تشهد هذه الأيام تصاعد وتيرة الأحداث بين نظام السيسي ونقابة الصحفيين، خاصة بعد الحكم على نقيب الصحفيين وعضوي مجلس النقابة بعامين وكفالة 10 آلاف جنيه، بتهمة “إيواء مطلوبين أمنيًا”، ليكون ذلك أول حكم قضائي يصدر بحق نقيب للصحفيين، وتأتي تلك التداعيات على خلفية اقتحام قوات الأمن للنقابة في سابقة هي الأولى من نوعها، ما زاد من هُوة الخلاف بين النقابة والسيسي، ناهيك عن الانتهاكات بحق الصحفيين واعتقالهم على خلفية أرائهم السياسية.
وخلال 75 عاما من تاريخ انشاء النقابة، ظلت الصحافة صرحا قويا في وجه قمع الأنظمة الحاكمة التي تعاقبت علي حكم مصر بدايةً من حكم الملكية ونهايةً بحكم السيسي، حتي استحقت لقب “قلعة الاحتجاجات” عن جدارة.
– نرصد في هذا التقرير أبرز محطات الصحافة مع أنظمة الحكم المصرية:
التأسيس:
عد محاولات امتدت أكثر من عشر سنوات لتأسيس نقابة للصحفيين، تقدم رئيس الوزراء علي ماهر إلى مجلس النواب يوم 27 نوفمبر 1939، بمشروع إنشاء نقابة للصحفيين، وظل الأمر موضوعا للنقاش والجدل إلى أن صدر القانون رقم 10 لسنة 1941 يوم 31 مارس من نفس العام بإنشاء النقابة.
انعقدت أول جمعية عمومية يوم 5 ديسمبر 1941 بمحكمة مصر بباب الخلق وانتخبت مجلس النقابة الأول، والذي تكون من 12عضوا (ستة يمثلون أصحاب الصحف وستة من رؤساء التحرير والمحررين).
عهد الملكية :
واجهت الصحافة صدامًا في العهد الملكي، بسبب الرقابة علي الصحف خاصة مع الحرب العالمية الثانية، وتعددت حالات حبس الصحفيين وتقلصت صفحات الجريدة غلي 4 صفحات، ولكن مجلس النقابة واصل اجتماعاته، ولأول مرة يسمع صوت الصحافة تحت قبة البرلمان للمطالبة بتخفيف الرقابة على الصحف، ومعالجة أمر حبس الصحفيين، وعدم الاستغناء عن أي محرر مهما قل عدد صفحات الصحف، بحسب الجزيرة نت.
جمال عبد الناصر:
في فترة الجمهورية عقب ثورة 23 يوليو، كان مقر نقابة الصحفيين بسيطًا وصغيرًا، حسب حسين عبدالرازق، الكاتب الصحفي اليساري، أحد أعضاء النقابة في فترة الستينيات. وكان الطابق الأول للنقابة في ذلك الوقت يضم قاعة اجتماعات تسع لنحو 400 صحفي، فضلا عن حديقة كبيرة تحيط المقر، يستخدمها الصحفيون وأسرهم كمكان للاستجمام، وكمقر للاحتجاج للتعبير عن مطالبهم.
في فترة الخمسينيات من القرن العشرين، كان التأميم يشمل كل شئ حتى الصحافة، التي كانت تصدر عن الجهات الحكومية فقط، وفي عام 1954، حلّ مجلس قيادة الثورة مجلس نقابة الصحفيين، وفوّض وزير الإرشاد القومي، صلاح سالم، تشكيل لجنة تحل محلّ هذا المجلس بإدارة ضبّاط من مجلس قيادة الثورة وفي عام 1960، أمّم جمال عبدالناصر الصحافة، لتصبح أداة دعائية في يد النظام الحاكم تمجّد إنجازات الرئيس، ونجاحات النظام الاشتراكي، وسمي عهد “القبضة الحديدية”.
وشهدت النقابة معارك للدفاع عن الصحفيين خلال تلك الفترة، حيث تم اعتقال كل المخالفين لفكر عبدالناصر، واستمر الدفاع عن الزملاء المحبوسين في هذا العهد، حتى لو كان حبسهم على خلفية سياسية، بحسب هافنجتون بوست.
أنور السادات:
في أكتوبر 1970 شهد مقر نقابة الصحفيين احتجاجات مناهضة لمخططات السادات الرامية لتحويل النقابة إلى مجرد ناد اجتماعي للصحفيين، كما كان للنقابة موقف حاد ضد التطبيع مع إسرائيل عقب توقيع “اتفاقية كامب ديفد” فشهد المقر احتجاجات كبيرة.
وسرد كامل زهيري، نقيب الصحفيين ذلك الوقت جانبا من فترة السبعينيات من القرن الماضي: “في عامي 1971 و1972، قرر السادات إسقاط عضوية 101 صحفيًا من النقابة، وكنت واحدا منهم؛ لأننا لم نكن مشتركين في هيئة تتبعه، وخضنا في مقر النقابة معركة الانتخابات بنقيب هو عبد المنعم الصاوي أمام مرشح الحكومة، وقتها، حافظ أحمد، ونجح مرشحنا؛ وهو ما استفز السادات”.
واعتمد السادات توّجهاً أكثر انفتاحا مع الصحافة، إلا أن سياسته مع الإعلام شابها التناقض؛ فقد رفع بعض مظاهر الرقابة، وأبقى على سيطرة الحكومة على الإعلام، واستمر ذلك حتي انتفاضة يناير 1977
حسني مبارك:
بعد اغتيال السادات جاء المخلوع مبارك إلى الحكم وبدأ عهده بالافراج عن الصحفيين المعتقليين والسماح بدرجة بسيطة من الحرية للصحافة والصحفيين، فظهرت صحف جديدة حزبية مثل: جريدة الوفد والشعب والاهالي ثم ظهرت الصحف المستقلة.
ثم أصدر قانون الصحافة رقم 96 لسنة 1996 تشدد في تطبيق عقوبة الحبس للصحفيين في قضايا النشر، وتعرض الصحفيون للاعتقال وتعرضت الصحف أيضًا للإغلاق والمصادرة، فتم التحفظ على عدد من جريدة الأهالي صدر عقب تجديد انتخاب مبارك لفترة رئاسة ثانية وكذلك مصادرة عدد من جريدة صوت العرب لسان حال الناصريين ثم تم وقف إصدار الجريدة نهائيًا.
وتم إصدار قانون رقم 5 لسنة 1998 ليعطي لمجلس الوزراء الحق في رفض الترخيص للشركات المساهمة الصحفية وشركات الأقمار الصناعية، مع عدم جواز الطعن القضائي على قرار رفض الترخيص، وتم حبس العديد من الصحفيين والتنكيل بهم حتى وصل الأمر الي الاختفاء النهائي، لحين قيام ثوة يناير.
يقول قطب العربي، العضو السابق في “المجلس الأعلى للصحافة” في حديث للأناضول: “كان في النقابة قاعة رئيسية هي قاعة محمود عزمي، التي تحتضن المؤتمرات والجمعيات العمومية، وأشهرها الجمعية العمومية الطارئة ضد قانون الصحافة سيء السمعه رقم 93 لسنة 1995، والذي أصدره البرلمان، ووقعه مبارك رسميا، ونُشر في الجريدة الرسمية، لكن الصحفيون هاجوا ضده، وتمكنوا من إسقاطه في واقعة فريدة من نوعها؛ تم سن قانونًا جديدًا بدلا منه هو القانون 96 لسنة 1996، وأتشرف أنني كنت ضمن اللجنة التنظيمية لتلك الجمعية العمومية التي أسقطت ذلك القانون”
ويتابع “النقابة ظلت قلعة للاحتجاجات تدافع عن الحريات، وترفض أي تجاوز على حق الشعب في العدالة والحرية، وكان له دور كبير في ثورة يناير 2011”.
وكانت أبرز المشاهد، التي سجلتها عدسات الصحفيين، إبان ثورة يناير، مشهد سحل رجال الشرطة للصحفى، محمد عبد القدوس، رئيس لجنة الحريات في نقابة الصحفيين، أثناء مشاركته في احتجاجات عارمة ضد نظام مبارك أمام مقر نقابة الصحفيين في 26 يناير 2011.
محمد مرسي :
لم يدم حكم محمد مرسي إلا عام واحد، إلا أنه شهد أزهى عصور حرية الصحافة في تاريخ مصر، حسب معارضين له.
ونشرت صحيفة” الأهرام” في مطلع أبريل 2013، قال عمرو موسي إننا “لا ننكر أو نتجاهل أنه توجد مساحات حرية كبيرة بالإعلام، فالرئيس والحكومة يتم انتقادهما في جميع وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية بالإضافة للفيسبوك وتويتر، ومن غير الموضوعية القول بأنه لا توجد حرية تعبير بالشارع فالمظاهرات تنطلق في كل أرجاء مصر، والكل يعبر عن رأيه بحرية”، بحسب الجزيرة نت.
ونفى الكاتب الصحفي المصري الراحل، محمد حسنين هيكل، ما يتردد عن تقييد حرية الإعلام والإعلاميين في عهد مرسي، وقال: “مصر تعيش الآن أزهى عصور حرية الإعلام والصحافة بعهد الرئيس محمد مرسي؛ فالرئيس يُنتقد بشكل عنيف كل يوم بالفضائيات، وهو ما لم نعتده بعصور سابقة”.
وكان مقر نقابة الصحفيين، في عهد مرسي، مقرًا رئيسيا لاحتجاجات معارضة له، كما شهد تدشين حركة “تمرد”، التي دعت لعزله في ذكري مرور عام على حكمه.
السيسي:
تشهدت فترة رئاسة السيسي توترا في العلاقة بين نظامه وبين النقابة، فشهد مقر نقابة الصحفيين في عهد السيسي مظاهرات ضد حبس الصحفيين وتقييد الحريات.
وشهد سلم النقابة العديد من التظاهرات الخاصة بالعديد من القضايا مثل الانتهاكات ضد المعتقلين، وحبس الصحفيين، و تيران وصنافير .
ويوم الأحد 1 مايو 2016، قامت قوات الشرطة بمنع العمال من التظاهر صباحا من التظاهر علي درج النقابة، بالتزامن مع يوم العمال العالمي، وفي المساء اقتحمت مقر النقابة؛ لإلقاء القبض على اثنين من الصحفيين هما “عمرو بدر،ومحمود السقا”، اللذان كانا معتصمين هناك؛ احتجاجا على مداهمة قوات الأمن لمنزليهما بعد إصدار نيابة أمن الدولة العليا قرارا بضبطهما وإحضارهما، بتهمة “التحريض على التظاهر” في الاحتجاجات المتعلقة بجزيرتي “تيران وصنافير”
وتم اقتحام مقر النقابة من قبل قوات الأمن، وكانت سابقة تحدث للمرة الأولى منذ إنشائها؛ ما تسبب في موجة غضب عارمة في أوساط الصحفييين؛ خاصة أنه وقع قبل يومين فقط من”اليوم العالمي لحرية الصحافة”، وسمي ذلك اليوم ” الاحد الاسود”
وردًا على هذا الاقتحام، أعلنت نقابة الصحفيين المصرية بدء اعتصام مفتوح لأعضائها في مقرها؛ لحين إقالة وزير الداخلية، اللواء مجدي عبدالغفار، وتم نشر صورته “نيجاتيف” في الصحف احتجاجا علي تلك الانتهاكات في عهد الصحافة.
وتصاعدت وتيرة الانتهاكات ضد النقابة، بعد الحكم علي يحيي قلاش نقيب الصحفيين وعضوي المجلس خالد البلشي وجمال عبدالرحيم سنتين لكل منهم، وألزمتهم دفع كفالة 10 آلاف جنيه، في قضية اتهامهم “بإيواء هاربين مطلوبين أمنيا” داخل مقر النقابة.
ودعا مجلس نقابة الصحفيين إلي عقد جمعية عمومية عاجلة اليوم، بحضور أساتذة المهنة والنقباء وأعضاء مجلس النقابة السابقين وشباب الصحفيين، في الثانية من بعد ظهر اليوم؛ لمناقشة الاقتراحات حول تداعيات الأزمة الأخيرة على الكيان النقابي.
وأوضح المجلس، في بيان أصدره مساء أمس عقب اجتماعه برئاسة نقيب الصحفيين، يحيي قلاش، أن “لقاء الغد سيناقش أيضا سبل مواجهة القضايا الأساسية للصحفيين، وعلى رأسها، القانون الموحد لتنظيم الصحافة والإعلام، وتأثير القرارات الاقتصادية الأخيرة على المؤسسات الصحفية والأوضاع المعيشية للصحفيين”.