لم يمر سوى عامين على تهجير أهالي مدينة رفح، الذي أعقبه نزوح أغلب أهالي مدن شمال سيناء بسبب العمليات العسكرية التي سقط على إثرها مئات القتلى المدنيين؛ حتى أُجبر الأقباط على النزوح الجماعي بسبب عمليات التهديد التي يتعرضون إليها بعد حوادث لسبعة أقباط خلال أسبوع، في مشهد وصفه النشطاء السياسيون بأنه حالة حرب وتكرار لمشهد نزوح أهالي القناة بعد العدوان الصهيوني على مصر عام 1967.
الكنائس تتحول إلى مراكز إيواء
بدأت عمليات إيواء الأسر القبطية المهجَّرة من مدينة العريش بالكنيسة الإنجيلية بالإسماعيلية، ولجأت 50 أسرة قبطية إلى كنائس محافظة الإسماعيلية هربًا من عمليات استهداف الأقباط التي يقوم بها في العريش بعد حوادث سبعة أقباط؛ أحدثها مساء أمس الأول.
وبحسب أحد كهنة المدينة، فإن هناك 62 عائلة أخرى في الطريق إلى الإسماعيلية.
وانتقد مصدرٌ كنسيٌّ بمطرانية الإسماعيلية ما وصفه “تراخي المحافظة في توفير مساكن للأسر المهاجرة من العريش”؛ حيث وفرت الكنائس الثلاث بالمحافظة -الأرثوذكس والإنجيلية والكاثوليك- الشقق السكنية لمهاجري العريش الذين وصلوا بملابسهم فقط؛ هربًا بأرواحهم بعد تكرار حوادث قتل الأقباط.
وقال المصدر إن البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، يتابع تسكين الأسر مع أسقف الإسماعيلية، كما تواصل الدكتور أندريه زكي رئيس الطائفة الإنجيلية مع الكنيسة بالإسماعيلية لاستقبال مسيحيي العريش وتوفير الرعاية اللازمة لهم لحين إتمام عمليات التسكين بأماكن مناسبة وشقق سكنية ستوفرها الكنيسة خلال الساعات القليلة المقبلة، مع مثول الجريدة للطبع.
وقال عادل شكر الله، مسؤول خدمة الشباب بالكنيسة الإنجيلية بالإسماعيلية، إنه تم التواصل قبل وصول الأسر إلى الإسماعيلية مع لجنة تم تشكيلها بالكنيسة وبالتعاون مع شباب من الكنائس الأخرى بالمحافظة، مشيرًا إلى وصول خمس أسر مساء أمس الأول تم تسكينهم بشقق خاصة بالكنيسة، موضحًا أن حالتهم كانت يُرثى لها، وكنوا لا يزالون يشعرون بالخوف والرعب مما شاهدوه من أعمال عنف وقتل بشمال سيناء، وأنهم كانوا بملابسهم فقط، وبعض المستلزمات الشخصية فقط، تاركين بقية ملابسهم وكل الأثاث داخل منازلهم؛ هربًا من القتل في العريش، كما وصلت 16 أسرة أخرى، وكانوا يفترشون ساحة الكنيسة واللجنة تُجري اتصالات مكثفة لتوفير الاحتياجات اللازمة لهم.
وأضافت إيلين عبد المسيح، الخادمة بنفس الكنيسة، أن “جميع الكنائس بالإسماعيلية تقوم بدورها كملجأ للجميع، ونريد توصيل صوت هؤلاء البسطاء إلى الحكومة لوجود تقصير تجاههم من جانب المحافظة في توفير الحماية لهم”.
وقال “م. س”، مدير إحدى المدارس في العريش، إنه هرب من المدينة بسبب الخوف والرعب من استهداف الأقباط في الفترة الأخيرة، وتحديدًا بعد مقتل الأسرة المسيحية قبل أيام على أيدي العناصر التكفيرية هناك؛ ما أصابه بحالة من الرعب خوفًا على حياة أسرته؛ ولذا حضر إلى الإسماعيلية مع بناته وترك زوجته في الطريق مع عائلتها ولجأ إلى الكنيسة.
وقالت “نبيلة”، إحدى المهاجرات من العريش، إن الدولة لا تسمع صراخهم في العريش أو الإسماعيلية، وما قدمته الحكومة كان منح إجازة للموظفين والطلبة المسيحيين؛ لافتة إلى أن مدينتي رفح والشيخ زويد أصبحتا خاليتين من أقباط، والعريش في الطريق.
وأضاف أحد الأهالي أن عدد الأقباط الذين قتلوا في العريش يتجاوز ألف فرد، وبعد الأحداث الأخيرة يتوقع ألا يتبقى مسيحيٌّ واحدٌ هناك، مناشدًا السيسي بحماية الأقباط.
الخوف يخيم
وقالت ماري إسكندر، مسؤولة إدارية بالكنيسة الإنجيلية بالإسماعيلية، في تصريحات صحفية، إن الكنيسة بدأت في استقبال عدد من الأسر منذ عصر اليوم الجمعة نازحة هربًا من أعمال استهداف الأقباط هناك والذين وصل عددهم إلى 40 أسرة.
وأضافت أن حالة من الخوف والذعر تسيطر على الأقباط الذين وصلوا اليوم هربًا من أحداث القتل التي تستهدفهم، فضلًا عن إحراق منازلهم دون مراعاة وجود أطفال ونساء؛ الأمر الذي دفعهم إلى الهرب.
وقالت مصادر مسؤولة بالكنيسة إنه يتم حاليًا التواصل مع محافظ الإسماعيلية والأجهزة التنفيذية بشأن استقبال الأسر وتوفير أماكن إقامة لهم.
شاحنة أثاث
فيما أرسلت الكنيسة الإنجيلية بقصر الدوبارة شاحنة محمّلة بالأثاث المنزلي والبطاطين وأجهزة إعاشة دعمًا للعائلات القبطية النازحة من العريش اليوم الجمعة في أعقاب أحداث القتل واستهداف الأقباط خلال الأيام الماضية والتي أسفرت عن مقتل سبعة أقباط.
المسلمون يبادرون بالمساعدة
وفي السياق نفسه، شهدت الكنيسة الإنجيلية حالة من التكاتف بين المسلمين والأقباط؛ حيث توافد عدد كبير من أبناء الإسماعيلية والنشطاء إلى الكنيسة لتقديم الدعم للأسر النازحة، كما قدمت جمعية “ولاد البلد” وحزب الدستور مساهمات ومساعدات عينية للأسر النازحة من العريش.
حالة حرب
ويقول مينا ثابت، أحد نشطاء الأقباط: “أنا واقف في مكان أشبه بمراكز الإيواء ما بعد الحروب أو الكوارث الطبيعية اللي كنا بنشوفها في الأفلام، ناس داخلة خارجة بمساعدات، واللي جايب أثاث واللي جايب أكل، واللي جايب بطاطين، لسه واحد معدّي قدامي من شوية وكان في إيده كيس حسابات أطفال!”.
وأضاف: الخبر العدل الوحيد في أول استجابة من الدولة أن في مجموعة من الأسر تم توفير مساكن لها في بيت الشباب التابع لوزارة الشباب والرياضة عن طريق بعض الاتصالات على المستوى الشخصي.
وفي منشور آخر قال: “كتير سألوا على إمكانية المساعدة وغيره، الحقيقة مش عارف تساعدوا إزاي، الناس هنا الكنائس متولية استقبال وتسكين الأسر المهجرة، كل شوية بتجيلنا أخبار أن في أسر تانية في الطريق. الناس اللي بتوصل بتحتاج إعاشة وبطاطين وخلافه. الشقق اللي بتتوفر بعضها مملوك للكنيسة وبعضها إيجار، الوضع لسه وضع طارئ فمفيش رصد وتحديد لاحتياجات أساسية، عدد الأسر في ازدياد مستمر”.
واختتم: “الساسة اللي عندنا، شوفولكم حل؛ واجبكم ودوركم أنكم تشوفوا حل سياسي للأزمة دي، فالأزمة انهاردة مش مسيحيين ومسلمين اتخانقوا مع بعض، ازمة النهردا هي فشل في إدارة ملف من أكثر الملفات تهديدًا لوجود الدولة ووجودها احنا كمواطنين. الأزمة النهاردة تعبير عميق عن التمييز الديني ومشاكل الأقباط في مصر اللي مش بتتحل”.
توقف أعمال ترميم الكنائس
وتوقف العمل خلال الأسبوع الماضي عن ترميم كنيسة مارجرجس بالعريش، التي تعرضت إلى الإحراق العمدي خلال الهجمات التي استهدفت دور عبادة مسيحية في محافظات مختلفة في أعقاب مذبحتي اعتصامي رابعة العدوية والنهضة في أغسطس 2013؛ حيث أغلقت السلطات الأمنية الشارع المؤدي إلى الكنيسة.
وتضم العريش ثلاثة مواقع تتبع الكنيسة القبطية، وهي مطرانية شمال سيناء في ضاحية السلام وتخضع لحراسة دائمة، ومقر الاستراحات الكنسية في حي المساعيد الذي يخضع أيضًا لحراسات مشددة، فضلًا عن كنيسة مارجرجس وسط العريش.
مؤشرات للتوطين
ويقول أمين إسكندر، عضو برلمان 2012، في تصريح لـ”رصد”، إن ما يحدث “نتيجة لتخاذل الشرطة الذي أعتقده متعمد، ومؤشرات على تخطيط النظام لتوطين الفلسطينيين في شمال سيناء وضمها إلى قطاع غزة بعد التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية لجسّ نبض الشارع ومعرفة ردود فعله”.
وأشار إسكندر إلى أن هناك مؤشرًا، وهو تصريح الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي قال فيه إن السيسي عرض عليه توطين الفلسطينيين في سيناء، وقد تناول هذا التصريح كثير من الصحف والمواقع الإلكترونية؛ وعلى رأسها “القدس العربي” وموقع “الجزيرة”.
يذكر أن القوات الأميركية المشاركة في حفظ السلام انسحبت من قاعدة الجورة في شمال سيناء خشية رد فعل أهالي سيناء والجماعات المسلحة، والمؤشر الرابع هو الانتهاء من مشروع شق سحارة سرابيوم تحت قناة السويس التي ستنقل المياه إلى سيناء للمساعدة على توطين الفلسطينيين فيها.