منذ سيطرة عبدالفتاح السيسي على مقاليد الحكم في مصر دأبت مشيخة الأزهر وبعض الجماعات الدينية، على رأسها الدعوة السلفية، على الدفع بأعضائها للإشادة به؛ ووصلت المبالغة في الثناء عليه إلى تشبيه الرجل بالأنبياء وإصدار فتاوى تُجيز فقء عيون معارضيه؛ ما يثير تساؤلات حول توظيف الدين لخدمة السلطة وتأثير ذلك على البنية العقائدية لدى المواطنين.
وتعددت تصريحات المشايخ المشيدة بالسيسي والمهاجمة لمعارضيه، والتي وصلت إلى حد القتل.
مسار الأزهر
والمتابع لمسار الأزهر قد لا يجد غضاضة في تمرير الفتاوى السابقة، فشيخه الدكتور أحمد الطيب هو نفسه عضو لجنة السياسات بالحزب الوطني المنحل، وخلال السنوات الأربع الماضية تناقضت مواقف الرجل تجاه الثورة.
وكان الطيب من الرافضين لثورة 25 يناير، ودعا المتظاهرين للعودة إلى بيوتهم، ولم يتبن نفس الموقف مع الرئيس المعزول محمد مرسي؛ بل شارك في اجتماع إعلان الانقلاب في الثالث من يوليو 2013.
وأصدر “الأزهر الشريف” بيانًا له في يوليو العام الماضي داعيًا إلى التخلي عن الدولار؛ حماية للعملة المحلية.
وأكد بيان الأزهر أن “الاحتكار والممارسات المؤدية لارتفاع الدولار حرام شرعًا، وأنه يعد نوعًا من (أكل أموال الناس بالباطل)”.
وقال الأزهر في بيانه إنه “تابع من منطلق المصلحة الوطنية ما يجري على الساحة المصرية من ارتفاع مزعج لسعر الدولار مقابل الجنيه المصري وعلى نحو يؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع والخدمات ومتطلبات الحياة الضرورية للناس، ويؤثر سلبًا على سلامة الاقتصاد الوطني؛ مما يؤدي إلى الإضرار بالاستقرار الاقتصادي وإعاقة مسيرة البناء والتنمية”.
وزعم: “من المعلوم أن تلك التصرفات التي تؤدي إلى هذا الارتفاع غير المسبوق للدولار مقابل الجنيه المصري تمثل عملًا مخالفًا لشرع الله، وهو احتكار محرم شرعًا يضعف القيمة الشرائية للجنيه ويؤدي إلى حرمان الناس من الحصول على حاجاتهم الضرورية التي لا يستغنون عنها”.
– سعد الدين الهلالي: السيسي ومحمد إبراهيم رسولان من عند الله
كانت هذه الفتوى الغريبة من نصيب الدكتور سعد الدين الهلالي، أستاذ الفقه بجامعة الأزهر؛ حيث وصف في فبراير 2014 عبدالفتاح السيسي، وزير الدفاع، واللواء محمد إبراهيم وزير الداخلية، بالرسل الذين بعثهم الله كما بعث غيرهم، كـ”موسى وهارون” عليهما السلام، لحماية الدين، وذلك في كلمة ألقاها في احتفالية تكريم أسر شهداء الشرطة؛ حيث جاء في فتواه: “ابتعث الله رجلين، كما ابتعث وأرسل من قبل موسى وهارون، وأرسل رجلين ما كان لأحد من المصريين أن يتخيل أن هؤلاء من رسل الله، وما يعلم جنود ربك إلا هو، خرج السيسي ومحمد إبراهيم”.
تواضروس وقمص العاشق
“إن مصر كلها تضع آمالها على أكتاف الرئيس عبدالفتاح السيسي”، عبارة قالها البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، بعد أحد اللقاءات الذي جمع بينهما وكثيرًا ما تكرر.
وسبق ووصف القمص بولس عويضة، راعي كنيسة الزهراء، عبدالفتاح السيسي بـ “الأمّور” و”الوسيم”، وأنه يذوب حبًا وعشقًا في جماله.
وقال عويضة، في كلمة ألقاها بمؤتمر حملة “كمّل جميلك” عن السيسي: “ما هو أمّور بطبعه، أمّور بشكله، أمّور بهيئته.. أنا فرحان إن هيجيلي رئيس هيئة أتشرف به أمام المجتمع والناس”.
وتابع القمص وصلة الغزل بالسيسي: “هو وسيم في شياكته وسيم في هيأته وسيم في ابتسامته، أنا لو بإيدي أسميه الوسيم عبدالفتاح السيسي. الحمدلله ربنا حبانا بواحد نتشرف بيه أمام الكاميرات وأمام الناس، حاجة تفرح، وإذا كانوا حبوه نساء مصر فبصراحة هما معذورين؛ فمين بص للسيسي الجميل وما حبوش، أنا شخصيًا أذوب عشقًا وحبًا فيه”.
ياسر برهامي: للسيسي شرعية مستمدة من الصناديق
آخر هذه الفتاوى كانت من نصيب الداعية ياسر برهامي، نائب رئيس الدعوة السلفية، الذي اشتهر مؤخرًا بفتاوى مثيرة للجدل؛ كفتوى ترك الزوجة للمغتصب، حيث قال برهامي: “إن شرعية الرئيس المستمدة من الصندوق مرتبطة بالقيام بمصالح البلاد، ثم يسقطها الصندوق أيضًا”، وأضاف برهامي أن الرئيس المعزول محمد مرسي لم يكن قادرًا على تحقيق مصالح المواطنين، وأن الاستقرار مهم لحقن الدماء من الفوضى.
وحول مسألة حكم العسكريين قال برهامي: “لا يُمنع من حكم رجل نرى أنه الأقدر على قيادة البلاد وتعاون مؤسسات الدولة معه للمرور من الأزمة الحالية أنه ذو خلفية عسكرية؛ وإلا فالدستور ينص على أن الدولة حكومتها مدنية، ولم نقل يلزم أن يحكمها عسكري”.
طوبى لمن قتلهم وقتلوه
كانت أكثر الفتاوى المثيرة للجدل من نصيب علي جمعة، مفتي الجمهورية الأسبق، في لقاء له بضباط في القوات المسلحة في أغسطس الماضي؛ حيث أفتى جمعة -بحضور عبدالفتاح السيسي ووزير الداخلية السابق محمد إبراهيم وعدد من قيادات الشرطة والجيش- لجنود الشرطة والجيش وضباطهما بقتل المتظاهرين من المعارضين، واصفـًا إياهم بـ”الخوارج”؛ حيث قال: “اضرب في المليان، وإياك أن تضحي بأفرادك وجنودك من أجل هؤلاء الخوارج، فطوبى لمن قتلهم وقتلوه، فمن قتلهم كان أولى بالله منهم؛ بل إننا يجب أن نطهر مدينتنا ومصرنا من هؤلاء الأوباش، فإنهم لا يستحقون مصريتنا، ونحن نصاب بالعار منهم، ويجب أن نتبرأ منهم براءة الذئب من دم ابن يعقوب”.