كان السؤال الذي طرحته على أصدقائي في قارة “السوشيال ميديا”:
ماذا تفعل لو كنت مكان نجم الكرة المصرية، ومعشوق جماهيرها، محمد أبو تريكة، بعد أن وضعته السلطة المسعورة على لائحة الإرهاب، وأعلنت إدراجه على قوائم ترقب الوصول، وحددت ثلاثة خيارات هي:
١- الرجوع لمصر فوراً
٢- الاستقرار النهائي بالخارج
٣- الانتظار بالخارج مؤقتاً.
طرحت السؤال قبل أن يخرج، عبد الفتاح السيسي، على الملأ، ويعلنها صريحة: الاستئصال والاقتلاع لكل من يخالف مشيئته، فكانت غالبية الإجابات تفضل أن يبقى أبو تريكة خارج مصر، بشكل مؤقت، بنسبة بلغت الثلثين، فيما اقتربت نسبة الذين يحبّذون عودته فوراً، من نسبة الذين ينصحونه بالاستقرار النهائي بالخارج.
لاحظت بعد حديث السيسي الأخير، والذي ينضح بفاشية مخيفة، ارتفاعاً ملحوظاً في نسبة الذين يريدون لمحمد أبو تريكة الاستقرار، بشكل نهائي في الخارج، مقارنة بمن قالوا إن عليه العودة إلى مصر فوراً. فيما بقي خيار الانتظار بالخارج مؤقتاً، هو الأول، بفارق كبير عن خياري العودة الفورية، والاستقرار النهائي بالغربة.
خيار الأغلبية، التي تطالب النجم المحبوب بالانتطار بالخارج مؤقّتاً، انطلق من خوف حقيقي على رمز الرياضة المصرية من الرجوع إلى مصر، وهي تمر بأزهى عصور جنون السلطة وبطشها، وتلخصه إجابة لأحد القراء قال فيها “ولا تلقوا بأنفسكم إلى التهلكة فليس للعودة إلا الهلاك”.
فيما جاءت أكثر الإجابات قلقاً وتشاؤماً، لدى الذين يفضلون استقراره النهائي بالخارج، مسكونة بيقين قاطع بأن مصر لم تعد تحتمل وجود أمثال أبو تريكة فيها، ويلخص ذلك تعليق قال”يرميلهم باسبورهم، ويشوف له دولة تحترم الإنسان”.
فريق المتفائلين الذي أحترمُ تفاؤله، دعاه إلى العودة إلى مصر فوراً، وتعبر عن ذلك إجابة تقول: “النزول إلى مصر، فلن يستطيعوا المساس به، وسيكون أيقونة عالمية للثورة والشعب المضطهد”.
الخيارات الثلاثة يجمعها قاسم مشترك، هو أن الجميع يدركون أن مصر صارت بيئة خطرة على كل صاحب موقف، وصاحب رأي، وصاحب كلمة يخرج بها عن النص الوحيد لدولة الجنرالات. إذْ يتعلق اختلاف الإجابات الثلاث بمدى حجم الخوف من بطش النظام، وليس مبدأ الخوف في ذاته، بما يجعل مصر أرضاً للخوف بجدارة. حتى أن شخصاً، بشعبية محمد أبو تريكة الهائلة، في الداخل والخارج، بات رجوعه إلى وطنه مسألة محفوفة بالمخاطر، بنظر محبيه، وعارفي قيمته الرياضية والوطنية والإنسانية.
غير أن الخوف ليس حكراً على الشعب فقط، إذ تبدو السلطة، المخيفة لشعبها، مرعوبة من هذا الشعب، إلى الحد الذي يدفعها للتنكيل والبطش، والاجتثاث، لكل من ترى فيه صاحب تأثير على هذا الشعب. ولذلك، لا تتوقف عن ابتكار صنوف جديدة من الشراسة المجنونة كل يوم، ظناً منها أنها بذلك تقطع كل خطوط الاتصال بين الجماهير ورموزها، إما بحرق وتشويه هذه الرموز، أو بمطاردتها في كل واد، وتشريدها في المنافي والسجون.
يبقى أن محمد أبو تريكة لم يزعم يوماً أنه قائد أو ناشط سياسي، ولا يحتوي أرشيفه على أي كلام، مباشر أو غير مباشر، في السياسة. وعلى الرغم من ذلك، تمارس السلطة معه أبشع أنواع الانتقام السياسي، من مواقف إنسانية خالصة، تجلت في تعاطفه مع دماء الجماهير المسفوحة، بإجرام السلطة، على العشب الأخضر، وقبل ذلك تعاطفه مع غزة المحاصرة. وهذا الأمر، يشير بوضوح إلى أننا بصدد نظام يعيش على مخزون هائل من الجرائم ضد الإنسانية، إلى الدرجة التي يرى معها كل من يرتبط بوشائج إنسانية مع الجماهير عدواً له، يحاربه بمنصات القضاء وأسلحة الإعلام الجرثومية، وكلاب الصيد شديدة الشراسة.
إجمالاً، تعبر الإجابات عن شعور حقيقي باغتراب مصر، وليس غربة أبو تريكة، بمعنى أنه ليس محمد أبو تريكة هو المبتعد، إجبارياً، عن مصر، بل العكس هو الحاصل، مصر هي التي ابتعدت واغتربت عن ذاتها، وعن أبو تريكة، باعتباره معبراً حقيقياً عن شخصية مصر الحقيقية.
وعلى ذلك فما تراها وتتابع أخبارها عبر فضائيات مسعورة ليست هي مصر الحقيقية، بل هي نسخة فاسدة من مصر في طورها الصهيوني القبيح.