جاءت تصريحات عبدالفتاح السيسي أثناء تشييع ضحايا الكنيسة البطرسية لتثير العديد من التساؤلات والتعليقات خاصة وأنه لم يمر على الحادث يومان لتأخذ التحقيقات مجراها الطبيعي.
وكان من أهم وأشد التصريحات للسيسي إثارة للاستفسار أثناء تشييع الضحايا تصريحه “بكل وضوح أن البرلمان والحكومة يجب أن يتحركا بشكل فاعل في اتجاه استحداث أو ربما تعديل قوانين تسرع من المحاكمات المرتبطة بقضايا الإرهاب” على حد قول السيسي.
ليست المرة الأولى التي يصرح فيها السيسي بهذا المعنى عقب أعمال عنف، حيث ألمح إلى المعنى ذاته في جنازة النائب العام هشام بركات والذي تم اغتياله في ٢٠١٥م، وقال: إنه “لا بد من التسريع بالإعدامات واستحداث قوانين”.
فماذا يريد السيسي بهذه التصريحات؟ هل يهرب من الفشل ويلقي بالأمر برمته على الحكومة والبرلمان مبعدًا التهمة عن الجهات الأمنية حيث قال صراحة ” اوعوا تقولوا اللي حصل ده تقصير أمني”؟
أم أن السيسي يسعى لتوظيف حدث تفجير الكنيسة لاستخداث المزيد من القوانين التي تدعم القبضة الأمنية القمعية على البلاد؟
يرى البعض أن السيسي يقصد بالفعل بعض الإجراءات التي تطيل من أمد القضايا وتسير ببطء شديد ويكمن ذلك البطء في إجراءات التقاضي المتعددة، ومنها مسألة محكمة النقد ويتم معالجة ذلك البطء باختزال مراحل التقاضي المتعددة، بحيث لا تقوم محكمة النقد بإعادة القضية إلى دائرة أخرى لتعيد المحاكمة فيها بالكامل، وإنما تتولى محكمة النقد نفسها إصدار حكم نهائي في القضية، مثلها في ذلك مثل المحكمة الإدارية العليا التي لا ترد أي قضية لدائرة إدارية أخرى لإعادة الحكم فيها.
يرى الدكتور محمد حامد الجمل رئيس مجلس الدولة الأسبق، أن هناك تعديلات واجبة في قوانين الإجراءات الجنائية والمرافعات من أجل إنجاز محاكمات عاجلة في قضايا الإرهاب أبرزها تلك التعديلات المتعلقة بالقضاء المدني الذي تعد مراحله بطيئة للغاية بالنظر إلى طبيعة المرحلة الحالية.
على الجانب الآخر يرى البعض أن توظيف الأحداث لصالح النظام الحاكم هي لعبة مخابراتية قديمة يجيدها السيسي كرجل مخابرات، وتتلخص في إيجاد المبرر لتوجيه ضربة جديدة للخصوم السياسيين وهو ما يتضح بالنظر إلى الإطار العام لتصريحات السيسي بالجنازة، فقبل أن يتناول مسألة القوانين والبرلمان والحكومة دفع في اتجاه أن ” أهل الشر” يحاولون منذ ثلاث سنوات إسقاط الدولة المصرية وأنهم قاموا بضرب خمسة وسبعين كنيسة حتى الآن وأنهم هم من سحبوا السكر والأرز من الأسواق ليوقعوا بلبلة بالمجتمع ويضروا بالاقتصاد، وأنهم في حالة من الإحباط دفعتهم لتنفيذ تفجير الكنيسة المرقسية.
الأمر الذي اعتبره البعض مقدمة من السيسي لتوظيف الحدث في صراعه الحقيقي مع معارضيه السياسيين لإيجاد حالة تشريعية قانونية جديدة تساعده على الاستمرار في القمع والاستبداد تحت طائل القانون.
ويرى د محمد العادل ( سياسي أكاديمي) أن حرص السيسي على تبرئة ساحة الجهات الأمنية بقوله إن الحادث ليس بسبب خلل أمني دليل على ارتباط سياسته القمعية بوزارة الداخلية وأنه حريص على هذا التكامل الذي لا غنى عنه لأي ديكتاتور كنا يرى العادل.
وهكذا يظل المجال متاحًا أمام العديد من التساؤلات ستجيب عليها إجراءات يبدو أن النظام في مصر مقدم عليها لا محالة حول أحكام الإعدام للمعارضين وتسريع المحاكمات التي طالب بها السيسي، والعلاقة بين ذلك كله وبين التفجيرات والعمليات الإرهابية التي لا ينفك الشعب المصري يفيق من أحدها حتى يفاجأ بالأخرى.