“لا تعاون من دون تغيير السلوك”.
تلك هي المعادلة -ببساطة- التي يطرحها وزير الخارجية السعودي على الإيرانيين في تفاعله مع عرضهم الحوار وتحسين العلاقات.
ترتفع لغة الجبير حيال إيران؛ حيث تعلو وتيرتها وتصبح خشنة على نحو لافت وواضح؛ إلا أن هذه المرة ثمة رئيس في البيت الأبيض يتوعد طهران بمفردات لا تحتمل لبسًا. فكما قال ترامب أكثر من مرة إن إيران هي أكبر راعٍ للإرهاب في العالم، يكررها الجبير في ميونيخ، ويؤكد أن إيران تريد تدمير الشرق الأوسط، وعلى المجتمع الدولي وضع حد لتصرفاتها.
وهناك أيضًا ما يضيفه الرجل، فإيران هي الوحيدة التي لم يهاجمها تنظيما “القاعدة” و”الدولة الإسلامية”، ويترك للحضور أن يستنتجوا ما يريدون.
موقف الإدارة الأميركية
فعلامَ يراهن الجبير؟ توقع البعض أنه يراهن على “ترامب” الذي جاء إلى البيت الأبيض بأجندة مختلفة على الأقل إيذاء إيران؛ فهي بالنسبة إليه ولصقوره في البنتاجون تتدخل في شؤون دول الجوار وتمارس دورًا تخريبيًا في المنطقة بأسرها وتستهدف الولايات المتحدة وحلفاءها، وسيناريوهات ترامب للتعامل معها تبدأ من تجديد العقوبات وتغليظها، ولا تننهي بمقترحات لضرب أذرعها العسكرية في اليمن ولبنان والعراق وسوريا؛ ما يعني في نهاية المطاف عزلها وتقليم أظافرها.
استراتيجية إيران
يعرف ذلك وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف، وهو أمر يفسر نبرة التراجع في حوار إيران مؤخرًا وحرصها على صورة من يدعو إلى الحوار؛ حيث يقول ظريف: “إن لدى منطقة الخليج ما يكفي من مشكلات، لذلك نسعى إلى حلها بالحوار مع بلدان نعتبرها (إخوة لنا في الإسلام) ولنا كما للسعودية وبقية دول الخليج مصلحة في إنعاء الأزمات سياسيًا”.
وظريف ليس وحده في هذا؛ فقبل أيام قليلة زار روحاني سلطنة عمان والكويت، وفيهما كما يبدو أنه كان يبحث عن حلول تحفظ ماء الوجه؛ وهذه تعني -إيرانيًا- عزل المنطقة عن أي حل من خارجها، فذاك -كما يعرف كثيرون- سيكون أميركيًا وعلى حساب طهران، ويحدث هذا بأسلوب تغليب الصفقات واستخدام اللغة المزدوجة؛ فبينما يصر ساسة إيران على ما يسمونها “لغة الحوار” فإنهم في الوقت نفسه يلوحون بالتصعيد العسكري؛ فما لا يفلح من دعوات سلام مع ترامب فربما يردعه صور الصواريخ والعروض العسكرية؛ إلا أن الكل يعلم أن هذا لا يمثل شيئًا أمام ترسانة الأسلحة الأميريكية، وأنه مجرد استعراض أجوف ليس أكثر، حتى موسكو بدأت تسعى إلى عقد صفقات سياسية مع واشنطن ولو على حساب طهران وبشار الأسد معًا، على النحو الذي يجعل كثيرين يعتبرون الموسم القادم هو موسم خوف للأطراف كافة.
فما هي دلالات وصف وزير الخارجية السعودي لإيران بأنها الراعي الرئيس للإرهاب في العالم، ودعوته إلى تغيير سلوكها؟
تصعيد سعودي
من جانبه، أكد الباحث المتخصص في الشؤون الإقليمية حسين رويواران أن لهجة التصعيد في تصريحات الجبير الأخيرة تعكس التوجه السياسي السعودي الذي يعتبر إيران التهديد الأول للعالم كله وليس للمنطقة فقط، ويتجاهل “إسرائيل” التي تقوم بضرب الأمن في المنطقة العربية، وأضاف: “يبدو أن الموقف السعودي ما زال مرتهنًا بالموقف الأميركي”.
وشدد على أنه في الوقت الذي تسعى فيه عمان والكويت إلى التوسط لتحسين العلاقات بين السعودية وإيران، فإن السعودية تنسق مع إسرائيل و”الدليل على ذلك ما قاله وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان بأن إسرائيل وصلت إلى مرحلة متقدمة من التنسيق مع السعودية”، على حد قوله.
لا مخططات
ونفى رويواران في تصريحات تلفزيونية أن تكون هناك مخططات إيرانية للسيطرة على دول عربية، مشيرًا إلى أن إيران تقدم دعمًا ومساعدات عسكرية للعراق وسوريا لمواجهة الإرهاب والحفاظ على وحدة هذه الدول وبطلب رسمي من حكوماتها، على حد تعبيره.
وردًا على سؤال عن مدى قدرة إيران على مواجهة الضغوط الدولية المتصاعدة، أجاب: “النظام السياسي يمتلك قاعدة شعبية كبيرة في إيران؛ وبالتالي لا يخشى أي قوة خارجية، ولدى إيران من القوة العسكرية ما يمكنها من الدفاع عن نفسها في وجه أي عدوان خارجي”.
تناقض إيراني
قال ماجد التركي، الأكاديمي والمحلل السياسي السعودي، إن “منطقة الشرق الأوسط تعاني منذ فترة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما من التغول الإيراني الفج؛ حتى إن كثيرًا من السياسيين وأركان الدولة الإيرانية أعلنوا مرات أن بلادهم سيطرت على أربع عواصم عربية”.
وأضاف في تصريحات “لروسيا اليوم”: إيران تقول كلامًا وديًا جميلًا، ولكنها تناقضه على الواقع؛ ونحن نتساءل: لماذا ترعى إيران قيادات القاعدة وتنظيم الدولة؟ ولماذا تسعى إلى السيطرة على اليمن والبحرين وسوريا والعراق؟ ولماذا تجند خلايا مسلحة في مختلف الدول الخليجية؟
وأشار التركي إلى أن إيران هي التي طلبت الوساطة الكويتية والعمانية لتحسين العلاقة مع السعودية؛ لأنها وجدت نفسها في صدام مباشر مع الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب، وقال إن الرياض مستعدة للحوار مع طهران شريطة أن تتخلى عن تدخلها في شؤون الدول العربية، وأن تحترم المواثيق والأعراف الدولية، وأن تحترم سيادة دول الجوار واستقلالها.