كشفت حركة المقاومة الإسلامية “حماس”، منذ فترة عن إعدادها وثيقة سياسية تحمل فكرها وموروثها السياسي، توقع محللون فلسطينيون أن تحمل لغة جديدة “مرنة ومنفتحة”، بهدف كسر عزلتها الدولية، والتعامل مع الملفات الشائكة في ظل ما تشهده المنطقة من متغيرات، لاسيما فيما يتعلق بعلاقاتها بجماعة الإخوان المسلمين و”معاداة اليهود”.
ولم يحدد أيًا من قادة الحركة الذين كشفوا عن الوثيقة، موعدا لنشرها، في حين يتوقع المحللون أن تعلن عنها عقب الانتهاء من الانتخابات الداخلية.
ورفض إسماعيل رضوان، القيادي في “حماس”، الحديث عن تفاصيل الوثيقة، وعمّا إذا كانت الوثيقة ستحمل نفيا لوجود علاقة إدارية وتنظيمية بين “حماس”، وجماعة الإخوان المسلمين، بالإضافة إلى الإشارة إلى الاحتلال الإسرائيلي بدون ذكر “معاداة اليهود”، مؤكدًا أن معرفة بنود الوثيقة سيكون بمجرد نشرها.
ونفى “رضوان” أن تكون الوثيقة بديلا عن ميثاق الحركة، الذي صدر تزامنا مع تأسيسها، نهاية حقبة الثمانينيات من القرن الماضي.
انتقادات في الميثاق التأسيسي
ويواجه الميثاق التأسيسي لحركة حماس، والذي أصدرته عام 1988 بعد شهور قليلة من تأسيسها في 14 ديسمبر1987، انتقادات من اطراف عربية ودولية، أبرزها تأكيدها على انها جزء من جماعة الإخوان المسلمين، بالإضافة إلى حديثها عن “اليهود”، بشكل عمومي، دون تحديد.
وفي الميثاق التأسيسي، في بابه الأول، إن حركة حماس، هي “جناح من أجنحة الإخوان المسلمين بفلسطين”. كما جاء في مقدمته: “معركتنا مع اليهود جد كبيرة وخطيرة، وتحتاج إلى جميع الجهود المخلصة، وهي خطوة لابد من أن تتبعها خطوات”.
وينفي قادة حماس بشكل متكرر أي علاقة للحركة بصلات تنظيمية أو إدارية مع أي جهة خارجية.
لائحة تفسيرية وليس ميثاقًا جديدًا
عدنان أبو عامر، المحلل السياسي والخبير في شؤون الحركات الإسلامية، توقع أن تتضمن وثيقة “حماس” القادمة مواقفها من مختلف جوانب القضية الفلسطينية والصراع مع إسرائيل، وعلاقاتها مع الدول العربية والإسلامية والأجنبية، واصفًا إصدار الحركة للوثيقة بـ”النقلة الإضافية” في فكرها السياسي.
واعتبر “أبو عامر”، الوثيقة الجديدة، لائحة تفسيرية لميثاقها، مشيرًا إلى أن حماس كباقي الحركات الإسلامية تعتبر الميثاق خط أحمر لا يمكن الاقتراب منه، وهي لن تتخلى عنه لاعتبارات داخلية.
ورأى أن “الوثيقة ستشمل لغة مرنة ومنفتحة، فيما يتعلق بعلاقتها مع الآخرين محليا وخارجيا، وستتسم بالواقعية السياسية، خاصة فيما يتعلق بالصراع مع إسرائيل، فقد تنشر بندا أن صراعها مع الاحتلال الإسرائيلي دون الإشارة لليهود”.
ولفت “أبو عامر” إلى أن وثيقة الحركة قد تعمل على إحداث تغييرات إيجابية من المواقف الدولية تجاهها.
ومن جهته ، قال أحمد يوسف، مدير مركز “بيت الحكمة للاستشارات وحل النزاعات” (غير حكومي)، إن الوثيقة السياسية لـ”حماس” قد تم البدء في إعدادها منذ قرابة العام، فيما يقع على عاتق قيادة الحركة الجديدة، التي سيتم الإعلان عنها عقب انتهاء الانتخابات الداخلية، والمصادقة عليها.
ويرى “يوسف”، المقرب من حركة حماس، أن “الوثيقة السياسية ستعكس حالة الوعي للحركة تجاه القضايا الفلسطينية والدولية”.
وأوضح “يوسف” للأناضول أن الوثيقة ستحمل “رؤية جديدة لحماس، ووعيا أكبر تجاه ضرورة وحدة الصف الفلسطيني، والنظر للمجتمع الدولي، والتواصل مع العمق العربي والإسلامي”.
وتوقّع أن تستبدل حركة “حماس” كلمة “اليهود” في خطاباتها السياسية بكلمة “الاحتلال”، موضحا أن “جوهر الصراع هنا مع الاحتلال والحركة الصهيونية، فحماس ترسل رسالة للعالم الخارجي أنها لا تستعدي كل يهود العالم”.
خلاصة 10 سنوات
من جانبه، رجح المحلل السياسي حمزة أبو شنب، أن تصدر “حماس”، الوثيقة السياسية الجديدة بعد انتهاء الانتخابات الداخلية للحركة.
وأشار أبو شنب إلى أنه “مع تطور الظروف الإقليمية وحركات التحرر، فإن حماس قد تصدر هذه الوثيقة لإيضاح مسار سلوكها في المرحلة المقبلة”.
وأكد أبو شنب في حديث للأناضول أن الوثيقة “ستبقى متمسكة بثوابت حماس، ورؤيتها إزاء خيار المقاومة”، إلا أنه توقّع أن تتضمن مجموعة من النقاط توضح موقف الحركة من مجمل القضايا الحاصلة.
ووفق أبو شنب، فإن وثيقة “حماس” ستركز بصورة أساسية على توضيح علاقة الحركة مع دول الطوق؛ لاسيّما “مصر، والأردن، ولبنان، وسوريا”.
وأردف “أبو شنب”: “أما علاقة الحركة مع بقية الأطراف الإقليمية والدولية سيتم تحديدها وفق رؤية حماس الشاملة التي ستتسق مع توجهات الأمة العربية والإسلامية”.
ولفت المحلل الفلسطيني إلى أن “حماس” تلجأ لوضع بعض التغييرات على وثيقتها السياسية الجديدة، تتخلص خلالها من بعض القضايا التي وصفها بـ” غير الواضحة وغير المنطقية”.
واستكمل موضحا أنه “من الوارد أن تقوم حماس باستبدال كلمة اليهود في خطاباتها السياسية بكلمة (الاحتلال)”.
وأرجع “أبو شنب” ذلك الاحتمال لمساعي حركة “حماس” لإيصال رسائل دولية مفادها “أن مشكلتها مع الاحتلال الإسرائيلي، لا مع اليهود”.
ولا تعترف حركة “حماس” ذات الفكر الإسلامي، بوجود إسرائيل، وتطالب بإزالتها وإقامة دولة فلسطينية على كامل الأراضي الفلسطينية.
وتتبنى “حماس” مبدأ المقاومة المسلّحة، وتعتبره الطريق الوحيد لتحرير فلسطين، ولا تقبل الحركة بشروط اللجنة الرباعية الدولية للسلام (الولايات المتحدة، وروسيا، والاتحاد الأوربي، والأمم المتحدة)، والتي تطالبها بالاعتراف بإسرائيل.
وترفض “حماس” أيضا مبدأ التفاوض مع إسرائيل، وتنسيق أجهزة السلطة الأمني مع السلطات الإسرائيلية.
وتوقع أستاذ العلوم السياسية بجامعة بيرزيت في الضفة الغربية جهاد حرب، أن تُبدي “حماس” في وثيقتها السياسية المتوقع المصادقة عليها، بعد الانتخابات الداخلية للحركة، “مرونة في مواقفها السياسية”.
وقال “حرب” لـ”الأناضول”: “ستشكل هذه الوثيقة خلاصة تجربة حماس، بعد 10 سنوات من حكمها في قطاع غزة، وتعبّر عن وجهة نظرها وكيفية تعاطيها مع الظروف الداخلية والخارجية”.
ونوه إلى أن “الوثيقة السياسية ليست بديلاً عن ميثاق حماس العام، وتختلف عنه إذ يُحدد الميثاق مبادئ الحركة وأهدافها الاستراتيجية بالإضافة إلى الثوابت”، متوقعا أن تتضمن الوثيقة السياسية بنوداً تنظم علاقة “حماس” بالأطراف الفلسطينية الداخلية، أو الإقليمية والدولية على حدّ سواء.
وتابع: “قد تضع حماس رؤية للظروف والأوضاع الداخلية للحركة، وللقضية الفلسطينية بشكل عام”.
وعلى المستوى علاقاتها مع الأطراف العربية، توقع حرب أن تعلن “حماس” انفصالها عن جماعة الإخوان المسلمين الأم، واعتبارها تنظيم “وطني فلسطيني”.
وأردف قائلا: “الظروف الإقليمية، لا تساعد حركة حماس في البقاء ضمن دائرة الإخوان المسلمين، التي قد تعيق علاقتها مع بعض الأطراف العربية، لاسيّما مصر، والتي تصنّف تلك الجماعة ضمن قائمة الإرهاب”.
ورجّح حرب أن تقدّم حركة “حماس” رؤية مرنة سياسياً لعلاقاتها مع الأطراف الإقليمية أساسية في المنطقة، خاصة “مصر، وإيران، وتركيا”.
وبدأت الانتخابات الداخلية لحماس في 3 فبراير، وأسفرت عن فوز يحي السنوار برئاسة الحركة في قطاع غزة. ومن المتوقع أن تستكمل الحركة انتخاباتها، والتي تتوج بانتخاب رئيسها، خلال الشهر القادم.