أصدر اليوم تحالف قوى الاجماع الوطني بالسودان، بيانًا رسميًا موقعًا من العديد من مؤسسات المجتمع المدني وشخصيات عامة يطالبون فيه رئيس حكومة المؤتمر الوطني عمر حسن أحمد البشير بالتنحي عن السلطة و تسليمها للشعب.
وقام التحالف بتسليم البيان إلي إدارة القصر الجمهوري التي رفضت استلامه؛ بسبب وجود الرئيس السوداني خارج البلاد و كذلك الوزراء المعنيين، و أكد التحالف أن أجهزة الأمن تحاصر المركز العام للحزب الشيوعي الذي يتواجد فيه الرؤساء والموقعون على مطالبة التنحي، وتم منع الدخول والخروج للمركز.
جاء ذلك بعد قرار الحكومة برفع الدعم عن الدواء، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار بشكل جنوني وخرجت الاحتجاجات في شوارع السودان قبل أن تتراجع الحكومة عن القرار؛ تلبية للضغط الشعبي.
رفع الدعم:
أعلنت الحكومة السودانية مطلع نوفمبر الحالي رفع سعر البنزين والديزل بنسبة 30%، ما أدى الى ارتفاع أسعار سلع اخرى بينها الادوية، التي ارتفعت أسعارها بما يصل إلى 300%، وكان دعم الحكومة للأدوية يأتي من خلال توفيرها العملات الصعبة للشركات العاملة في استيرادها بما يعادل 7.5 جنيهات للدولار الأميركي الواحد، قبل أن ترفعه إلى 15.8 جنيها.
وكان البنك المركزي يخصص في السابق 10 في المئة من النقد الأجنبي العائد من الصادرات غير البترولية لدعم استيراد الأدوية، لكن هذا الأمر توقف.
بعد ذلك القرار، تزايدت معاناة المرضى في السودان، ودعا اتحاد الصيدليات في ولاية الخرطوم إلى تنفيذ اضراب وإغلاق الصيدليات، من الساعة الثامنة والنصف صباحا وحتى الخامسة عصرا، للضغط على الحكومة التي رفعت مؤخرا قيمة دولار استيراد الدواء، من 7.5 جنيه سوداني إلى 17.5 جنيه.
وحظيت تلك الدعوات بتاييد الشعب ونفذته نحو 136 صيدلية علي الاقل، خاصة بعد ندرة العديد من الأدوية، التي تعد حيوية لإنقاذ حياة المرضى، ومنها أدوية الصرع إضافة إلى أدوية أمراض السكري وضغط الدم.
وأكد أصحاب بعض الصيدليات اضطرارهم لإغلاق أبوابها بسبب عجزها عن توفير النقد الأجنبي أو ضعف حركة البيع نتيجة عجز المواطن في توفير ثمن الدواء.
الاستجابة للضغط الشعبي :
بعد تلك التطورات، دعت أبرز مجموعات المعارضة السودانية الى اضراب عام لثلاثة أيام؛ احتجاجا على خفض الدعم على المحروقات.
وبالفعل استجاب المواطنين إلي دعوات العصيان المدني، وبدت شوارع الخرطوم خالية من يوم الأحد، بينما توقفت الحافلات ووسائل النقل العام عن العمل، وشهدت السودان في الايام الماضية مظاهرات في مناطق عدة من البلاد.
وفتحت المدارس أبوابها أمام التلاميذ، لكنهم استجابوا للإضراب، وخرجوا في مظاهرات طلابية حاشدة.
وفي خطوة تهدف الى منع تظاهرات جديدة، استدعت السلطات السودانية خلال الاسابيع الاخيرة اكثر من عشرة اشخاص من زعماء المعارضة محذرة اياهم من اي تحركات احتجاجية، كما حوكم عدد من المتظاهرين بعد اتهامهم بتنظيم تجمعات في العاصمة الخرطوم، بحسب بي بي سي.
بينما استمرت التظاهرات الحاشدة ،وتعرضت للاعتداء من قبل قوات الامن و صادرت السلطات الأمنية في السودان صباح الثلاثاء جميع نسخ أربع صحف سياسية هي “التيار”، و”اليوم التالي”، و”الأيام”، و”الجريدة” بعد طباعتها، عقب نشرها أنباء العصيان المدني الذي دعت إليه المعارضة لمدة ثلاثة أيام، وكانت السلطات السودانية قد صادرت الاثنين صحيفتيْن، وأمرت بوقف بث قناة أم درمان الفضائية الخاصة.
وعقب تلك الاحتجاجات أعلنت الحكومة قرار رفع الدعم وقررت إلغاء الزيادات التي طبقتها علي أسعار الأدوية وتشكيل لجنة لاعداد اسعار جديدة، وقال وزير الصحة السوداني بحر إدريس أبو قردة في مؤتمر صحفي إن “تنفيذ قرار الحكومة رفع الدعم عن الأدوية صاحبته أخطاء، لذا تم إلغاء الأسعار الجديدة وتشكيل لجنة لإعداد أسعار أخرى”.
وأصدر البشير قرارا بإقالة الأمين العام للمجلس القومي للأدوية والسموم محمد الحسن العكد بسبب الأخطاء التي وردت في قائمة الأسعار الأخيرة.
تصاعد وتيرة الطلبات:
وبرغم تلك القرارات،إلا أن المحامين نظموا وقفة اليوم امام المحكمة العليا احتجاجا علي الغلاء والفساد، وتحولت الي مسيرة باللافتات والهتافات واتجهت الي السوق العربي بمحاصرة الامن والشرطة.
و تقدم رؤساء تحالف قوي الاجماع الوطني و مؤسسات و مبادرة المجتمع المدني و شخصيات عامة بيان لمطالبة رئيس حكومة المؤتمر الوطني عمر حسن احمد البشير بالتنحي عن السلطة و تسليمها للشعب، الا ان ادارة القصر الجمهوري رفضت استلام مطالبة التنحي تحت ذريعة وجود الرئيس خارج البلاد و كذلك الوزراء المعنيين.
شعب واعٍ:
وضع الشعب السوداني يتشابه بحد كبير مع الوضع المصري، بعد رفع الدعم عن المحروقات وارتفاع أسعار الادوية ونقص أصناف كثيرة من السوق المصري، إلا أن المصريين لم يستطيعوا الخروج إلي الشوارع لاعلان رفضهم لتلك القرارات وفشلت دعوات العصيان المدني والاضراب.
وأرجع خبراء ذلك الي الخوف من تكرار سيناريو 2013، حيث إنها ليست المرة الأولى، التي يُرفع فيها الدعم من جانب الحكومة السودانية على سلع وخدمات، إذ رفعت الخرطوم الدعم عن المنتجات البترولية في سبتمبر 2013، مما أدى إلى اندلاع تظاهرات غاضبة في العاصمة الخرطوم ومدن أخرى، سقط خلالها أكثر من 200 شخص وفق منظمة العفو الدولية، في حين تؤكد الحكومة السودانية أن عدد القتلى لم يتجاوز 85 شخصا.
وعقب رفع الدعم عن المنتجات البترولية في سبتمبر 2013، شهدت أسعار السلع والمحروقات ارتفاعا كبيرا، إذ ارتفع سعر جالون البنزين إلى 20.8 جنيها (4.7 دولارات) مقابل 12.5 جنيها (2.8 دولار) في السابق، وفي سبتمبر الماضي، أعلنت الحكومة السودانية عن رفع الدعم عن واردات القمح وذلك بزيادة سعر صرف الدولار لاستيراد القمح من 4 الى 6 جنيهات سودانية للدولار الواحد.
بعد أن فقد السودان 75% من عائدات النفط، المصدر الرئيسي للإيرادات والعملة الصعبة لاستيراد الغذاء، بعد انفصال جنوب السودان في 2011، ويرى مراقبون أن رفع الدعم سيفاقم أزمة المواطن السوداني، الذي يعاني بالأساس من ارتفاع الأسعار، محذرين من تكرار أحداث سبتمبر 2013، التي أعقبت رفع الدعم عن المحروقات وقتل حينها مئات المتظاهرين برصاص الأمن السوداني.
بينما يري الفقيه الدستوري نور فرحات، أن الشعب السوداني شعب واعي وعبقري، يملك عبقرية التحكم في أدوات التغيير السياسي، وهو ما يفتقده الشعب المصري.