وصف د. سيد أبو الخير، خبير العلاقات الدولية، دبلوماسية العلاقات السرية بين الدول وما يجري من لقاءات واتفاقيات سرية بأنها “صادمة للشعوب وخيانة لها ومخالفة لميثاق الأمم المتحدة”؛ حيث يلزم ميثاقها الأعضاء فيها على ضرورة الكشف عن أي اتفاق سري ووضع نسختين منه بالأمم المتحدة للاطلاع عليه، قائلًا: “أي اتفاق لا يتم معه مثل هذا الإجراء يعد باطلًا؛ طبقًا للمادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة الفقرة الثانية منه الخاصة بـ(اتفاق حسن النية) الذي يلزم الكشف عن أي اتفاق سري، وهو ما أكدته محكمة العدل الدولية في مايو 1948 أيضًا واتفاقية فيينا لسنة 1969”.
وأضاف “أبو الخير”، في تصريحات خاصة لـ”رصد”: أي لقاء سري تلجأ إليه أي دولة يعني أن هناك ما يُخشى من صدوره للعلن، وهذه خيانة للشعوب التي من حقها أن تعرف ما يجري؛ خاصة أنها صاحبة أي قرار يخص أي قضايا تهم الدولة التي ينتمي إليها هذا الشعب، وهو جهة المحاسبة لحاكمه؛ ولكن ما يجري في المنطقة العربية يؤكد أن الشعوب ليست في حسابات الحكام وأن هناك استخفافًا بها بشكل واضح؛ ولعل اللقاءات السرية التي جرت من قبل ونتج عنها اتفاقيات مشوهة تؤكد أن الحكام العرب يخفون هذه الاتفاقيات في بدايتها على الأقل لأنهم يعرفون حجم التنازلات التي يقدمونها؛ خاصة غير المعلن عنها.
وحول اللقاء السري الأخير الذي تم الكشف عنه وضم دولًا عربية والكيان الصهيوني وأميركا قال: “هدفه في المقام الأول الإضرار بالشعوب والمنطقة العربية وإعادة تقسيم المنطقة وإحداث تغيير جغرافي وديموجرافي لصالح الكيان الصهيوني على حساب المنطقة العربية، خاصة فلسطين، وإعادة توطين الفلسطينيين خارج أراضيهم، سواء في الأردن أو سيناء؛ وهذا ما تم تداوله مؤخرًا وأعلن عنه مسؤولون صهاينة وروجوا له، وكذلك المخطط الذي تروجه أميركا منذ انتهاء الحرب الباردة وانفرادها بقيادة العالم، ويبدو أن تنفيذه بالكامل سيكون على يد ترامب”.
وكشفت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية مؤخرًا عما قالت إنه “لقاء سري” جمع وزير الخارجية الأميركي السابق جون كيري ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وعبدالفتاح السيسي والملك الأردني عبدالله الثاني.
اللقاء الذي جرى قبل عام في مدينة العقبة الأردنية عرض خلاله “كيري” مبادرة سلام إقليمية، تضمنت الاعتراف بإسرائيل دولة يهودية واستئناف المفاوضات مع الفلسطينيين بدعم دولٍ عربية.
وبحسب المراسل السياسي للصحيفة “باراك رفيد”، تهرب “نتنياهو” من المبادرة بدعوى أنه سيتعذر عليه الحصول على أغلبية مؤيدة لها في ائتلافه اليميني الحاكم، واقترح سلسلة من الخطوات تقدمها إسرائيل لأجل الفلسطينيين مقابل قمة مع ممثلي السعودية والإمارات.
مع ذلك، كانت القمة الأردنية هي الأساس الذي أجرى عليه “نتنياهو” بعد ذلك بأسبوعين اتصالات مع زعيم المعارضة الإسرائيلية “إسحاق هارتسوج” لإقامة حكومة وحدة، وفشلت المفاوضات بشأنها بعد ذلك.
وتابع “رفيد”: تفاصيل القمة في العقبة ومضمونها كشفها حديث لـ”هآرتس” مع مسؤولين بارزين سابقين في إدارة باراك أوباما. هؤلاء المسؤولون المحيطون بتفاصيل القمة طلبوا عدم نشر أسمائهم؛ لما ينطوي عليه الموضوع من حساسية سياسية، ونظرًا لأن حقيقة انعقادها تكشف للمرة الأولى. وقد رفضوا في مكتب رئيس الحكومة (الإسرائيلية) التعليق على تصريحاتهم”.
وأوضحت الصحيفة أن “كيري” كان صاحب المبادرة، وبعد أن انهارت مبادرة السلام التي قادها في أبريل 2014 وتم تجميد المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين تركزت جهود وزير الخارجية الأميركي آنذاك في استئناف عملية السلام بين الطرفين. وفي العام والنصف بعد ذلك تركزت جهود كيري في إتمام الاتفاق النووي مع إيران الذي وُقع في يوليو 2015 وصدق عليه الكونجرس الأميركي في سبتمبر من نفس العام.
في أكتوبر 2015 جدد “كيري” نشاطاته في الشأن الإسرائيلي الفلسطيني على خلفية التصعيد حول المسجد الأقصى والمواجهات التي اندلعت في القدس الشرقية والضفة الغربية.
ونجح “كيري” في نهاية نفس الشهر في التوصل إلى تفاهمات بين إسرائيل والأردن والفلسطينيين حول الوضع القائم بالمسجد الأقصى. وكجزء من التفاهمات ذاتها، بدأت مفاوضات بين إسرائيل والأردن حول وضع كاميرات في المسجد، وهي الفكرة التي لم تخرج فيما بعد حيز التنفيذ.
بعد ذلك بأسبوعين وصل نتنياهو إلى واشنطن في لقاء هو الأول مع الرئيس باراك أوباما منذ أكثر من عام. خلال اللقاء دار جدل غير مسبوق بين الرجلين بخصوص الاتفاق النووي مع إيران، الذي تعارضه تل أبيب. زعم نتنياهو في لقائه مع أوباما في 10 نوفمبر بالمكتب البيضاوي في البيت الأبيض أن لديه أفكارًا لاستئناف المفاوضات مع الفلسطينيين، وطالبه أوباما -الذي لم يصدق جدية نواياه- ببحث الموضوع مع “كيري”.
في صبيحة اليوم التالي، التقى نتنياهو وزير الخارجية الأميركي واقترح القيام بسلسلة من الخطوات الهامة تجاه الفلسطينيين في الضفة الغربية؛ بما في ذلك إعطاء تصريح لبناء الفلسطينيين بشكل موسع في المنطقة “سي”، التي تخضع إلى سيطرة مدنية وأمنية إسرائيلية كاملة.
وطالب رئيس الحكومة الإسرائيلية في المقابل أن تمنح الإدارة الأميركية إسرائيل اعترافًا بإمكانية البناء في الكتل الاستيطانية؛ لكنه لم يوضح ما إن كان ذلك يعني تجميد البناء خارج هذه الكتل أم لا.