بين يوميّ الخميس 1، 8 من ديسمبر/كانون الأول الجاري لم تجر مياه كثيرة من أسفل جسر مُناهضي الانقلاب في مصر، وظاهر الأمور يقول إن الحكم توطد واستتب لقائد الانقلاب، حتى أنه صار يقتل المُختفين قسرياً لديه، ثلاثة، الثلاثاء الماضي، من منفلوط في أسيوط في جنوب البلاد، بالإضافة إلى آخر أمس الأربعاء، رحمهم الله، وتقبلهم في الشهداء، وغفر لهم، ولزلزل أركان قاتليهم.
كما أن (أنصار الشرعية) كما يُطلق عليهم، وهم بخاصة في خارج مصر ما يزالون مختلفين، لا كما أراد الله لهم ومنهم بل من أجل مزيد من (الغربلة والتمحيص)، أو إجراء سُنّة الله في الاستبدال، وبمرور الوقت صار (السادة الأفاضل) الذين ينظر البسطاء من الشرفاء، ولله درهم، إليهم على أنهم قادة للصف، ولأبرز مكونات الحراك الوطني (الإخوان)، وبمرور الوقت صار الأخيرون والمقربون إليهم في شُغل عن حال الثوار، ولو قالوا بألسنتهم غير هذا، وبالتالي ما يُلاقيه الأخيرون من قتل وتعذيب وطرد وتشريد، ذلك حالهم إلا مَنْ رحم ربي من المخُلصين، وهؤلاء علم الله بهم إذ إنهم بلا حيلة ولا جهد، اللهم إلا جهد وحيلة العاجز المُقل، وهم يتوارن خجلاً في الغربة، في ثوب به رقة وضعف وبقع كبرى من جراء تصرفات مسؤولين مُفترضين غير “مسؤولة”.
فبعد الاستئثار بالمال إلا قليلاً، وتوزيعه على الأحباب من المُقربين والمُوافقين في الرأي، وبعد الصمت على آخرين في الصف قليلهم بالغ في أخذ ما ليس له، وبعد التردي حتى قبول ما لا يُقبل من طرف البعض الذين يعرفهم الناس على أنهم رجال ثورة وأعمال خير وبر، وفي المُنتصف يُدين واحدهم نفسه قبل الصف بأقول فيها افتئات وتزيد على المخلصين، فيما لا يستطيع تنقية خاصة نفسه..صار الجديد لديهم هو تقديم محاضر في القليل منهم لدى أقسام الشرطة في الغربة، وتبادل للاتهامات، ولله در العقل في أوقات المحن.
على أن المدعو “مفيد فوزي” في إطلالة جديدة مع أحد إعلاميي الانقلاب خرج في الخميس الماضي، الأول من ديسمبر/كانون الأول، ليستدعي على قناة تتبع احد رجال الأعمال الانقلابيين بعضاً من ذكرياته عن الراحل الشيخ “محمد متولي الشعراوي” عقب 18 عاماً من وفاته، في (17 من أبريل/نيسان 1998م)، ورفض النظام آنذاك أن تخرج جنازة الرجل من القاهرة حيث تُوفاه الله، وصمم أن تخرج من قريته (دقادوس في مركز ميت غمر في محافظة الشرقية) خوفاً من افتضاح سوئته بالإقبال الجماهيري المُنقطع النظير المُتوقع على الجنازة، وهو ما فعله النظام نفسه مع الراحل الشيخ “عبد الحميد كشك”، رحمهما الله، في مثل هذه الأيام في 6 من ديسمبر/كانون 1993 إذ أُمر أهله بدفنه في السر قبل صلاة الجمعة.
ويبقى الشاهد هنا: ما الذي ذكّر “مفيد فوزي” و”حمدي رزق” بالشيخ “الشعراوي” الآن؟ و”مفيد فوزي”، أو “مستفيد فوري” برأي الراحل “عبد الحليم حافظ” لديه آلاف الذكريات، التي تكفيه وتزيد، مع “حافظ”، “أم كلثوم”، و”فيروز”، فضلاً عن رجال السلطة والحكم في مصر والدول العربية، وهو حال المُنافقين على الدوام، بالإضافة إلى ما يخص زوجته الراحلة “آمال العمدة” وبرنامجها الإذاعي الشهير “صحبة وأنا معهم”؟
وكان “فوزي” قد ذكر في الثمانينيات من القرن الماضي انه يخجل من إخبار الممثلة الراحلة “صباح” بأن عليها التوقف عن الغناء، بحسب صفحته الأسبوعية في مجلة “صباح الخير” حيث ترأس تحريرها، فما الذي جرأه على نقد الشيخ “الشعراوي”، طيب الله ذكره، وهو في القبر؟
يتناول مخلصو مصر والوطن العربي الأمور بـ(القطاعي) من آسف شديد، فما إن مر الأسبوع حتى خرج “السيسي”، قائد الانقلاب بنفسه مفسراً سر استدعاء الإعلامي “فوزي” من مكمنه ليهاجم الشيخ “الشعراوي”.
قائد الانقلاب يقول، اليوم الخميس 8 من ديسمبر/كانون الأول، في “احتفاله” بذكرى المُولد النبوي: إن الفكر الديني النابع من الإسلام لا يوافق الإسلام، في (شىء أشبه بأن نادية التي هي أم فهمي لم تحسن تربية فهمي ليطلق عليها اسمه، او ما كان يقوله الراحل القذافي من أن بر الوالدين مقدم على الوفاء للأب والأم، وهلم جراً، مع الاعتذار عن المثالين بخاصة فيما يخص رائق ديننا العظيم الحنيف).
وفي منتصف هذه السخافات والتفاهات المحببة إلى الجنرال المحدود الأفق، والتي يتلون بها قفزاً على عداوته لدين الله تعالى، بل يتعمد القول بإنه ليس المسلمون فحسب المُبتعدون عن دينهم بل اتباع جميع الأديان، وكأنه مسؤول عنه هم الآخرون، في المنتصف يتناول “السيسي” مفسريّ القرآن الكريم منادياً بتجديد اجتهاداتهم في التفسير.
يقول المدعو “فوزي” عن رجل توفاه الله أنه جذّر للارهاب وحرّث التربة في مصر تمهيداً له، وإذا أعدنا ترتيب الكلمات السابقة سنجدها تقول بوضوح أن المخابرات الحربية التي ينتمي “السيسي” إليها، كعادتها، تفتعل دخاناً، وتُشعل الحرائق بانتظام شديد، فيما الجهة المقابلة مشغولة بمعارك شخصية قليلة الجدوى والنفع تخص أشخاصاً بلغوا من الكبر عتياً، وتجاوزهم الزمان فيما هم متمسكون بمراكزهم الاعتبارية وغيرها في قلب محنة ضارية.
كان نظام الراحل “محمد أنور السادات”، ومن بعده المخلوع “حسني مبارك” يحرصان على ورقة التوت التي تداري عورة الدولة العلمانية، ولذلك استقطب “السادات” “الشعراوي” إلى وزارة الأوقاف في عام 1987م في منصب لم يبق الرجل فيه إلا سنة وعشرة أشهر وخمسة وعشرين يوماً في وزارة “ممدوح سالم”، فلما عرضوا التجديد عليه قال:”كفاني من (الدست) مغرفة”، والدست كما هو معروف في مصر آناء الطعام غير الجيد، والمغرفة أي القليل قيمة (غرفة) منه!
فإذا كان “السادات”، ومن ثم “مبارك” أبقيا على “الشعراوي “مفسراً للقرآن الكريم ظهيرة كل يوم جمعة منذ عام 1980م، بمفتتح عن سورة الفاتحة، حتى أواخر سورة الممتحنة وأوائل الصف..على مدار قرابة ثمانية عشر عاماً، وألف حلقة..فإن “السيسي” الذي يدعي محاربة الإلحاد لم يطق صبراً على سيرة الشيخ “الشعراوي” فسلط أحد أبواق الثورة المُضادة، “مفيد فوزي” الذي دأب في برنامجه “حديث المدينة” مساء الجمعة، أيضاً، على استضافة اللواء “حبيب العادلي”، آخر وزراء داخلية مبارك (1997ـ 2011م) في كل عيد للشرطة، ولم يستح “فوزي” من التعرض لمُتوفى، وهو الذي كان يستحي من نقد ممثلة تغني بعد أن تقدم العمر بها وشاخ صوتها على حد قوله، ويقول لقراء صباح الخير “قولوا لها أنتم، فإنني لأستحي من أن أقول لها”، ولم يستح فوزي من أن الرجل رمز لدين اختار “فوزي” بنفسه غيره (مفيد فوزي مسيحي ولو بالاسم)، ولم يستح “فوزي” من واقع الحياة الذي زيفه منذ عصر “جمال عبد الناصر” أن يستمر في تزييفه حتى عهد الانقلاب الثاني على يد “السيسي”، ولم يأخذ فوزي العبرة من وفاة زوجته وبقائه من بعدها!
لما يريد “السيسي” الترتيب لأمر، وهو على باطل يستعد له، ويستدعى الجوقة الخاصين المُناسبين له، فلعل أولئك الذين يواجهون نظامه ويناهضوه، وهم على الحق يتعظون.. ويأخذون العبرة!