غاب “عكاشة” وغابت معه ساعات الضحك والفكاهة، ولكن، “الحمدلله” بأنه لم يترك فراغا كبيرا وراءه بعد أن “غار وانكشح”، فقائمة أمثاله ممن يسمون أنفسهم إعلاميين لازالت طويلة وعلى رأسها ” أحمد موسى” لسان النظام السليط وبوقه الكاذب، ولكن، الشهادة لله أنه “العكش” كان دمه أخف بكثير من “موسى”، فالأخير يدعي الذكاء كذبا ويحاول جاهدا تقمص دور المحلل السياسي المحنك، ولذى يسعى لإحاطة نفسه بهالة من الرزانة والوقار “بعيد عنه”، بينما الأول لم يكن يعطي تلك “القشور الشكلية” كثيرا من اهتمامه ويفضل أن يكون على طبيعته في تمثيل دور “الأرجوز”، ولذى كان لظهوره نكهة مميزه عن غيره، ولكن لا بأس “طبال مكان طبال” و “كذاب يسلم الشعلة لكذاب” ولازال الأعلام المصري “ولاد”.
“علمني الغلاسه يابا”.. فقال له :”تعال في الهايفة واتصدَّر”.. هذا هو تحديدا الشعار الذي يلتزم به الاعلام المصري الموالي للنظام التزاماً حرفياً… منتهي “الكذب والغلاسه” مع ثقل ظل غريب، وموجة “استعباط واستهبال” وصلت على أقل تقدير إلى حد “مقرف”، فالمتابع لنشرات الاخبار وبرامج “التوك شو” المصرية – التي من المفترض أن تناقش وتنقل للشعب أهم وأبرز الأحداث بكل صدق وأمانه – يجد نفسه بلا قصد منه قد سقط في مستنقع للكذب الفاضح، وخيبة الأمل الي “راكبة جمل”، بل اصبح “ملقف للحمقى والكذابين”.. تسطيح للعقل وانفصال عن الواقع وهرج في وقت الجد وجد لا صدق فيه، “يعني صواميله مفكوكة” وغير منضبطة، مهما كان الموضوع جديا وعلى قدر كبير من الأهمية، فعندما تتلقف الشقراء “لميس الحديدي” أزمة “تعويم الجنيه” – وهي كارثة اقتصادية بكل المقاييس – بالاستخفاف لتقول للمصريين عبر برنامجها :” ماتخافوش حتى لو وصل الدولار بعشرين جنيه عادي ولا في حاجة …أصل الدولار ده مش سلعة”، أو عندما يدلي “د. رفعت السعيد” بدلوه ويصرح ليلة تعويم الجنيه :”ليس لي خبرة في الاقتصاد لكن طالما الدولة عومة الجنيه يبقى التعويم حاجة حلوه!”، أما المذيع المصري “إلى ما بيكدبش أبدا!” تامر أمين وتعليقه “الخرافي” على انهيار سعر الجنيه قبل أزمة “تعويم الجنيه” عندما قال :”السيسي ما دخلش بتؤله، كل الي عمله أنه قعد ساعتين مع رئيس البنك المركزي ” وحمر لهم عينه بس” وقالهم ” ها وبعدين؟ ” فالدولار نزل 2.5 جنيه، ولو واجه أزمة الدولار بنفسه احتمال الجنيه يبقى ب 10 الدولار”! والسؤال لحضرته “شكلك بقى ازاي دلوئتي بعد ما السيسي دخل بتؤله وعوم الجنيه وبقى الدولار بعشرين جنيه ؟”، أما الطامة الكبرى – وكل تصريحات الإعلام المصري طامة كبرى – هو ما قاله محافظ البنك المركزي ” طارق عامر” على شاشة التلفاز بلا أدنى خجل بأن ” الدولار سيصبح بأربعة جنيه ومصر حتسدد كل ديونها وتصبح دولة مانحة في عام 2022!”، ومذيعة مصرية أخرى تصرح ” الشعب المصري هو السبب في رفع الأسعار وتعويم الجنيه!”، يعني الحمدلله “السيسي” طلع بريء أيها “المغرضون”!
تفوق الإعلام المصري بامتياز على باقي وسائل الإعلام العربية والعالمية “بالهيافة والسخافة”، والعلة في ذلك هو تخليه عن دوره الإعلامي المحايد ولو قليلا، ويتحوله الى مجموعة من “مطبالتية” لنظامه، ف “فرقة حسب الله” التي يتجاوز عددها الثلاثون مذيعا ومذيعة، لم يعد يشغلها شاغل سوى التطبيل والتهليل والتزمير لسيادة الرئيس! وتصوير كل “هايفه” على أنها إنجاز فريد من نوعه وغير مسبوق، والويل كل الويل لأي معارض لسياسة الرئيس أو منتقد لمواقفه! مما سيلقاه من سب وشتم واتهام بالتخوين والعمالة وغيره وغيره، والتعميم على هذه القاعدة جائزا، ابتداء بالمواطن المصري البسيط “سائق التوك توك” مثلا، وانتهاء ب “عتاولة السياسة” وكبارها مثل “البرادعي” مؤخرا.
وبمنطق الهيافة ذاتها.. يلجأ النظام في مصر الى التعامل مع الدول بنفس طريقة التعامل مع أفراد المعارضة! ويصر على استخدام إعلامه بصورة فجة خالية من حياد وموضوعية، في كل شاردة وواردة من أمور السياسة الداخلية والخارجية للبلاد وفقا لميوله ورغباته، وإن تسبب تدخله هذا في كثير من الأحوال إلى تحويل الخلافات الصغيرة إلى أزمات محتدمة مع دول عربية شقيقة، والفضل في ذلك يعود الى سذاجة النظام الذي أوعز لإعلامه بالإساءة الى تلك الدول لمجرد الاختلاف معها، بدلا من محاولة احتواء الأزمة.
تماما كالجارة “المفروسة” من جارتها وتحاول النيل منها، فلا تجد وسيلة أفضل من تسليط “صغارها المجانين” لسبها وشتمها ليل نهار، وإذا ما تصاعد الأمر وتحول إلى ما هو أكبر، خرجت الجارة بدور العاقلة التي تسعى الى المصالحة وتبرير ما حدث على أنه “ولاد صغار ما بفهموش”، وهذا تحديدا ما حدث في واقعة “أم الدرمان”، عندما حشر الإعلام ” أنفه الطويل” وتدخل أسوأ تدخل في التعليق على الموضوع، مما أدى إلى اتساع هوة الخلاف بين مصر والجزائر، وبمنطق التدخل ذاته أصر الإعلام المصري على تداول محاولة الانقلاب الفاشلة التي تعرض لها الرئيس “أردوغان” بأسلوب لا يمت للحياد بصلة، بالتشكيل به تارة وتأييده تارة أخرى! وموقفه ومؤخرا مع المملكة السعودية، الذي كان يعد مجرد ذكرها بسوء – ولو تلميحا – من “المهلكات الموبقات” لدى النظام.
بينما بات الآن التطاول عليها والتجريح فيها “واجب وطني” يتسابق اليه كل قصير وطويل في الاعلام المصري! إلى الحد الذي أعادت فيه بعض المواقع المصرية بث فيديو قديم للملك “سلمان بن عبدالعزيز” يتحدث فيه عن أيام طفولته وكيف كان يصحبه والده الملك ” عبدالعزيز” مع أشقاءه إلى السوق ويدخل بهم إلى أحد المحال التجارية ليشتري لهم الحلوى “بالدين”، رغم كونه من العيلة الحاكمة، وأنه كان ينتظر موسم الحج لتناول بعض الأطعمة والمشروبات مثل “الأيس كريم” و “الكازوزه”، كمحاولة للنيل من المملكة السعودية بعد أن علق ” اياد مدني” أمين عام منظمة التعاون الإسلامي، على ثلاجة السيسي الخاوية من شيء سوى الماء لمدة عشر سنوات! وبعد أن أعلنت المملكة وقف إمداداتها البترولية لمصر إلى أجل غير معلوم!