لا شك أننا قد غُرّر بنا جميعاً عندما اعتقدنا استغفالاً وبكل سذاجة وحسن نية، أن العسكر خرجوا من السياسة إلى غير رجعة بعد ثورة 25 يناير، لكن واقع الحال أثبت خلافاً لذلك، بعد انقلاب 3 يوليه، لدليل دامغ على أن العسكر لم يغادروا حياتنا بعد، حيث كانوا يراقبون الوضع عن قرب أكثر مما كنا نتصور، وممسكين بخيوط اللعبة، لما لهم من يد طولي داخل جميع مؤسسات الدولة لما من تأثير البعد الأمني والمخابراتي المعلوماتي على المشهد السياسي.
ما حدث في 3 يوليو كشف لكل متابع ومراقب بسيط أن الأمر كان مدبراً منذ إعلان فوز د.محمد مرسى رئيساً للبلاد في 24 يونيو 2012 بغرض الالتفاف على أهداف ثورة 25 يناير، لا سيما بعد تعهد د.مرسي بملاحقة الفاسدين وتجفيف منابع الفساد وتطهير المؤسسات وإرجاع الحقوق إلى أصحابها(حتى وإن تعثر في الطريق وأخطأ في وسائل تحقيق تلك الأهداف) ، الأمر الذي أثار حفيظة مجموعة أصحاب المصالح من الفاسدين والمجرمين في حق الوطن عبر تحالفهم مع السلطة العسكرية الحاكمة طيلة عقود طويلة من تزاوج حرام بين الثروة والسلطة.
قديماً في تراثنا الشعبي كان العسكر والحرامية( أعداء) ، أما بعد انقلاب 30 يونيو ، وللدقة منذ حركة 23 يوليه 1952 ، تحالف الطرفان عبر تعاون دنيء، فالعسكر بما يمثلون من سلطة ونفوذ وأجهزة ومعلومات واللصوص أو الحرامية الذين كونوا ثرواتهم عن طريق مص دماء الشعب وسرقة مقدراته وموارده وأحلامه في تحقيق العدالة الاجتماعية، فاستثمروا الأموال الحرام في الحشد المنظم والتعبئة الإعلامية المضادة والقذرة بإثارة الفتن والفوضى والقلاقل في المجتمع مع مباركة أمريكية أوروبية إسرائيلية خليجية (باستثناء قطر).
فتحقق الهدف المزدوج المنشود لوأد أول تجربة ديمقراطية حرة في تاريخ مصر أولاً، ثم إفشال وإجهاض المشروع الإسلامي ثانياً وقبل أن يبدأ ودون أن يُعطى فرصة حقيقية ونزيهة للتقييم الموضوعي وسط قصف إعلامي خسيس ومأجور للتغطية على أي إنجاز أو نجاح من الممكن أن يتم عبر حملات الكذب والتضليل والشيطنة، ما حال دون تجاوب قطاع ليس بالقليل مع تيار الإسلام السياسي وخلق فجوة بينه وبين الشارع، واستخدام أساليب لا أخلاقية في المعارضة والنيل من الأعراض والطعن في الذمم المالية لقيادات التيار الإسلامي(وفي القلب منهم جماعة الاخوان) ، والتحقير من قيمة مشروعهم الفكري القائم على مرجعية إسلامية بالأساس(وهذا هو لب الصراع والغرض تنحية الإسلام من الحياة العامة) عبر إستراتيجية محكمة ومكتملة الأركان ومرسومة بحنكة رغم كل الأخطاء التي ارتكبتها جماعة الاخوان والرئيس مرسي.
ولعل تصريحات عمرو أديب الأخيرة تصب في هذا الإتجاه الخبيث عندما قال نصًا (أن الاعلام الأمريكي يتعامل مع دونالد ترامب مثلما كان يتعامل الاعلام المصري مع مرسي من تريقه وتقليل من شأنه ودائما هز لصورته والبحث عن الثغرات في حياته)، وهذا بالاعتماد على آفة النسيان وضعف ذاكرة المواطن ، فضلاً عن جهل البسطاء والمغيبين، حيث لا يَعلق بالأذهان سوى الانطباعات السلبية والأخبار المكذوبة والغريبة ، سيما وأن مصدر المعلومات الوحيد لغالبية العامة هي الفضائيات ونجوم الاعلام المرئي.
فهل كتب الله على الشعب المصري العيش قسراً بين مطرقة “العسكر” بقوتهم الباطشة وسندان “الحرامية” بقدرتهم الفائقة على النهب وسرقة مواردنا وأحلامنا ومستقبل أولادنا فضلاً عن الأخطر وهو طمس هويتنا الإسلامية ومسخها وتزييف الوعي الجمعي بما يتفق مع أيديولوجياتهم وأفكارهم الدخيلة على مجتمعاتنا؟!، هذا سيتوقف حتماً على مسار معركة الوعي التي ستحدد نهاية المواجهة.