يحسب بعض العوام والبسطاء جهلاً أن الدعوة للثورة مجرد ترفاً ورفاهيةً زائدة عن الحد ، أو لملء الفراغ الذي يعاني منه الثوار ، أو تفريغاً لشحنة غضب زائدة ، لكن الثورة في ظل هذه الظروف التي تمر بها مصر فضلاً عن المنطقة تمثل بنظري فريضة ملحة لا تحتمل التأجيل أو التسويف مهما كانت الحجج والمبررات من خلافات على شكل الاصطفاف أوماهية التلاحم والتوحد ، ذلك أن الثورات عادة ما تندلع بعفوية دون الحسابات الحزبية أو التنظيمية ، لأن الجماهير(غير المؤدلجة) المدفوعة بالتغيير هي الصانع الحقيقي للثورات ولا تهمها تلك الحسابات الحزبية الضيقة المعوقة لأي تحرك.
بعد أن أُغلقت كل الأبواب لم يتبقى خيار سوى باب الثورة والخروج لانتزاع الحقوق والحرية ، ومن ينتظر أن يمن عليه الطاغية بحريته وحقوقه ، فهو ساذج ، ومن ينتظر فرج الله دون عملٍ أو أخذٍ بالأسباب فهو متواكلٌ قاعدٌ عن العمل يريد قطف الثمرة دون عناء ، ولا هم له سوى لطم الخدود والجأر بالشكوى من سوء الحال والذي فاق كل الحدود.
الثورة ليست يأساً من سوء الواقع بقدر ما هي يأس من النظام الفاسد ، وإدراكاً لا لبس فيه بأن الله لا يُصلح عمل المفسدين ، وأن الفاسد لا يمكن بحالٍ من الأحوال أن يأتي على يديه أي اصلاح ، اللهم إلا سوى تجميل لقبحه ببعض المسكنات التخديرية خوفاً وطمعاً في تأجيل الانفجار القادم لا محالة ، والالتفاف على أي تحرك لثورة لن تُبقي ولن تذر.
كل يوم يمر على هذه البلاد يكلف أجيالاً قادمة لم تولد بعد أعباءً تنوء بحملها الجبال ، لذا فإن فاتورة القيام بثورة أقل بكثير من بقاء هذا النظام القمعي الفاسد جاثماً على صدر الوطن المنهك ، وأزعم أن بقاءه يمثل وبالاً على الأمة بأسرها ، وحجراً على الحاضر ، ومصادرة للمستقبل ، ويُصيب البلاد بداء استقرار الجسد الميت بمرور الوقت ، ويفرز أجيالاً مسخاً مائعة مقطوعة الصلة بدينها وربها نتيجة ترسيخ منظومة أخلاقية معوجة ومشوهة تستهدف العقول بأفكار منحرفة تخاصم دين الأمة وهويتها ، وتروج للعهر والفجور.
ينتظر البعض يوم 11 نوفمبر و25 يناير وهم رقودٌ على فراشهم وكأنه يوم الخلاص من كل مشكلات العصر ، وإن لم يحدث الخلاص فتباً للثورة والثوار ، ولا أمل في أي تغيير على الاطلاق! ، وكأن 11 نوفمبر و25 يناير ستغير الكون بمفردها دون رجال أوأحرار ، ذلك أن مقتضيات المرحلة الآن تفرض على الثورة الحاجة لمقاومين لا معارضين ، فقد مضى زمن المعارضة ، وحان وقت المقاومة.
الثورة يا سادة ليست مباراة كرة قدم محددة بوقت معين ستنتهي عند صفارة الحكم ، وإنما طريق طويل من المقاومة والكفاح والنضال المتواصل حتى نيل المطالب( والتي لم تكن بالتمني) ، المهم هو قرار الخروج والاصرار على مواصلة المقاومة ، والتعلم من تجربة الموجة الأولى للثورة في 25 يناير 2011 ، حيث أن الدرس الأهم المستفاد من الموجة الأولى أن رأس النظام(المخلوع مبارك) ليس هو المستهدف بقدر بقية الجسد الفاسد من مؤسسات فاسدة حتى النخاع خاضعة للدولة العميقة (التي أينعت) وحان قطافها.
11 نوفمبر أو 25 يناير القادم ماهي إلا جولة من جولات الصراع بين الحق والباطل وبداية وليست نهاية ، ولا نريدها ذكرى تمر كأي ذكرى سابقة ، لكن المهم أن تكون موجعة ومؤلمة للنظام وأجهزته ، وتخصم من رصيده الآخذ في النفاذ ، الأمر الذي يعجل بيوم الخلاص الكبير من هذا السجن الأكبر ، وتحرير مصر والأمة بأسرها من كابوس الحديد والنار الذي يحكمنا لأكثر من ستة عقود ، وليس المهم تحديد الساعة واليوم والتاريخ الذي يهب فيه الشعب ويخرج ، لكن الأهم هو الخروج ذاته حتى نثبت للطغاة أن جذوة الثورة لازالت حية في نفوس الأحرار وهذا أضعف الإيمان.