قال أكاديميون وخبراء فلسطينيون إن تقويض إسرائيل لمبدأ “حل الدولتين”، عبر تكثيف الاستيطان، ربما يدفع الفلسطينيين والمجتمع الدولي إلى التفكير في حل “الدولة الواحدة ثنائية القومية”، لكنهم شددوا على أن إسرائيل، وفي الوقت نفسه، ترفض بشدة ولن تقبل بتلك “الدولة الواحدة”.
هؤلاء الخبراء، وفي أحاديث منفصلة للأناضول، أجمعوا على أن إسرائيل ترى في “حل الدولة الواحدة ثنائية القومية” خطرا استراتيجيا يهدد وجودها؛ نتيجة التفوق الديموجرافي الفلسطيني، داعين المجتمع الدولي إلى إيجاد حل للصراع في ظل التعنت الإسرائيلي ومواصلة الاستيطان على الأراضي الفلسطينية.
ومنذ بدايتها عام 1991 من خلال مؤتمر مدريد للسلام، تقوم عملية السلام في الشرق الأوسط على فكرة “حل الدولتين” الفلسطينية والإسرائيلية على أرض فلسطين التاريخية.
وكان مفترضا أن تنتهي عملية السلام عام 1999 بإقامة الدولة الفلسطينية على أراضي الضفة الغربية، بما فيها مدينة القدس الشرقية وقطاع غزة، لكن الاستيطان الإسرائيلي في الضفة والقدس، والذي تضاعف مرات عديدة منذ انطلاق عملية السلام، يحول فعليا دون إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة.
خطر إستراتيجي
الدكتور مخيمر أبو سعدة، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر بغزة، قال إن “خيار الدولة الواحدة، وهي دولة ثنائية القومية، في فلسطين يمثل خطرا إستراتيجيا بالنسبة لإسرائيل، ولا يمكن أن تقبل بالتفاوض حوله”.
وبشكل قاطع، ترفض الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة مبدأ “حل الدولة الواحدة”؛ لكون اليهود لا يشكلون أغلبية على أرض فلسطين التاريخية، كما أن النمو الديمجرافي للفلسطينيين أكبر بكثير من نمو اليهود.
أبو سعدة، وفي حديث للأناضول، تابع بقوله إن “إسرائيل ترفض فكرة حل الدولتين، وبالمطلق لن تقبل بدولة ثنائية القومية، لكن أمام التعنت الإسرائيلي، من الممكن أن يطالب الفلسطينيين بفكرة الدولة الواحدة”.
وموضحا، تابع أنه “أمام رفض إسرائيل لدولة فلسطينية على حدود عام 1967، وعاصمتها القدس، فإن الفلسطينيين سيبحثون في خيار الدولة الواحدة.. فليتحمل المجتمع الدولي ما تفعله إسرائيل من تغول استيطاني، وليتقبل ما ترفضه إسرائيل”.
استفتاء شعبي
سياسة الحكومة الإسرائيلية اليمينية، برئاسة بنيامين نتنياهو، يبدو أنها أيضا تثير قلق المعارضة الإسرئايلية حيال احتمال فشل مبدأ “حل الدولتين”، حيث طالب زعيم المعارضة، يتسحاق هرتسوغ، الأحد الماضي، بإجراء “استفتاء شعبي على حل الدولتين”.
هرتسوغ قال، وفق الإذاعة الإسرائيلية العامة (رسمية)، إن “نتنياهو يصرح بأنه يؤيد حل الدولتين، إلا أنه يقوم بأعمال تتناقض مع هذا المبدأ.. يجب التحضير لاستفتاء عام (…) حول مدى تأييد الشعب في إسرائيل لمبدأ حل الدولتين أو لإقامة دولة ثنائية القومية”.
ووفق استطلاع للرأي العام الإسرائيلي، أجراه معهد “رافي سميث” (إسرائيلي خاص) لحساب الإذاعة الإسرائيلية العامة (رسمية)، ونشرت نتائجه يوم الجمعة الماضي، فإن 39% من الإسرائيليين يؤيدون ضم الضفة الغربية بأكملها إلى إسرائيل، مقابل 31% يدعمون ضم الكتل الاستيطانية فقط، وإقامة دولة فلسطينية في باقي المناطق، فيما يؤيد 30% فقط حل الدولتين على حدود 1967.
أشد انتقاد أميركي
منتقدا ما تمثله المستوطنات من خطر على السلام في الشرق الأوسط، حذر وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، في خطاب الأربعاء الماضي، الحليفة إسرائيل من مغبة السير في طريق “الدولة الواحدة”، مضيفا أنها تحتل مناطق تجعل من قيام الدولة الفلسطينية أمرا مستحيلا، “حتى أصبح حل الدولتين على المحك”.
وضمن ما اعتبره مراقبون أشد انتقاد علني أميركي، قال “كيري” إن حكومة نتنياهو هي “الأكثر تشددا في تاريخ إسرائيل، وسياساتها تقود إلى حل الدولة الواحدة”.
“كيري” تابع قائلا: “إن عدد المستوطنين في الضفة زاد 275 ألف منذ أوسلو (اتفاقية السلام بين إسرائيل والسلطة) منهم 100 ألف منذ تولي نتنياهو الحكم”، مشدد على أن “توسيع المستوطنات ليس له أية علاقة بأمن إسرائيل”.
براءة ذمة من واشنطن
“حتى لو قبل الفلسطينيون بمبدأ دولة ثنائية القومية، فلن يقبل الإسرائيليون بذلك”، وفق قراءة تيسير محيسن، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر بغزة، للمشهد الراهن في ظل تغول الاستيطان.
محيسن، وفي حديث للأناضول، اعتبر أن “الإدارة الأميركية أرادت أن تقدم براءة ذمة من خلال تصريحات كيري، وهي تعلم تماما أن إسرائيل ترفض الفكرة لأسباب عقائدية، ولأنها تشكل خطرا على وجودها وقد تتحول إلى أقلية”.
في نهاية عام 2016، ووفق مكتب الإحصاء الفلسطيني، بلغ عدد الفلسطينيين في فلسطين التاريخية قرابة 6.41 ملايين، بينما بلغ عدد الإسرائيليين 6.33 ملايين، بحسب دائرة الإحصاءات الإسرائيلية نهاية عام 2015.
ومن المتوقع أن تبلغ نسبة الإسرائيليين حوالي 49.3% من إجمالي السكان بحلول نهاية عام 2020، حيث سيصل عددهم إلى نحو 6.96 ملايين إسرائيلي مقابل 7.12 ملايين فلسطيني.
ترامب وإسرائيل
وبحسب محيسن، فإن “المجتمع الدولي قد يبدأ في التفكير في مشروع الدولة الواحدة في ظل رفضه للاستيطان.. لكن الأمر يبدو صعبا، فإسرائيل ماضية في سياسة الاستيطان، وفي الوقت نفسه تقويض مبدأ حل الدولتين”.
وفي 23 ديسمبر الماضي، تبنى مجلس الأمن الدولي بأغلبية 14 عضوا وامتناع الولايات المتحدة الأميركية عن التصويت، قرارا يطالب إسرائيل بوقف الاستيطان بشكل فوري وكامل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهو ما نددت به إسرائيل.
ووفق الأكاديمي الفلسطيني فإنه “في وجود الإدارة الأميركية الجديدة (برئاسة ترامب) يبدو الأمر صعبا وقاسيا بالنسبة للفلسطينيين”، داعيا المجتمع الدولي إلى “الضغط على إسرائيل للالتزام بالقرارات الدولية، وعدم خوض مغامرات سياسية جديدة”.
وبينما تغادر إدارة الرئيس الأميركي (الديمقراطي)، باراك أوباما، السلطة يوم 20 يناير الجاري، فإن الرئيس الأميركي (الجمهوري) المنتخب، دونالد ترامب، يبدي تأييدا واضحا للسياسات الإسرائيلية؛ ما ينذر باحتمال عدم ممارسته أية ضغوط عليها بشأن الاستيطان.
وجراء رفض إسرائيل وقف الاستيطان، والقبول بحدود 1967 كأساس للتفاوض، والإفراج عن أسرى فلسطينيين قدماء في سجونها، توقفت المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية في أبريل 2014.
بالمقابل، يشترط نتنياهو على الفلسطينين الاعتراف بمبدأ “يهودية إسرائيل” قبل التفاوض، وترفض إسرائيل مبدأ “الدولة الواحدة ثنائية القومية”، مشددة على أنها “لن تحل النزاع، بل ستتسبب في المزيد من المواجهة والتنازع”، ومعتبرة أن “الحل الأكثر منطقية هو إنشاء دولتين قوميتين (أي دولة يهودية وأخرى فلسطينية) تحققان معا الطموحات القومية للإسرائيليين والفلسطينيين على السواء”، وفق وزارة الخارجية الإسرائيلية على موقعها الإلكتروني.
تعنت إسرائيلي
مستنكرا، تساءل عدنان أبو عامر، الكاتب السياسي، عميد كلية الآداب في جامعة الأمّة (خاصة) بغزة: “إسرائيل ترفض فكرة حل الدولتين.. فكيف ستقبل بحل الدولة الواحدة (؟!)”.
“أبو عامر| تابع موضحا، في حديث للأناضول، أنه “من منطلق عقائدي، ترفض إسرائيل فكرة الدولة الواحدة، فهي لا تعترف بوجود الفلسطينيين، وقامت على أساس أنها دولة يهودية.. عمليا، حل الدولة الواحدة أمر مرفوض تماما لإسرائيل، هو يشكل خطرا على وجودها أمام التفوق الديمجرافي للفلسطينيين”.
و”في ظل التعنت الإسرائيلي، والاستمرار في الاستيطان”، أضاف أبو عامر أنه “على المجتمع الدولي وضع حل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي الممتد لعقود طويلة”.
وفي 1993، اتفقت منظمة التحرير الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية على البدء في 1995 بمفاوضات الوضع النهائي، لحل قضايا اللاجئين، والقدس، والمستوطنات، والحدود، والمياه، إلا أن جولات المفاوضات منذ ذلك التاريخ، فشلت أو لم يتم تنفيذ ما اتفق عليه خلالها، ويحمل الجانبان الفلسطيني والإسرائيلي كلا منهما المسؤولية، فيما يلتهم الاستيطان مزيدا من الأراضي الفلسطينية.
ومقللين من أهمية قرار مجلس الأمن الدولي “غير الملزم”، قال وزراء إسرائيليون ونواب في الكنيست (البرلمان) الإسرائيلي إن هذا القرار لن يردع إسرائيل عن مواصلة التوسع الاستيطاني.
وبحسب مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة (بتسيلم – منظمة غيرحكومية)، يعيش في الضفة الغربية والقدس الشرقية أكثر من 430 ألف مستوطن إسرائيلي، في 159 مستوطنة.
وفي القدس الشرقية المحتلة وحدها توجد أكثر من 58 ألف وحدة سكنية استيطانية، يعيش فيها أكثر من 220 ألف مستوطن، مقابل 300 ألف فلسطيني، وفق رئيس دائرة الخرائط ونظم المعلومات بجمعية الدراسات العربية في القدس (غير حكومية)، خليل التفكجي، في تصريح سابق للأناضول.