شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

قصة شقة الزمالك التي فضحت هزائم العسكر – رضا حمودة

قصة شقة الزمالك التي فضحت هزائم العسكر – رضا حمودة
في أواخر شهر مايو 1967 وقبيل نكسة 5 يونيو بأيام.. وبينما كانت صحف القاهرة تنشر بالخطوط العريضة الضخمة عن حشد الجيش المصري في سيناء ، وعن الاستعدادات الهائلة للحرب ، وعن الخطط الذى وضعناها لكسب المعركة.

في أواخر شهر مايو 1967 وقبيل نكسة 5 يونيو بأيام.. وبينما كانت صحف القاهرة تنشر بالخطوط العريضة الضخمة عن حشد الجيش المصري في سيناء ، وعن الاستعدادات الهائلة للحرب ، وعن الخطط الذى وضعناها لكسب المعركة.. استدعى مأمور سجن ليمان طره الكاتب الصحفي الكبير مصطفى أمين(المسجون آنذاك على ذمة قضية تخابر مع الولايات المتحدة الأمريكية قيل أن محمد حسنين هيكل هو الذى وشى به) على عجل كما قال”أمين” في مذكراته.. وجاء “النوبتجى” الذى يحمل الإشارة يتعجله لأن الأمر هام وسريع.. فأسرع “أمين” إلى مكتب المأمور، فأجلسه على مقعد، وناوله ورقة وهو يقول:

-هذه ورقة من رئاسة الجمهورية. والمطلوب منك أن توقعها فوراً..

وناوله المأمور الورقة . ويقول مصطفى أمين.. ذهلت.إنها ورقة مكتوب عليها “أنا الموقع على هذا مصطفى أمين يوسف: أقر وأعترف بأنني تنازلت عن شقتي رقم 62 بالطابق السادس بعمارة وديع سعد 8 شارع صلاح الدين بالزمالك ، بكل ما فيها من أثاث. وهذا إقرار مني بذلك…” وسأله أمين في عجب: ما هذا؟ فقال المأمور: رئاسة الجمهورية تطلب منك أن توقع هذا. فقال مصطفى أمين: أنا أقيم في هذه الشقة منذ عام 1949 ، وأدفع إيجارها بانتظام ، فكيف أتنازل عنها؟!

قال المأمور:هذه هي الأوامر فرد أمين ،  ولكني لن أوقع ! ، فقال المأمور: أنصحك أن توقع حتى لا تغضب رئاسة الجمهورية ، فقال مصطفى أمين: وماذا تستطيع رئاسة الجمهورية أن تفعل أكثر مما فعلت؟! فأنا محكوم علىّ بالأشغال الشاقة المؤبدة!

قال المأمور: إن أحد كبار ضباط الجيش تفرّج على شقتك، وأعجب بها.

فقال مصطفى أمين: وكيف يدخل شقتي وهي مغلقة ومفتاحها معي؟! فرد المأمور: ليس من حقك أن تسأل هذا السؤال.

فقال أمين : كيف لا يكون من حقي وهذا بيتي؟ فرد المأمور: أنت الآن تعارض في قرار جمهوري!

فقال مصطفى أمين للمأمور: أعطني الورقة فأعطاه وكتب عليها بخط يده نصا ” أرفض أن أتنازل عن شقتي ، وأنا في  دهشة أن أقرأ في الصحف أن الجيش المصري يحتشد للاستيلاء على إسرائيل ، وأجد أحد كبار ضباط الجيش المصري يحتشد للاستيلاء على شقتي! ، وبدلا من أن يكون الآن في غرفة العمليات في سيناء يضع الخطط للاستيلاء على إسرائيل أجده في شقتي في الزمالك يضع الخطط للاستيلاء عليها…” ، ووقعت على الورقة بإمضائي وسلمتها للمأمور وعدت إلى زنزانتي وأنا قليل الثقة(هكذا يقول مصطفى أمين) بما سوف تحققه قيادة الجيش المصري في إسرائيل مادامت مشغولة في  الوقت نفسه بأمر أكثر أهمية ، وهو الاستيلاء على شقة مواطن ، مسجون في السجن ، مقيد الحركة ، لا يستطيع أن يقاوم ” الغزاة ” الذين أخطأوا في معرفة عنوان ميدان القتال! وقلت في نفسي ، إنه من غير المعقول أن يحدث لي وحدي هذا الذى حدث.

إن معي في السجن ألوفاً من المسجونين السياسيين والمعتقلين السياسيين ، ولابد أن كثيرا من بيوتهم قد اقتحمت ، باعتبارها ” قلاع الأعداء” ، ولابد أن بعضهم اضطر للتوقيع تحت الضغط والوعيد والإرهاب. واستنتجت( هكذا يقول مصطفى أمين) من هذا العبث الذي حدث معي ، أنه دليل على أن ما يُقال عن الاستعداد للهجوم على إسرائيل هو كلام يُقال للاستهلاك المحلي. وأن الغرض منه انتهاز هذه الفرصة للاستيلاء على شقق الناس وبيوتهم باسم المعركة ، والقبض على خصوم أصحاب مراكز القوى بحجة حماية أمن الدولة في أثناء القتال”. انتهى كلام الكاتب الكبير مصطفى أمين عن مأساته التي هى جزء لا يتجزأ من مأساة وطن ارتهنت إرادته لدى فئة من الضباط المنتفعين.

ومرت الأيام وكانت الكارثة المروعة وكانت الهزيمة الأسوأ في التاريخ ،لأنه ببساطة لم نحارب ولم نُختبر فعلياً على  أرض المعركة اللهم إلا من الخطب الحنجورية الاستعراضية الجوفاء ومانشيتات الصحف وبيانات الإذاعة التى تعلن النصر المؤزر على العدو واسقاطنا عشرات الطائرات وزحف قواتنا نحو” تل أبيب ” ، بينما تم ضرب أهدافنا وطائراتنا على الأرض قبل أن تقلع وكان بإمكان العدو دخول القاهرة دون مقاومة تذكر، وانسحب جنودنا تاركين وراءهم غنيمة لعدونا ذخيرة و سلاح لم يُطلقوا به رصاصة واحدة تجاه العدو ، حيث لم يكن لدينا بندقية واحدة من القناة حتى القاهرة نتيجة لرعونة قادتنا وحكامنا وانشغالهم بالتنكيل بخصومهم ، وتوزيع المناصب واقتسام الغنائم ، وفرض الحراسات على الممتلكات والأموال لمجرد رفض سيدة الزواج من أحد الضباط ، وارتهان أمة كبيرة كمصر بكل مواردها رهينة للعسكر نتيجة انغماسهم في السياسة والاقتصاد في الوقت الذي انسحبوا من ميدانهم الحقيقي وهو قتال العدو.. فكيف يتأتّى النصر بينما نقرأ في صحف جمال عبد الناصر أن “أم كلثوم” ستغني في تل أبيب أول يوم خميس في الشهر القادم (أى شهر يونيو النكسة)؟!، وكيف يتأتى النصر على أيدي قادة عسكريين مشغولين بشؤون أندية كرة القدم وبحث أمر لاعب أو مدرب (عبد الحكيم عامر رئيس نادى الزمالك والفريق عبد المحسن مرتجى رئيساً للنادى الأهلي والفريق صدقي محمود ريئساً لنادى الطيران وغيرهم)؟! ، وكيف يتأتى النصر وعبد الناصر مشغول بالتوفيق بين محمد عبد الوهاب وأم كلثوم في عمل غنائي مشترك؟!

فلم يحدث في أي بلد فى العالم (حسبما يقول مصطفى أمين) أن رأس قادة الجيوش جميعاً أندية كرة القدم ، والعجيب أن جمهورية الضباط التى تحكمنا منذ أكثر من 60عاماً ما زالت تحمكنا بنفس الآليات وطريقة التفكير القديمة (فكر الستينيات العقيم) وكأن المجتمع لم يتغير، فضلاً عن الظروف الإقليمية والدولية أيضاً ، علاوة على تغير المزاج العام بحيث تنطلي على الأجيال الحالية مثل تلك المسرحيات الهزلية والألاعيب البالية المضحكة ما يجعلنا نستشرف المستقبل ونتوقع مزيداً من الهزائم والانتكاسات الأخلاقية والسياسية كنتيجة طبيعية لمقدمات من الكذب والتدليس وسوء الإدارة والإجرام في التعامل مع الشعب وإقصاءه تماماً من معادلة الحكم والمشاركة والنظر إليه كرقم يجب الانتفاع من وراءه.

نفس الاستخفاف بعقول الناس على افتراض أنهم بُلهاء بالفطرة ، وكأنّ التاريخ يعيد نفسه مع اختلاف الشخوص ، والواقع الكئيب يفرض نفسه بشدة وكأننا لم نتعلم شيئاً من دروس الماضى الماثل أمامنا بكافة تفاصيله ، فالواقع التاريخي العملي أثبت أن الجيش الذي يحكم لا يحارب(كما قال جمال حمدان) ، والمؤسسة العسكرية التي تصنع الكعك والمكرونة بدلاً من تطوير قدراتها الدفاعية والتفرغ للإنتاج الحربي ، لا تستطيع أن تدافع عن حدود الوطن ، وستسقط في أول اختبار حقيقي على الأرض!

 



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023