على إثر الواقع الاقتصادي الذي تحياه مصر منذ ما يقرب من ثلاث سنوات، تنامت دعوات من قبل إعلاميين ورجال أعمال ومستثمرين إلى طوائف عديدة من الشعب بأن بتقشفوا ويتحملوا تلك الفترة العصيبة التي تمر بها البلاد تحت دعاوى المصلحة العامة والمحافظة على الدولة وكيانها.
وانتشرت هذه الدعاوى بشكل مكثف من قبل الإعلاميين على رأسهم مقدم البرامج أحمد موسى ورئيس تحرير اليوم السابع خالد صلاح، بل وصل الأمر بالإعلامية دينا رامز أن خاطبت الشعب قائلة: “خلوا عندكوا دم واتنازلوا عن الدعم والتموين”!
وانتهج رجال أعمال نفس النهج في مخاطبة الشعب وكذلك بعض الشخصيات العامة بل والمسئولين الحكوميين أنفسهم منهم وزير الكهرباء الذي دعا الشعب للتقشف والحرص في استخدام الثلاجات.
إلا أن الشعب قد فوجئ بهذه الفئة التي تدعوه للتقشف تقيم الحفلات والمناسبات والأفراح، بل وحتى المآتم بتكاليف باهظة تثير حفيظة الشعب وتنزع الثقة بينه وبين هؤلاء.
وكانت أولى تلك المناسبات، احتفال رجل الأعمال المصرى صلاح أبو دنقل أكبر مستورد القمح والفول الصويا للحكومة المصرية بزفاف نجله، والذى تخطى عدد المدعوين حضور الفرح أكثر من 3 آلاف شخص، هذا ما جعل أبو دنقل يحجز فندق فلسطين بالكامل بالإضافة إلى 80 غرفة بفندق الفورسيزون بالإسكندرية لإقامة المدعوين، بالإضافة إلى تخصيص أسطول من السيارات الفاخرة لنقل المعازيم إلى قاعة الفرح.
الأمر لم يختلف كثيرًا، سواء في مراسم الاحتفال الخيالية، أو قيمة تكاليف عقد قران كريم نجل رجل الاعمال المصري حامد الشيتي على عارضة الأزياء” أنا بياتريز باروس”، الذى شغل اهتمام مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي والصحف اليونانية والمصرية.
وحسبما ذكرت صحفية “برو نيوز اليونانية”، فإن تكاليف عقد قران نجل أمبراطور السياحة حامد الشيتي بلغت 50 مليون جنيه، والذي أقيم فى جزيرة ميكونوس اليونانية، وتم تخصيص سفينة سياحية لنقل أقارب العريس من مصر إلى الجزيرة، وتجهيز 20 فيلاً لاستقبال مدعوين من المعازيم.
ومما لفت النظر في السياق ذاته، حفل شركة بروموميديا للإعلان التي يتولى رئاسة مجلس إدارتها رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس بمناسبة مرور عشر سنوات على تأسيسها، وقد حضر الحفل مجموعة كبيرة من الإعلاميين ورجال الأعمال في مظاهر أقل ما توصف به أنها باهظة ومكلفة للغاية.
استهلاك محلي
ويرى د. خالد فهمي ( أكاديمي مصري) أن الدعوات للتقشف ما هي إلا دعوات للاستهلاك المحلي لتخدير الفقراء منعًا لأي تفكير في الاعتراض أو الثورة، ويؤكد أن هذا أمر بدهي في حالات العجز الاقتصادي أن توظف الأنظمة الإعلاميين لتهدئة الناس وأحيانًا لتضليلهم.
ويرى خبراء أن مظاهر الصخب والتكاليف المرتفعة في حفلات هؤلاء الإعلاميين ورجال الأعمال هي الدليل العملي على انتفاع هؤلاء من الواقع الاقتصادي الذي تعيشه البلاد، وأنهم لا يكترثون بأغنياء أو غيرهم.
ويرى أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس عزت علي رمضان، أن الدعوات إلى التقشف في المجتمعات يجب أن يسبقها إشاعة العدل في توزيع الثروات أولاً، حتى يشعر الفقير بأهمية التقشف وضرورته بحيث يجد من يشاركه نفس الحالة خاصة من الأغنياء والطبقة الثرية ومنهم المسؤولون الحكوميون.
ويؤكد أن العديد من المؤسسات والإمكانات التي يستخدمها الإعلاميون ورجال الأعمال في مناسباتهم يدفع الموظفون البسطاء وبعض الفقراء من أموالهم لإنشائها وصيانتها، وهو ما يثير استفزاز هذه الطبقة لما يرونه من مظاهر الصخب والتبذير.
من جانبه يقول مجدي السناوي ( صاحب مصنع تم إغلاقه نظرًا لظروف الاستيراد)، إذا أردنا أن نتأكد أن هؤلاء الداعين إلى التقشف هم أكثر المستفيدين من الوضع الحالي، فلننظر إلى فرح ابنة رجل الأعمال صلاح دياب والتي تزوجت من ابن رجل الأعمال هاني طلعت مصطفى، الذي أقيم في إيطاليا في مدينة فلورنسا وتم ايجار طائرة خاصة أقلعت بالمعازيم من مطار القاهرة إلى فلورنسا مباشرة وعادت بهم بعد الفرح، بالإضافة إلى حجز قاعة تتسع لأكثر من ١٠٠٠ شخص، ويتساءل مجدي: كيف يدعونا هؤلاء إلى التقشف ويسعون إلى الظهور أمام الكاميرات في مواقف مستفزة للشعب والفقراء بشكل خاص؟!
ويرى خبراء أن الدعوة للتقشف حاليًا في مصر تمثل الدولة أكثر من تمثيلها لرجال أعمال أو إعلاميين أو غيرهم، فرئيس الدولة ألمح إلى أن ثلاجته ظلت فارغة إلا من المياه لعشر سنوات، وتحمل هذا الوضع دون أي شكوى، وهو ما يحمل دعوة واضحة للشعب بالتقشف والتحمل، إلا أن الأزمة تكمن في عدم اقتناع الناس بأن هذه الدعوات صادرة بالفعل عن شخصيات تسعى للإصلاح أو لديها خطة واضحة للنهوض بالوطن.
