ما زالت قضية الجنود الإسرائيليين الأسرى لدى حركة “حماس” في غزة تتفاعل داخل الاحتلال الإسرائيلي، وتتباين التقديرات بشأن إبرام الطرفين صفقة تبادل أو تأجيلها بعد بث كتائب القسام شريط الفيديو الأخير، وبدء تنفيذ عقوبات إسرائيلية ضد الأسرى الفلسطينيين.
اجتماع علني
قبل أيام قليلة؛ عقدت الحكومة الإسرائيلية أول اجتماع “علني” لها لبحث هذه القضية منذ وقوع الجنود الإسرائيليين في أسر “حماس” خلال الحرب الأخيرة على غزة صيف 2014، وتزامن ذلك مع مستجدين طارئين، تمثل أولهما في زيادة مطالبات عائلاتهم بإعادتهم، واتهامهم للحكومة بالتقاعس في هذا الملف، وثانيهما هو إصدار كتائب القسام شريط فيديو حول الأسرى الإسرائيليين لديها، قبل ساعات فقط من انعقاد الاجتماع الإسرائيلي.
الكاتب الفلسطيني عدنان أبو عامر تناول في مقال له تحت عنوان “دوافع وكوابح صفقة التبادل بين حماس وإسرائيل”
مسألة تبادل الأسرى بين الجانبين وإلى أي مدى تمثل هذه القضية ضغطًا شديدًا على النظام في “إسرائيل” من جوانب عديدة، أبرزها أهالي الأسرى واتهامهم للدولة بتقصيرهم تجاه ذويهم ومطالبهم المستمرة بإرجاع أبنائهم بنا يضع الحكومة الإسرائيلية بين مطرقة الأهالي وسندان شروط المقاومة.
فداحة الثمن
يقول الكاتب: تشير معظم القراءات الإسرائيلية إلى أن صفقات التبادل رغم أنها تغلق ملفات معاناة عائلات الجنود الأسرى بعد أعوام من الانتظار المؤلم، فإنها -من جهة أخرى- تكشف حجم الثمن الباهظ الذي دفعته “إسرائيل”، مما قد يعرض أهدافها الإستراتيجية للخطر، لأن النتيجة الطبيعية من تكرار هذه الصفقات مع المنظمات المسلحة، هو تقوية مواقعها في الداخل والخارج، وتنامي شعبيتها وجماهيريتها.
الدعوات المؤيدة
وتحت عنوان ( الدعوات المؤيدة) كتب أبو عامر: ظهرت تصريحات لمسؤولين إسرائيليين كبار يطالبون بإبرام صفقات تبادل للأسرى، ومن أهمها:أ- وزير الدفاع السابق شاؤول موفاز الذي يقول “إن الرسالة الأخلاقية في تقديري أكبر من أي اعتبار آخر بما فيه اعتبار الثمن، فالأكثر فداحة أن تتنازل الدولة عن أحد أبنائها! لأنهم في هذه الحالة قد يتنازلون هم عنها!”.
ب- رئيس هيئة الأركان السابق غابي اشكنازي، وقد كان له موقف متقدم لإبرام صفقة التبادل السابقة، لأنه من موقعه الرسمي يعتبر رئيساً لشاليط، فهو رئيس أركان جميع الجنود (الأحياء والأموات)، ولذلك طلب من الوزراء الإسرائيليين أن يقروا الصفقة، فمن المهم له أن ينظر في عيون جنوده وذويهم، ويقول لهم: عملنا كل شيء لعودتهم للديار.
وما زالت مقولة غولدا مائير (رئيسة الحكومة الإسرائيلية في سبعينيات القرن الماضي) في مذكراتها أبلغ ما قيل في الأوساط الإسرائيلية عن مأساة الأسر، تقول: “كانت قضية الأسرى والمفقودين أعقد مشكلة واجهتني في حياتي بعد حرب 1973، فقد كنت أسير بسيارتي وسط شوارع تل أبيب، وأنظر من خلالها لنوافذ البيوت وأتساءل في نفسي: أي هذه البيوت أبناؤها مفقودون؟ كنت لا أجرؤ على النظر في وجوه أُسَرهم، أقسم أنني كنت مستعدة لأن أفعل أي شيء لاستعادتهم”.
ويؤكد الكاتب أن التجربة التاريخية قد دلت على أن هناك بوناً شاسعاً بين الموقف النظري للحكومات الإسرائيلية من قضية الأسرى والسلوك على الأرض، ومرد هذا الاختلاف هو لجوء المقاومة الفلسطينية إلى خيار أسر الجنود لمبادلتهم بأسرى فلسطينيين في سجون الاحتلال.
عوامل مؤثرة
ويرى الكاتب أن هناك عدة عوامل تؤثر في اتخاذ “إسرائيل” قرارًا بشأن تبادل الأسرى مع المقاومة أولها البعد الإستراتيجي، حيث حرصت النخب الحاكمة في “إسرائيل” على التأكيد أنها ستعمل كل ما يلزم لتفادي بقاء جنودها في الأسر، ولا يعتبر هذا الإعلان دعائياً، بل يعكس إدراكاً للأهمية الإستراتيجية لإعادة الجنود الأسرى.
وثاني هذه العوامل ” دور الرأي العام” الذي يراه الكاتب مؤثرا حيث تسعى الدولة لترسيخ انطباع لدى الرأي العام أن الجيش هو جيش الشعب.
وثالث تلك العوامل ” السوابق التاريخية” والتي كتب بشأنها قائلا : ولعل السابقة الوحيدة التي تحظى دائماً بالذكر -كمسوغ للتحمس للتوصل إلى صفقات لتبادل الأسرى- هي التخوف من موت الطيار رون أراد، الذي أسِر في الأراضي اللبنانية منتصف الثمانينيات، لا سيما أنه كانت هناك إمكانية أكيدة لتحريره من الأسر لو استجابت إسرائيل للمطالب التي وضعتها حركة “أمل” اللبنانية في حينه، وقد شكلت حالة “أراد” مسوغاً للدعوات لدفع أي ثمن من أجل إطلاق سراح الأسرى مقابل العمل على تحرير جنود مختطفين في السجن.
أما رابع العوامل المؤثرة في تفاوض إسرائيل حول أسراها كما يرى الكاتب فكان ” موقف الأجهزة الأمنية” خاصة جهاز الشاباك الإسرائيلي.
ومن اللافت للنظر أن أهم ثلاث صفقات لتبادل الأسرى هي: صفقة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين/القيادة العامة عام 1985 في عهد رئيس الوزراء الراحل مناحيم بيغن، وصفقة حزب الله عام 2004 في عهد رئيس الحكومة الأسبق أرييل شارون، وصفقة التبادل مع حماس عام 2011 في عهد رئيس الحكومة الحالي بنيامين نتنياهو. مع العلم بأن سلفه إيهود أولمرت لم يوافق على إبرام الصفقة، ولم يقو على اتخاذ القرار بشأنها. وهو ما يظهر أهمية دور الرؤساء في تلك الصفقات.
الرابح الأكبر
ويختتم عدنان أبو عامر مقاله الذي نشرته شبكة الجزيرة الأحد 8 يناير قائلاً: أخيرًا، حين توقع “إسرائيل” صفقة تبادل فمن الطبيعي أن أعداءها -الذين يخطفون جنودها ومواطنيها- سيكونون الرابح الأكبر، وصفقات من هذا القبيل قد تظهر “إسرائيل” كما لو كانت مستعدة للقبول بالتنازل عن حقوقها، والخضوع لكل المطالب التي تعلنها تلك المنظمات، كما ستقوي تلك الصفقات مواقع تلك المنظمات في المجال السياسي داخل العالم العربي والإسلامي، وتزيد شعبيتها وجماهيريتها.
هذا فضلاً عن أن مثل هذه الصفقات قد تمس بقوة إسرائيل الردعية، وتعمل على تشجيع تلك المنظمات على القيام بعمليات أسر أخرى، فتخاطر بحياة جنودها الذين يمكن أن يقعوا في الأسر.