لكل إنسان الحق في حب قناة الجزيرة وسرد إسهاماتها بل ونقدها أو حتى كراهيتها
ويمكنني القول أنها الجزيرة جزء وسبب رئيسي في إقرار هذا الحق الإنساني في التعبير عن الرأي سلبا أو إيجابا في منطقتنا العربية التي ابتليت بأنظمة الحكم الإستبدادية طيلة عقود ماضية سبقت “الثورات العربية” وذلك وفقا لشعارها الذي تربت عليه أجيال والذي اتخذته لها مسارا “الرأي والرأي الآخر” و “الجزيرة منبر من لا منبر له” .
حتى وإن لم تعط الجزيرة الفرصة كاملة للرأي الآخر وحتى وإن خضعت أثناء مسيرتها العشرينية لمصالح أو ضغوطات سياسية أو سياسة تحريرية أو تحديات ولكنها في ذات الوقت قد أعطت الإنسان العربي ما لم يعطه له أحد آخر في وقت كان يغيب فيه من يتحدث وراء الشمس أو يتم تسكينه وقولبته ومسخ عقله وقلبه خلف الصوت الواحد والتليفزيون الواحد الذي من خالفه فقد صبأ ، يصبح خائنا عدوا للدولة والنظام والأمة .. والكائنات الفضائية جمعاء .
الجزيرة لها وعليها
فهي تجربة إنسانية بالمقام الأول والحقيقة أيضا أنها قناة أنشأتها دولة لها مصالح وطموحات والجزيرة هي إحدى أدواتها في تحقيق ذلك ككل دول العالم التي أنشات محطات وشبكات إعلامية تخدم أهدافها وتتحدث بلسانها وتخدم على رؤيتها السياسية والإقتصادية والإجتماعية .. الخ
وتتفاوت في إطار ذلك ما تبنى عليه تلك المحطات من قيم ومبادئ وما تتسم به من درجات الموضوعية والمصداقية التي يكون للمشاهد الحق الأكبر في تقييمها والتعلق بها أو تغيير المحطة بضغطة زر على جهاز التحكم عن بعد (الريموت كنترول)
أذكر هنا واقعتين عجيبتين :
الاولى : أنه أثناء اعتقالي في 21 مارس 2003 داخل مبنى أمن الدولة المعروف باللاظوغلي في القاهرة بعد إختطافي داخل إحدى السيارات المدرعة التابعة لمكافحة الشغب من محيط ميدان عبدالمنعم رياض أثناء اشتراكي مع أبي وأخواني في المظاهرات الغاضبة التي خرجت من الجامع الأزهر بعد صلاة الجمعة ضد العدوان والإحتلال الأمريكي البريطاني للعراق وكنت وقتها بالمرحلة الثانوية وأثناء احتجازي بذلك المبنى مع تغمية عيني لساعات في إنتظار دوري للتحقيق الذي هو في حقيقة الأمر تعذيبا كان الشئ الوحيد الذي يهون علي هو سماعي للأخبار من خلال أجهزة التلفاز المحيطة بنا داخل مكاتب وأروقة هذا المبنى اللعين والتي كان يأتي أثيرها عبر قناة الجزيرة وذلك بالرغم من الكراهية الشديدة لنظام مبارك وأجهزته الأمنية لهذه القناة بما تمثله من تهديد حقيقي لنظامه
فهو وإن كان يكرهها الا أنه يثق في أخبارها وقدرتها على تزويده بالمعلومة التي يحتاجها أكثر من ثقته في إعلام النظام الذي يحميه بالبطش والتعتيم ونشر الظلم والظلام
وقد ثبت ذلك عمليا بعد ذلك بتغطيتها الفريدة لأحداث ثورة 25 يناير بعدما حاول النظام التعتيم على جرائمه ضد المتظاهرين السلميين فضلا عن تغطيتها النوعية لتحركات المتظاهرين مما أعطى الكثيرين أملا وحافزا على المشاركة في فعاليات الثورة بعد ذلك ..
والثانية لا تختلف عن الاولى كثيرا فتتشابه فيها معظم العناصر الا فقط عنصر الزمن مع اختلافات طفيفة لكنها تؤكد ذاك المعنى وتثبت تلك الفكرة ،
فبعد اعتقالي مع مجموعة من الصحفيين في اليوم الثاني للثورة 26 يناير 2011 من امام نقابة الصحفيين وكان على رأسهم الأستاذ الصحفي محمد إحسان عبد القدوس بعد سحله بطول الشارع المواجه للنقابة احتجزنا يومها حتى صباح اليوم التالي بمعسكر الجبل الأحمر الخاص بالامن المركزي وكنت أعمل وقتها مصورا صحفيا (تحت التدريب) بجريدة الدستور
واستضافنا وقتها إحدى قيادات المعسكر من الضباط في مكتبه (كوننا صحفيين وكان يمارس عليه بعض الضغوط من قبل النقابة) وكانت الأحداث ساخنة وقد وصلت لهم الأوامر بعدم التصعيد مع الصحفيين وفوجئت به أيضا يتابع الأحداث المشتعلة يومها في محافظة السويس ومنطقة وسط البلد بالقاهرة من خلال قناة الجزيرة !
وأخيرا وهذا هو الأهم فمن يستصعب أمرا وأن يستطيل المسير الى هدفه أو يستبد اليأس بقلبه عليه أن يسأل نفسه هذا السؤال :
من كان يتخيل يوما قبل عشرين عاما أن يولد صرح فريد مثل هذا في دولة صغيرة المساحة نسبيا اسمها قطر يكون له كل هذا التأثير فضلا عن الحلفاء والأعداء والذي وقف بداخله الطاغية المخلوع مبارك يوما وقال في لهجة لم تخل من كراهية مبطنة مع اندهاش غريب : هي دي بقي علبة الكبريت اللي قالبة الدنيا ؟