(كيف يفرض إنسان سلطته على إنسان آخر يا ونستون؟ فكر ونستون ثم قال: بأن يجعله يعاني!) جورج أورويل 1984―
يحاول هذا المقال الإجابة على تساؤلين:
1- هل هناك أزمة حقا بين السيسي والسعودية؟؟
2- هل يمكن أن يؤدي هذا الخلاف إلى تخلي المملكة عن السيسي؟؟
قبل الإجابة عن هذين السؤالين؛ يجب النظر إلى الخلاف بين السعودية والسيسي في إطار العلاقة الخاصة التي تجمع بين الديكتاتوريات العربية التي دعمتها أميركا في المنطقة طيلة القرن الماضي، بجناحيها المتمثلين في الاستبداد الملكي (العروش) والاستبداد العسكري (الجيوش)، وهي العلاقة التي يصعب تغييرها، رغم أي خلاف بين الأشخاص!
وليس معنى أن هناك خلاف، أن هناك تغيير قيميا وأخلاقيا طرأ على أحد الطرفين! كل ماهنالك أن السعودية تستعرض أوراق ضغطها الاقتصادية على السيسي كي يتطابق مع أجندتها السياسية. وفي المقابل يهدد السيسي برد “سياسي” إذا توقف الدعم “الاقتصادي” السعودي. الواضح أن كلا النظامين يعاني اقتصاديا، وكلاهما ينتظر من الآخر أكثر مما يقدمه بالفعل، وكلاهما يحاول أن يجعل الآخر يعاني بنسبة، لبسط سيطرته عليه، وجعله ينفذ أجندته الخاصة!
1- هل هناك أزمة حقا بين السيسي والسعودية؟؟
لاشك أن هناك أزمة، فجملة الأحداث التي تسارعت خلال أيام معدودة لايمكن أن تكون جملة من المصادفات! والقاعدة تقول إذا أعطيت مجموعة قردة آلة كاتبة يمكنهم نقر بعض الكلمات عن طريق الخطأ لكن من المستحيل أن يقوموا بنظم قصيدة من الشعر!
والإعلام المصري لم ينظم قصيدة شعر واحدة بل قصائد عدة، وصلت إلى حد التهديد بتسليم مساجد آل البيت في مصر الفاطمية (مساجد الحسين والسيدة زينب والسيدة نفيسة…إلخ) إلى الشيعة الإيرانيين ليحجوا إليها كل عام (وهو العرض الذي تسرب تقديمه من قبل أحمدي نجاد إلى الرئيس مرسي ورفض)، وكذلك الحديث المتسارع عن تقارب عسكري مع الروس يصل إلى حد منحهم قواعد عسكرية في مصر!
أسباب الأزمة:
ومن السذاجة الاعتقاد أن سبب الأزمة بين مصر والسعودية هو تصويت مصر في مجلس الأمن لصالح مشروع القرار الروسي الذي لم توافق عليه سوى أربع دول فقط ولم يمر! سبب الأزمة أعمق من ذلك بلاشك!
يمكنني أن أفهم أن السعودية خدعت في موقف السيسي في اليمن، لكنها لايمكن أن تكون خدعت في موقفه من سوريا! فالسيسي وعدهم أن أمن الخليج من أمن مصر، وأن الجيش المصري ليس بينه وبين “الأشقاء في الخليج” إلا “مسافة السكة”، ثم باعهم وابتزهم في اليمن حين احتاجوه في عاصفة الحزم.
أما فيما يخص سوريا فلم يكن السيسي مخادعا على الإطلاق، بل كان واضحا منذ اليوم الأول للانقلاب! فقام على الفور بإعادة العلاقات مع النظام السوري بعد أن قطعها الرئيس محمد مرسي قبل الانقلاب، وإرسال صواريخ من الهيئة العربية للتصنيع لتدك منازل السوريين، وإعادة اعتراف الجامعة العربية بالنظام ممثلا للشعب السوري بدلا من المعارضة التي اعترفت بها القمة العربية 2013 في قطر!
فهل هذا أشد وطأة على السعودية والثورة السورية، أم رفع مندوب مصر في مجلس الأمن يده اليمنى للتصويت على مشروع قرار لم يمر؟؟
إن حديث السعودية عن صدمتها وغضبها من تصويت مصر لصالح مشروع القرار الروسي امتهان لذكاء المصريين، وانسياق بعض المثقفين والنخب وراء هذه الحجة كسبب في تغيير موقف السعودية من السيسي تأكيد بأن السعودية كان معها حق في امتهان ذكائهم!
أبعاد الأزمة:
هناك أزمة إذن، تتمثل أبعادها في تأخر إرسال شحنة المساعدات السعودية الخاصة بشهر أكتوبر، وسط تقارير عن بيع السيسي النفط السعودي المجاني بالدولار لأوربا. تبع ذلك عودة السفير السعودي إلى بلاده فجأة، وإزالة الحواجز الإسمنتية من أمام السفارة السعودية في الجيزة (مذكرا بمشهد اقتحام السفارة السعودية في طهران وقنصليتها في مشهد العام الماضي)، والأنباء التي تحدثت عن إغلاق قناة العربية مكتبها في القاهرة! فهل كل هذه الحوادث المتتابعة مجرد صدف؟؟
أسباب الخلاف بين السيسي والسعودية ليست سياسية إذن بالأساس، ولايمكن اختزالها في تصويت مجلس الأمن. كل ماهنالك أن السعودية في موقف اقتصادي صعب، ولايمكنها أن تدفع على المكشوف كما كانت تفعل في السابق، بينما النظام في مصر شبه منهار، ولا يتحمل توقف المساعدات الخليجدية السخية ولو بصورة جزئية!
2- هل يمكن أن يؤدي هذا الخلاف إلى تخلي المملكة عن السيسي؟؟
السعودية تنتظر دعما قويا من تركيا ومصر في مواجهة قانون جاستا، لكن التوفيق بين أضلاع المثلث غير ممكن، فلابد من الضغط على أحد الطرفين إذن، و من الطبيعي أن تلجا السعودية إلى الضغط على السيسي، لا أردوغان!
وأعود وأؤكد أن السعودية حاولت التوفيق بين السيسي وأردوغان، لكنها قوبلت بنفس الشروط التركية بضرورة الإفراج عن الرئيس مرسي ورفاقه قبل أي تحسن في العلاقات مع مصر، وقد رفضت السعودة سابقا هذه الشروط، لكنها مضطرة الآن للخيار بين تركيا ومصر، ويبدو أنها اختارت تركيا وعلنا!
لقد فهم النظام المصري مبكرا خطورة حوار الرئيس أردوغان لقناة روتانا خليجية السعودية، رغم أنه لم تكن قد صدرت من السعودية وقتها أية إشارات تجاه مصر. وسريعا ثبت صحة تخوفات النظام الانقلاي في مصر، من إن التوجه السعودي تجاه تركيا هذه المرة سيأتي على حساب العلاقة بين السعودية والانقلاب لا محالة!
ونعود للسؤال القائم؛ هل يمكن أن يؤدي هذا الخلاف إلى تخلي المملكة عن السيسي؟؟
السعودية تفهم أن عرشها بحاجة إلى الجيش المصري بقمعه واستبداده وعلاقته بإسرائيل، وليس بالسيسي كشخص، وإذا كان استمرار السيسي لا يخدم المملكة بالشكل الكافي، فيمكنها أن تقبل باستبداله في إطارالحفاظ على المؤسسة، أو ما يمكن تسميته بالتغيير الديكوري.
ولا مانع لدى السعودية أن يتم مع ذلك تغيير ديكوري أيضا في معسكر الشرعية بعودة شرفية لمرسي وخروجه من محبسه هو ورفاقه تنفيذا للرغبة التركية، لكن هذا لن يعني أن السعودية غيرت مواقفها ضد الثورة المصرية.
في المقابل فإنها تريد من الإخوان مقابل ذلك حزمة من الشروط الغربية وعلى رأسها فصل الدعوي عن السياسي والابتعاد عن السياسة لفترة والقبول بالتحالف مجددا مع شركاء الانقلاب مع العلمانيين (المعارضة المرضي عنها أميركيا)، وكل ما يحدث لنظام الانقلاب من أزمات يعجل فيما يبدو من توجه السعودية نحو هذا السيناريو، وسط تخوفات غربية من سياسات السيسي الاقتصادية التي قد تؤدي إلى انفجار يخشى الغرب من عواقبه المتمثلة في قوافل اللاجئين إليه!
وكما تصطدم السعودية بتشدد من السيسي فإنها تواجه صلابة من الإخوان في قبول العروض التي تهدف للالتفاف على الثورة واحتواء الإخوان، وكما اضطرت السعودية إلى الاختيار بين الضغط على أردوغان أو الضغط على السيسي، فإن عليها فيما يبدو أن تختار مجددا بين الضغط على السيسي أو الضغط على الإخوان!
صفحة الكاتب على فيسبوك: Dr. Ahmed Nassar – د. أحمد نصار