قالت “هيومن رايتس ووتش” اليوم إن على النيابة المصرية إسقاط الاتهامات المنسوبة كافة إلى 266 عاملًا على الأقل اعتُقلوا واتُهموا خلال الأشهر الأخيرة على صلة بإضرابات ومظاهرات سلمية، وعلى البرلمان مراجعة مشروع قانون النقابات الجديد بما يضفي الشرعية على النقابات المستقلة، وأن يعدّل مواد قانون العقوبات المُجرّمة لحق التنظيم والإضراب.
وقد اعتقلت الشرطة منذ مايو 2016 عشرات العمال المحتجين من مختلف الصناعات. أُخلي سبيل أغلبهم، لكن أحالت النيابة العشرات إلى المحاكمة، وبعضهم أمام محاكم عسكرية.
قال جو ستورك، نائب مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في هيومن رايتس ووتش، إن “اعتقال العمال بسبب الإضراب هو مثال آخر على تصميم السلطات المصرية على خنق كل مساحات الحراك السلمي”.
في يناير 2017، اتهمت النيابة 19 عاملًا مضربًا في مصنع لمنتجات الزيوت في السويس بالتحريض على الإضراب وتعطيل الإنتاج؛ رغم أنه تمت تبرئتهم جميعًا في محاكمة جرت في الشهر نفسه. وفي ديسمبر 2016 اعتقلت قوات الأمن -على الأقل- 55 عاملًا مضربًا في شركة “المصرية للأسمدة”، واستدعت النيابة 8 للتحقيق.
في 26 سبتمبر، كتب كمال عباس، عضو “المجلس القومي لحقوق الإنسان” المدعوم من الحكومة ورئيس “دار الخدمات النقابية والعمالية” المستقلة، لوزارة الداخلية بشأن إخفاء الأمن الوطني 66 عاملًا من “هيئة النقل العام” بعد مداهمات لمنازلهم في اليومين السابقين.
في 28 سبتمبر، إثر مؤتمر صحفي لأهالي العمال المختفين، ظهر العمال الستة أمام النيابة واتُهموا بالانتماء إلى جماعة محظورة لم تُحدَّد هويتها. وفي مايو أحالت النيابة العسكرية 26 عاملًا من شركة “الترسانة البحرية” بالإسكندرية إلى المحكمة العسكرية بعد اتهامهم بالتحريض على الإضراب.
بدأ إضراب يناير في السويس إثر اعتصام في مصنع “إفكو” لمنتجات الزيوت التابع للقطاع الخاص في الأسبوع الأخير من ديسمبر للمطالبة بالمساواة في توزيع المكافآت على العمال والمشرفين. قرر العمالُ الإضراب بعد اعتقال ضباط بالداخلية عضوين من نقابة عمال إفكو المستقلة قد شاركا في الاعتصام، بحسب بيان للعمال نُشر في صحف محلية.
قالت دار الخدمات النقابية والعمالية إن ضباط الأمن الوطني طالبوا قيادات النقابة بإنهاء الإضراب قبل اعتقال الشرطة 13 عاملًا مضربًا إضافيًا في 2 يناير. استدعت النيابة 10 آخرين إلى الاستجواب في اليوم نفسه، وأحالت 19 عاملًا إلى محكمة للجنح بعد اتهامهم بالتحريض على الإضراب وتعطيل الإنتاج وتخريب ممتلكات المصنع. رغم تبرئة المحكمة للعمال، يمكن لإدارة المصنع الطعن على الحُكم. قال نشطاء لـ”هيومن رايتس ووتش” إن العمال أخبروهم بأن 26 عاملًا فُصلوا من العمل، بينهم الـ19 عاملًا الذين تمت تبرئتهم.
طالبت القيادات النقابية في مصنع إفكو بنصيب أكبر من المكافآت بعد ارتفاع أسعار الاحتياجات اليومية في مصر بشكل كبير إثر تعويم الجنيه المصري في مطلع نوفمبر. كان التعويم من طلبات “صندوق النقد الدولي” للموافقة على قرض بقيمة 12 مليار دولار. منذ حينها، فقد الجنيه أكثر من 100% من قيمته، ويقدّر صندوق النقد الدولي أن التضخم سيزيد بواقع 18%.
تتشدد السلطات المصرية في تقييد قدرة العمال على التحرك المستقل. كما يجرّم قانون العقوبات المصري الإضراب والاعتصام بمحل العمل في المادتين 124 و125، ويُعاقب عليهما كحد أقصى بالسجن عامين، رغم عدة أحكام من محاكم إدارية بتأييد حق الإضراب.
قال كمال عباس، مدير دار الخدمات النقابية والعمالية، لـ”هيومن رايتس ووتش”، إن “الاتحاد العام لنقابات عمال مصر -الذي تسيطر عليه الحكومة- بعث برسالة إلى إدارة المصنع مفادها أن نقابة العمال المستقلة -التي وقعت اتفاقي تفاوض جماعي مع الإدارة في 2012 و2015- هي نقابة غير قانونية. نتيجة لذلك؛ قد تتعرض نقابة عمال إفكو المستقلة إلى الحل.
لم تمنح الحكومةُ الشرعيةَ للنقابات المستقلة التي تكاثرت بعد انتفاضة 2011. في الوقت نفسه، فإن النقابات المعترف بها رسميًا لم تعقد انتخابات منذ 11 عامًا، وعيّنت الحكومات المتعاقبة قادة النقابات المذكورة، وكان آخر التعيينات في يناير.
في يونيو، أحالت محكمة إدارية قانون النقابات التقييدي الصادر عام 1976 إلى المراجعة، قائلة إن الاتحاد العام لنقابات مصر “لم يستطع أن يعبّر عن هموم الطبقة العاملة وآمالها، سواء في مواجهة الدولة أو أرباب الأعمال”. لم تنظر المحكمة الدستورية العليا في القضية بعد، على حد علم هيومن رايتس ووتش.
في أبريل 2016، طالبت هيومن رايتس ووتش السلطات المصرية بمنح الوضع القانوني للنقابات المستقلة وانتقدت مشروع قانون من شأنه حلّ النقابات المستقلة وتقييد حقوق العمال. وافقت الحكومة على مسودة معدّلة في يوليو وأحالتها إلى البرلمان في 255 يناير. لا تعترف المسودة الحالية بالنقابات المستقلة القائمة وتفرض عقوبات بالسجن على إنشاء نقابات لا تتبع القانون الجديد.
أيضًا، أدى الانخفاض الحاد في قيمة الجنيه إلى إضرابات في نوفمبر وديسمبر في شركتين خاصتين لصناعة الأسمدة: المصرية للأسمدة و”الشركة المصرية للصناعات الأساسية” في محافظة السويس، بحسب موقع “مدى مصر” الإخباري المستقل.
أنهت مداهمات الشرطة في الفجر هذين الاعتصامين، واعتقلت الشرطة 555 عاملًا على الأقل، بحسب ما قال لـ”هيومن رايتس ووتش” عاملٌ شارك في الاعتصام. أضاف العامل أن قوات الأمن المركزي لمكافحة الشغب وضعت العمال الموقوفين في عربات الأمن وأنزلتهم في منطقة مقفرة بعد 3 ساعات. احتجزت النيابة عاملَين لمدة أسابيع قبل إخراجهما بكفالة، كما فصلت إدارة المصنع 6 منهم دون تفسير، بحسب العامل. لا توجد في المصنعين أي نقابات.
قال ممثلٌ عن الشركة المصرية للأسمدة لـ”هيومن رايتس ووتش” إن الشرطة حاولت طوال 10 أيام إقناع العمال الذين يحتلون غرف التحكم بالمغادرة قبل أن تقوم بإنهاء الاعتصام “بغاية السلمية”. عاد العمال إلى عملهم صباح اليوم التالي. قال إن إيقاف الإنتاج جريمة وإن النيابة استدعت عدة عمال؛ لكن الشركة لم تتقدم بأي شكاوى خلال التحقيقات. أنكر العمال مزاعم الإدارة بأنهم أوقفوا الإنتاج أو احتلوا غرف التحكم.
أدت مداهمات الفجر أيضًا إلى توقيف 6 من عمال هيئة النقل العام في بيوتهم في القاهرة يوم 24 سبتمبر قبيل إضراب مُزمع للمطالبة بعلاوات. لم تقرّ السلطات بأماكنهم لمدة 4 أيام، بحسب ما قال كمال عباس، رئيس دار الخدمات النقابية والعمالية، لـ”هيومن رايتس ووتش”.
أضاف عباس أن المحامين لم يُسمح لهم بالحصول على نسخة من ملفات النيابة كما يقتضي القانون. اتهمت النيابة الستة بالانضمام إلى تنظيم محظور لم يُحدد، وبالتحريض على الإضراب، والإخلال بالنظام العام، حسبما نقلت مواقع إخبارية موالية للحكومة. ما زال اثنان من العمال رهن الحبس الاحتياطي، في حين أخلت السلطات سبيل 4 على ذمة التحقيقات.
شارك الجيش المصري أيضًا في قمع تحركات العمال. في الإسكندرية يخضع 26 عاملًا إلى المحاكمة العسكرية منذ 21 يونيو 2016، وهم يعملون في الترسانة البحرية بالإسكندرية (شركة مملوكة للجيش).
ذكر تقريرٌ لـ”المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية” أن العمال نظّموا احتجاجًا لم يدم طويلًا داخل الشركة في 23 و24 مايو للمطالبة بعلاوات وترقيات ومعدات آمنة، وحاولوا التفاوض مع اللواء عبدالحميد عصمت، المدير التنفيذي للشركة. بعد يوم، حاصرت الشرطة العسكرية الشركة ومنعت العمال من الدخول.
في 25 مايو، أمرت النيابة العسكرية باحتجاز 13 عاملًا على ذمة التحقيق. أُفرج عن أحدهم بكفالة، وهي امرأة. اعتُقل 13 آخرين بعد أسابيع.
فاطمة رمضان، رئيسة لنقابة مستقلة وباحثة في شؤون العمال، قالت لـ”هيومن رايتس ووتش” إن النيابة العسكرية اعتمدت بالكامل على مذكرة من الشركة في اتهام العمال بالتحريض على الإضراب والامتناع عن العمل. لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من الاطلاع على المذكرة. بعد أيام سمحت الشركة لـ1100 من العمال الـ 2800 بالعودة، على حد قول المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
أحالت النيابة العسكرية العمال المضربين إلى القضاء العسكري بموجب المادة 5 من “قانون القضاء العسكري”، التي تغطّي المخالفات المزعومة للعاملين المدنيين في المؤسسات المملوكة للجيش. لا ينص القانون على أية حقوق للعمال، وقد دأبت السلطات على إحالة العمال المدنيين بالمؤسسات العسكرية إلى المحاكمات العسكرية في مخالفات عدّة. لا يلغي مشروع قانون النقابات الحالي هذه المواد المقيدة.
قالت إدارة الترسانة البحرية للعمال إنه سيُخلى سبيلهم إذا استقالوا، على حد قول عباس ومحام بالمركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية. استقال جميع العمال الخاضعون للمحاكمة وأُخلي سبيلهم بكفالة على دُفعات، في أكتوبر ونوفمبر وديسمبر؛ لكنهم ما زالوا رهن المحاكمة.
يكفل الدستور المصري حق التنظيم وحق الإضراب. مصر دولة طرف في “العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية”، وتنص مادته الثامنة على حق الإضراب، والحق في تكوين النقابات العمالية والانضمام إليها، وأيضًا الاتحادات الوطنية والدولية النقابية. كما أن مصر عضو في “منظمة العمل الدولية” وصدّقت على اتفاقياتها الأساسية الثماني، ومنها الاتفاقية 87 لعام 1948 الخاصة بحرية تكوين الجمعيات والاتفاقية 98 لعام 1949 الخاصة بالحق في التنظيم.
على البرلمان الضمان بأن مشروع قانون النقابات الجاري بحثه يفي بالتزامات مصر بموجب القانون الدولي، بأن يسمح بالانتخابات الحرة والنزيهة في النقابات، ويكفل إجراءات التشريع التلقائي لأية نقابات مستقلة قائمة. يجب أن يُسمح للعمال المدنيين في مؤسسات عسكرية بالحق في التنظيم وألا يُحالوا أبدًا إلى محاكم عسكرية.
كتبت “هيومن رايتس ووتش” إلى شركة إفكو، هيئة النقل العام، وشركة الترسانة البحرية بالإسكندرية حول الوقائع المذكورة، لكن لم تصلها ردود.
قال ستورك: “بدلًا من اعتقال العمال ومقاضاتهم، على الحكومة تعديل قوانينها بما يضمن حقوقهم في التفاوض والتنظيم. هذه خطوة أساسية لضمان الإصلاح الاقتصادي الفعال”.