أثارت مصادقة البرلمان المصري على قانون جديد لتنظيم عمل المنظمات غير الحكومية في البلاد الكثير من الجدل، إذ يرى البعض أن القانون هو وسيلة لمراقبة المعارضة بينما يراه البعض الآخر ضرورة لحماية المجتمع من “تدخلات أجنبية”.
يرى ناشطون عاملون في مجال حقوق الإنسان في مصر أن القانون الجديد هو بمثابة “هجمة أخرى من جانب الحكومة على المنظمات غير الحكومية” في إطار فرض المزيد من التقييد على الحريات، فيما قال مؤيدون إن القانون يعالج مشكلات الأموال المتضخمة التي دخلت مصر في شكل تمويلات أجنبية في السنوات الأخيرة.
وكان مجلس النواب صوت بشكل نهائي يوم الثلاثاء الماضي (29 نوفمبر 2016) على القانون بعد أن راجع مجلس الدولة، إحدى الهيئات القضائية الكبرى في مصر ويختص بنظر القضايا الإدارية، بنوده ومواده وأدخل عليه بعض التعديلات. ووافق أكثر من ثلثي أعضاء البرلمان على القانون. وينتظر القانون الجديد تصديق عبد الفتاح السيسي عليه ليدخل حيز التنفيذ.
“قانون مُفصَّل”
وترى المحامية الحقوقية عزة سليمان، رئيسة مركز قضايا المرأة، أن القانون الجديد يأتي في إطار جهد حكومي قائم منذ فترة يهدف إلى “إخراس” الأصوات المطالبة بالحقوق والحريات، تلك التي تقف ضد التعذيب وانتهاك الخصوصية ومنع العنف ضد المرأة.
وقالت عزة سليمان في حديث مع DW عربية إن “القانون تم تفصيله ضد بعض الجمعيات التي تقوم بتوعية المجتمع بحقوقه، لأنها تواجههم (السلطات) بجرائمهم من انتهاكات وتعذيب وتطالب بمحاسبة الأجهزة المسؤولة عن ذلك والتي يفترض بها أن تنفذ العدالة”.
وكانت الحكومة المصرية قد تحفظت على أموال سليمان وجمدت حساباتها البنكية وحسابات شركة “من أجل العدالة” للمحاماة الخاصة بها، في القضية المعروفة إعلاميا بقضية “التمويل الأجنبي”، وهو قرار قالت المحامية الحقوقية إنه جاء دون إجراء أي تحقيق معها، و”هذا لا يمكن أن يتم إلا في الدول الاستبدادية مثل مصر”.
وأضافت سليمان، التي عبرت عن دهشتها من القرار، أن الحكومة قامت بعمل “مقص حرامية معها” فهم تحفظوا على أموالها بدون إجراء أي تحقيق معها، مؤكدة أن هذا الإجراء لا يمكن أن يتم في أي دولة سوى الدول الاستبدادية مثل مصر.
ولم يصدر عن السلطات المصرية أي توضيحات حول قضية عزة سليمان، ومن جهته نأى وكيل لجنة حقوق الانسان في البرلمان، عاطف مخاليف، عن التعليق على الموضوع، حين سألته DW عربية.
اغتيال المجتمع المدني
بدوره، يقول الناشط حافظ أبو سعدة، رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، إن القانون الجديد زاد من التدخل الحكومي في عمل منظمات العمل الأهلي، على عكس التعهدات التي قطعتها الحكومة المصرية على نفسها أمام الأمم المتحدة حيث تعهدت بعمل قانون يحترم حرية إنشاء الجمعيات ويعزز استقلاها وحقها في العمل بحرية على الأرض دون تدخل من الجهات الحكومية.
وأضاف أبو سعدة، في حديث مع DW عربية، إن “القانون الجديد وضع قيودا سالبة للحريات؛ حيث حصر عمل الجمعيات غير الحكومية في اتجاه واحد فقط وهو خطة التنمية الاجتماعية للدولة مما يعني إغفال حقوق الإنسان، واعتباره عملا سياسيا مخالفا أو ليس جزء من خطة التنمية للدولة.”
وأوضح الحقوقي المصري أن القانون الجديد أعاد فلسفة التجريم في العمل التطوعي وفرض عقوبات من سنة إلى خمس سنوات، وأضاف قيودا جديدة لم تكن موجودة في قانون 84 لسنة 2002، مثل الحصول على موافقة على تمويل داخلي من الجهات، أو فتح فرع جديد، أو إضافة نشاط واشترط لذلك موافقة من الجهاز والحكومة، كما اخضع الجمعيات للجهاز المركزي للمحاسبات، كما يوضح الناشط الحقوقي المصري.
ويرى أبو سعدة أن القانون جاء كخطوة استباقية للمشروع الذي كانت ستقدمه الحكومة. وقال “هذا يكشف وجود صراع داخل الحكومة وكذلك الدولة، لأن مشروع القانون هذا هو أقرب لرؤية الأجهزة الأمنية من رؤية الوزارة، وبالتالي نتيجة للأغلبية في البرلمان، وتجاهل لأول مرة (إجراءات تقديم) مشروع قانون الحكومة.”
علي عبد العال رئيس البرلمان، أكد في جلسة برلمانية إثر إقرار القانون، أن سنَّه تم بناء على استشارة العديد من الجهات ومؤسسات الدولة المعنية، مشيرا إلى المجلس الأعلى للقضاء ومجلس الدولة والجهاز المركزي للمحاسبات والجهاز المركزي للتنظيم والإدارة والمجلس القومي لحقوق الإنسان.
بيد أن أبو سعدة يعتقد أن “الحكومة لديها هدف محدد وهو اغتيال المجتمع المدني. هذا القانون عداء مطلق للمجتمع المدني وللمعارضة ولأي صوت مخالف. فهو صادر الحق في التجمع السلمي وخالف كل المعايير الدولية لإنشاء الجمعيات.”
وأشار أبو سعدة إلى تحفظ الحكومة على أموال بعض الحقوقيين والعاملين في العمل الأهلي ومنعهم من السفر.
واتفق المخرج السينمائي المعروف خالد يوسف، عضو مجلس النواب، مع سليمان وأبو سعدة، ورغم ان المخرج خالد يوسف من مؤيدي الرئيس السيسي، الا انه لا يخفي انتقاداته لقانون الجمعيات. فقد اعتبر في تصريحات لقناة تلفزيونية محلية أن القانون الجديد يشكل “خطورة على الأمن القومي المصري،” مشيرا إلى الأدوار التي تقوم بها العديد من الجمعيات في الرعاية الصحية ورعاية الفقراء. وقال إن “30 في المائة من الرعاية الصحية في مصر تقوم بها الجمعيات الأهلية و40 في المائة من رعاية الفقراء والبسطاء تشرف عليها الجمعيات الأهلية.”
وقال النائب البرلماني المصري إن 400 جمعية فقط من إجمالي 47 ألف جمعية تعمل في مصر عليها علامات استفهام، مشيرًا إلى “محاسبة الجمعيات المشبوهة وتقديم المخالفين للمحاكمة مع الحفاظ على الجمعيات الأهلية و العمل الأهلي في مصر دون تقييد”.
“علاج لمشكلات التمويل الأجنبي”
غير أن وكيل لجنة حقوق الإنسان في البرلمان المصري، عاطف مخاليف، كان له رأي مخالف. يقول مخاليف في حديث مع DW عربية إن القانون الجديد “يعالج مشكلات الأموال المتضخمة التي دخلت مصر في شكل تمويل أجنبي منذ 30 يونيو 2013. تلك الأموال تهدد الصالح العام”.
وأضاف مخاليف أن المعترضين على القانون من الحقوقيين والجمعيات الحقوقية هم “من قبلوا تمويلات أجنبية في الظلام. وحققوا ثروات فاحشة وليس لديهم تثبت ما تلقوه من أموال”. وقال “من يعترض (على القانون) لديه طرق غير شرعية للحصول على تلك الأموال.” ورفض النائب مخاليف إعطاء المزيد من التوضيحات حول من يقصدهم بتصريحاته.
وردا على منع بعض الحقوقيين من السفر والتحفظ على أموالهم، قال مخاليف إن على هؤلاء ان يسألوا أنفسهم: لماذا منعوا من السفر ولماذا جمدت أموالهم، مضيفا “كل ما نطلبه معرفة حجم تلك الأموال التي تلقيتموها.”
ووفقا للقانون الجديد يجب على الجمعيات الأهلية(غير الحكومية) الحصول على موافقة مسبقة على أي تبرعات تتجاوز عشرة آلاف جنيه(اليورو يعادل تقريبا 15,5 جنيه مصري). وإذا لم تمنح الموافقة خلال 60 يوما يعتبر الطلب مرفوضا تلقائيا. وفي حالة عدم إخطار السلطات قد يعاقب المسؤولون عن ذلك بالسجن لمدة تصل إلى خمس سنوات وبغرامة تصل إلى مليون جنيه.
ويمنح القانون الحكومة سلطة تقريرية حول من يحق له تأسيس جمعية أهلية وأهدافها.
ويلزم الجمعيات بالعمل وفقا “لخطط الدولة للتنمية” وهو ما يضع قيودا شديدة على العمل الذي قد تقوم به في مجالات لا تعتبرها الحكومة ذات أولوية، كما يرى ذلك نشطاء حقوقيون. ويمكن أن يحبس رؤساء الجمعيات والمنظمات الذين ينقلون مقر كياناتهم بدون إبلاغ السلطات لمدة سنة.