أجبرت أسعار النفط الخام في الأسواق العالمية، إلى جانب التحديات الأمنية الإقليمية، السلطات السعودية لتقنين المصروفات في الموازنة السعودية للعام المقبل 2017.
ورغم تسجيل المملكة لنفقات فعلية أقل من المقدر في ميزانية 2016، وإيرادات أعلى مما تنبأت به، إلا أن استمرار تغيرات أسعار النفط الخام للعام المقبل، رغم توقيع اتفاق خفض الإنتاج واستمرار التوترات الأمنية الإقليمية، ينذر بخروج النفقات عما خطط له.
وأعلنت السعودية، التي تعد أكبر مُصدر للنفط في العالم، أمس الخميس، موازنة 2017 بإجمالي نفقات تبلغ 890 مليار ريال (237.3 مليار دولار)، وإيرادات بـ 692 مليار ريال (184.5 مليار دولار) وعجز مُقدر قيمته 198 مليار ريال (52.8 مليار دولار).
وتزيد نفقات الموازنة السعودية للعام المقبل، بنسبة 6% عما كانت عليه في 2016، صعوداً من 840 مليار ريال (224 مليار دولار).
أسعار النفط
وحددت السعودية في سيناريو الأساس لموازنة 2017، سعر 55 دولاراً لبرميل النفط الواحد، مقارنة مع قرابة 42 دولاراً لسعر البرميل في ميزانية 2016.
وأبدى عبد الرحمن بن محمد الزومان (سعودي)، رئيس وكبير الخبراء في مجموعة خبراء المخاطر في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (غير حكومية)، تخوفاته من فشل اتفاق “أوبك” والمنتجين المستقلين بخفض الإنتاج.
ويدخل اتفاقا منظمة الدول المصدرة للبترول “أوبك” والمنتجين المستقلين، حيز التنفيذ مطلع العام المقبل، بخفض الأعضاء في “أوبك”، 1.2 مليون برميل يومياً من إنتاجهم إلى 32.5 مليون برميل، بينما سيخفض المنتجون المستقلون إنتاجهم بنحو 558 ألف برميل يومياً.
وتوقع “الزومان” في تصريح للأناضول، أن يستمر الالتزام في اتفاق “أوبك” لمدة شهرين أو ثلاثة على أقصى تقدير، قبل أن ينهار، بفعل الاحتياجات المالية لعديد الدول الأعضاء التي تعهدت بخفض الإنتاج.
ودفع اتفاقا “أوبك” والمنتجين المستقلين، لصعود سعر برميل النفط من 45 دولاراً نهاية نوفمبر/ تشرين ثاني الماضي إلى حدود 55 دولاراً في الوقت الحالي، إلا أن وكالة فيتش للتصنيف الائتماني أبدت تخوفات من انهيار الاتفاق، وجدية الأعضاء للالتزام في بنوده.
وبلغ إنتاج السعودية من النفط الخام يومياً في نوفمبر الماضي 10.72 مليون برميل، بحسب تقرير “أوبك” الصادر منتصف الشهر الجاري.
وتعتمد المملكة على مبيعات النفط الخام، لتوفير أكثر من 75% من إجمالي إيراداتها المالية، التي هبطت بفعل انخفاض سعر برميل النفط من 120 دولاراً منتصف 2014.
وقال “الزومان”: “هناك دول مثل والعراق وليبيا، التي تبحث عن سيولة مالية وتعزيز إيراداتها لمواجهة النفقات الجارية لتمويل عملياتها العسكرية، إضافة إلى إيران التي تريد العودة لمستويات إنتاج أعلى مما هي عليه الآن.. هذا قد يفشل اتفاق أوبك وتنهار معه أسعار الخام”.
كانت السعودية تعهدت في 30 نوفمبر الماضي بتحمل خفض إنتاج يبلغ 486 ألف برميل يومياً من إنتاجها، مطلع العام المقبل.
التحديات الإقليمية
وتواصل السعودية تنفيذ عمليات عسكرية على حدودها الجنوبية مع اليمن ضد الحوثيين وأنصار الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وهي عمليات تتطلب إنفاقاً على تلك العمليات، إلى جانب منح مالية تقدمها لعديد دول الجوار ووأخرى عربية.
واعتبر الكاتب الاقتصادي غسان بادكوك (سعودي)، إن العمليات العسكرية تحتاج إلى تمويل الدولة، “لكن باعتقادي أن النفقات العسكرية لن تشكل خروجاً كبيراً عن أرقام موازنة 2017 المعلنة”.
وقال إن المملكة في 2016 واجهت نفقات أمنية وعسكرية، لكن في نهاية العام، وجدنا أن النفقات الفعلية كانت أقل من المقدرة بنحو 4 مليارات دولار أمريكي”.
ونفذت السعودية خلال العام الجاري، رزمة إصلاحات هيكلية وحملات تقشف وخفض في رواتب الوزراء ومزايا موظفي الدولة، وألغت مشاريع ودمجت مؤسسات، لترشيد المصروفات.
ولم تعلن المملكة عن حجم النفقات التي كلفتها عملياتها في اليمن، لكن بحسب تقرير صادر عن منظمة “أي إتش إس جينز” للمراقبة والتحليل الاقتصادي ومقرها لندن، جاءت السعودية المستورد الأكبر للأسلحة في العالم للعام 2015، بقيمة واردات بلغت 9.3 مليارات دولار.
وقال الخبير الاقتصادي العراقي وليد خدوري في تصريح سابق للأناضول، إن قطبي أوبك (السعودية وإيران)، وصلا لقناعة أن الأسعار الحالية للنفط لا تتناسب وطموحاتهما الأمنية والاقتصادية المحلية والإقليمية.
في سياق آخر، يرى “بادكوك” أن المنح المالية السعودية لعديد من دول الجوار، ستستمر خلال 2017 لكن بوتيرة أقل عما كانت عليه خلال السنوات الفائتة، “أسعار النفط لم تؤثر فقط على الدول المنتجة، بل على الدول المستهلكة التي تتلقى مساعدات مالية”.
وتقدم السعودية منحاً مالية سنوية ضخمة للعديد من دول الجوار والدول العربية، كالأردن ومصر والمغرب ولبنان، وفلسطين التي كانت تحصل شهرياً على 20 مليون دولار أمريكي شهرياً لدعم الموازنة، حتى مارس الماضي، قبل أن تتراجع منذ إبريل نيسان حتى نوفمبر إلى 7.7 مليون دولار شهرياً.