“يا شاويش يا شاويش … يا دكتور … واحد بيموت يا ناس” نداء واستغاثة وارد أن تنطلق من كل زنزانة في سجون مصر عندما يمرض أحدهم أو يشتد عليه الألم، ويظل النداء لأكثر من ساعة وربما يصل إلى ساعتين.. ويآتي الشاويش بعدها وبدوره يذهب إلى ضابط السجن ليعطيه الإذن بفتح الزنزانة ومعه قوة لعلاج وإسعاف المريض.. هذا شيء طبيعي جدا داخل السجون المصرية وموت البعض لتأخر الإسعاف أيضًا بات طبيعيًا.
ولكن من غير الطبيعي أن يكون نداء “يا شاويش واحد بيموت” داخل مستشفى السجن ويظل النداء لفترات طويلة ولا يجيبك أحد؛ رغم أنه من المفترض أن تكون هناك سرعة في الاستجابة للنداء والاستغاثة لأن هناك مرضى يعانون من أمراض مزمنة ومن المفترض متابعتهم دوريًا.
وحينما كنا نطلب الشاويش ونُجد في طلبه لأن أحد المرضى يتقيء دم بغزارة – وإدارة المستشفى على علم بحالة هذا المريض المصاب بتليف كبدي وتضخم في عضلة القلب – ورغم ذلك يتأخر الشاويش في الإجابة. هنا يجيء صوت عمي أحمد وهو يأن: ” كفاية يا جماعه ما تتعبوش نفسكم هم عايزين يموتونا هنا.. راميننا هنا من غير رعاية.. ويرمولنا شوية مسكنات وخلاص” وبعد معاناة من طلب الدكتور.. حضر الطبيب النبطشي ” دكتور اسنان ” ليقف امام حالة عمي أحمد… لا يستطيع فعل شيء!
دخل عمي أحمد الرعاية وأجرى الفحوصات المعتادة ليقابل بمقولة الأطباء الأشهر: “هما يومين هيقضيهم.. ما تتعبوش نفسكم “
بعد أيام تم إخلاء سبيل عمي أحمد بفضل الله.. لكن تأخرت الترحيلة كالعادة ليموت عمي أحمد قبل خروجه من السجن …
عمي أحمد، مكث أكثر من ثلاث سنوات في سجن ليمان طره وتم وضعه في مستشفى السجن بسبب مرضه للكي يتم رعايته وترحيله إلى مستشفى المنيل الجامعي لاستكمال علاجه ومتابعة حالته ولكن لم يتم ترحيله.. مثله كمثل كثير من المرضى الذين ينتظرون الموت كل لحظه وأملهم أ يتم ترحيلهم إلى المستشفى الخارجي لمتابعة حالتهم وعلاجهم؛ بل لم تتم رعايته بأي شكل في مستشفى السجن إلا بعدما أشرف على الموت.
“مات عمي أحمد واخد اخلاء سبيل من الدنيا كلها
مات عمي أحمد وأخد اخلاء سبيل من القهر والوجع و الظلم اللي شافه خلال الثلاث سنوات.
مات عمي احمد وأخد اخلاء سبيل من القهر والوجع والظلم اللي شافه خلال الثلاث سنوات.
مات عمي أحمد واخد اخلاء سبيل من الاهمال الطبي اللي بينتظر كل مريض.
مات عمي أحمد وهو بيقول ” يا حي يا قيوم برحمتك استغيث “”
عمي أحمد لم يكن أول من يموت نتيجة الإهمال الطبي وسوء المعاملة .. ولن يكون الأخير ما دام هناك أطباء لا يراعون ضمائرهم وما دام هناك ضابط لا يحمل في قلبه رحمة أو شفقة .. مرضى السجن يموتون يوميًا.. ودعك من السياسيين.. الجنائيين كذلك يموت أحدهم يوميا على الأقل لسوء المعاملة والإهمال الطبي وعدم وجود رقابة ومحاسبة حقيقية.
وزيادةً في الوجع والقهر يحضر المريض وهو مصاب بمرض معين ويتم استقباله في عنبر الملاحظة الذي يسع 28 شخصًا فقط، ويستضيف أثناء كتابتي لهذه السطور 130 شخص. تخيلوا 130 مريض؛ أمراض الدنيا كلها مجتمعة؛ السرطان إلى جانب الكسور إلى جانب الدرن إلخ. وعند استقبال المريض، يعرض على طبيب يشخص حالته ويكتب له الأدوية اللازمة وتقرير بحالته وإذا اتضح للطبيب معاناة السجين من أمراض أخرى يخبره بلا رحمة: “خلي بالك مش هنعالجك إلا من المرض المكتوب في التقرير الي انت جاي به”.
أختم كلامي مناشدًا كل صاحب قلب وضمير التحرك لإنقاذ مرضى السجون.. لا لإطلاق سراحهم وإن كان ذلك حقًا لهم… لكن لإنقاذهم.. لتوفير العلاج والرعاية وتخفيف المعاناة.
علينا مساعدة بعضنا بعضًا لتخفيف الآلام عنهم، وعلى لجنة حقوق الإنسان أن تقوم بجولات تفقدية دورية وجلسات استماع للمرضى داخل السجون وبخاصة بالمستشفيات التابعة لقطاع السجن أهمها وأولها مستشفى ليمان طرة؛ ولابد من محاسبة كل من له يد في الإهمال الطبي وسوء معاملة المرضى.
“حياة الناس مش لعبة في يد ضابط أو طبيب لا يراعى ضميره وربه”.
سامحي مصطفى
صحفي معتقل بالسجون المصرية