص من الاستيلاء على العقار، وبعد ذلك يمكن أن يبني فوقه عمارة ويبيعها، أو أن يبيع قطعة الأرض تلك لطرف ثالث حسن النية (أو سيء النية)، وفي حالة كونه سيء النية لا بد أنه سيشتري قطعة الأرض تلك بثمن بخس من اللص الذي زوَّر الأوراق.
يحدث كثيرا أن ينتبه صاحب العقار أن أرضه أو مبناه قد تمت سرقته، فتراه يحاول إثبات حقه في هذا العقار بعدة طرق، الطريقة الأولى أن يلجأ للقضاء.
والطريقة الثانية أن يعلن في المنطقة أن هذا العقار عليه نزاع، بحيث يخاف كل مُشترٍ جديد من أن يقحم نفسه في موضوع نهايته قد لا تسر، لذلك من الأمور التي اعتادها المصريون أن يجدوا لافتة ضخمة على قطعة أرض مكتوب عليها (هذا العقار ملك لفلان الفلاني أو لورثة فلان الفلاني، ونحذر من التعامل عليه بالبيع أو الشراء حيث إن ذلك يضع المتعامل تحت طائلة القانون)، أو ما شابه ذلك من الجمل التي تحذر أي مشتر أو مستأجر من الدخول في عش الدبابير ذاك.
هذا ما خطر في بالي حين قرأت ما كتبه المحامي خالد علي وفريق الدفاع المحترم في قضية تيران وصنافير، وهذا ما خطر في بالي حين قرأت حيثيات حكم الإدارية العليا في القضية ذاتها.
فأشارت المحكمة إلى “أن الجزيرتين ضمن الإقليم المصرى، خاضعتان للسيادة المصرية الكاملة ، ووفقًا لنص المادة (151) من دستور جمهورية مصر العربية الصادر فى 18 يناير 2014 ، يحظر إبرام أى اتفاق يتضمن التنازل عن أى جزء من الإقليم المصري”.
وقالت هيئة الدفاع :
أولاً : أن الدستور المصرى رسَخ مبدأ سيادة الشعب فى أعلى صورة فحظر أى التزام دولى على الدولة فيما يتعلق بهذه الأنواع من المعاهدات إلا بعد أخذ موافقة الشعب صاحب السيادة ومصدرها، فالتصديق وهو من سلطة رئيس الجمهورية مشروط بموافقة الشعب عبر استفتاء واجب، وفيه يحل الشعب محل السلطة التى تقوم مقامه بالتشريع والرقابة ، وعلى رئيس الجمهورية أن يخاطب الشعب مباشرة طالباً رأيه الفاصل والملزم فى أية معاهدة محلها الصلح أو التحالف أو تتعلق بحقوق السيادة . والترتيب المنطقى للأمور أن يتوجه رئيس الجمهورية إلى الشعب طالباً رأيه ، فإن أجاب طلبه بالموافقة استكملت إجراءات الاتفاق الدولى ، وإن كان له رأى آخر زال أى اتفاق أو إجراء سابق تم اتخاذه.
ثانياً: أن التنازل عن أى جزء من إقليم الدولة أو إبرام معاهدة تخالف أحكام الدستور المصرى- فرادى أو مجتمعة – تعد من الأمور المحظور إبرام أى اتفاق دولى بشأنها ولا تعرض على الشعب الذى أعلن إرادته عبر دستوره وحاصله.
إنه لا يُقبل التنازل عن أى جزء من الأرض أو مخالفة أى حكم من أحكام الدستور الذى يمثل الوعاء الأصيل للنظام القانونى الحاكم من ناحية والضمان الوحيد لاستقرار نظام الحكم من ناحية أخرى”.
كل هذه الجمل والعبارات الرصينة تذكرني باللافتات التي يعلقها أصحاب العقارات التي تتعرض للسرقة في مصر !
للأسف الشديد … ليس ممكنا أن نعلق لافتة على وطننا المسلوب مصر نقول فيه “هذا الوطن ليس معروضا للبيع، وعلى كل الدول التي تستغل وجود مجموعة من العملاء في السلطة أن تعلم أنها ستدفع ثمن ذلك إن عاجلا أو آجلا” !!!
ولو كان تعليق مثل هذه اللافتة ممكنا … فلا أظنه سيجدي كما يجدي الأمر في تخويف المتعاملين على قطعة أرض هنا أو هناك … فإغراءات شراء الدولة المصرية أو بعضا منها أكبر من أن تقاومها الدول (سواء من إخوتنا أو أبناء عمومتنا أو من أعداءنا).
لذلك … لا حل أمامنا سوى أن نقف صفا واحدا أمام هؤلاء الخونة … لصوص الأوطان … الذين يبيعون مصرنا الغالية لكل من هبَّ ودبَّ مقابل بقائهم في السلطة.
الأمة المصرية تنتظر من نخبها وأبنائها المخلصين أن يتحدوا، وأن يضربوا على يد الظالم، وأن يتناسوا خلافاتهم السطحية في هذه اللحظة الحرجة.
إذا لم نفعل ذلك الآن … فتأكدوا أننا لن نجد وطنا نتنازع عليه لاحقا !
لن تجدوا مصر لتتنازعوا على هويتها … وعلى خريطتها …!
ستمحى مصر من على الخريطة … ستصبح بلدا بلا ماء، ولا هوية، ولا ثروات، ولا قرار وطني … وتعويض ذلك سيستغرق أجيالا وأعمارا.
لا زالت فرصة التوحد سانحة حتى الآن … بشرط أن تتراجع طموحات وأطماع الجميع لصالح المصلحة الوطنية العظمى.
اللهم إني قد بلغت … اللهم فاشهد.