شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

كم فارسا يمكن أن يتحمل ظهر الحصان؟؟ – أحمد نصار

كم فارسا يمكن أن يتحمل ظهر الحصان؟؟ – أحمد نصار
كان الانقلاب العسكري الذي قاده السيسي منذ ثلاث سنوات محل ترحيب دول عدة، بسبب مواقف الرئيس مرسي الواضحة التي تتعارض مباشرة مع سياسات هذه الدول. وكان رأس مال السيسي في مخاطبة هذه الدول أنه سيمنع مصر من السير قدما

كم فارسا يمكن أن يتحمل ظهر الحصان؟؟

(إن الوعد الذي قُطع كان من ضرورات الماضي، وخيانة هذا الوعد الآن من ضرورات الحاضر) “ميكافيللي”

كان الانقلاب العسكري الذي قاده السيسي منذ ثلاث سنوات محل ترحيب دول عدة، بسبب مواقف الرئيس مرسي الواضحة التي تتعارض مباشرة مع سياسات هذه الدول. وكان رأس مال السيسي في مخاطبة هذه الدول أنه سيمنع مصر من السير قدما في هذه السياسات.

لكن هل يمكن للسيسي أن يخدم كل هذه المشاريع المختلفة في ذات الوقت، حتى لو لعب على كل الحبال وصوت لمشروعين متناقضين في مجلس الأمن،؟؟ للحظات؛ بدا أنه بإمكان الحصان أن يحمل كل اللاعبين الإقليميين والدوليين فوق ظهره، لكن الحصان يبدو أنه في أمتاره الأخيرة، ولا يستطيع أن يحمل كل هؤلاء فوق ظهره، فتساقطوا تباعا وبشكل سريع من فوقه، وبقي فارس واحد فقط فوق ظهر هذا الحصان. لكن فارسا واحد فيما يبدو لايكفي لنجاح هذا الحصان في ذلك السباق الطويل!

***

  1. حصان واحد رغب في امتطائه الكثيرون:

بانتهازية شديدة، وبطمع غير محدود، وبحكم عمله في الاستخبارات العسكرية لفترة طويلة، وعلاقته الخاصة بأميركا وعلاقته الحميمة بإسرائيل، وعمله السابق في دول الخليج، أدرك السيسي أن مواقف الرئيس مرسي لا ترضي الكثيريين، وأنهم سيرحبون بأي انقلاب عسكري يقوده السيسي عليه في مصر.

الخليج: 
كان غير مرحب بأي ديمقراطية في مصر، تهدد عروشه المستبدة، ولاسيما تلك الديمقراطية التي تأتي بالإخوان إلى سدة الحكم، وهي الجماعة السّنية الكبرى التي تراها السعودية فيها منافستها الرئيسية على زعامة العالم السني.

إيران:
كانت منزعجة من وجود الرئيس مرسي، الذي ترحم على الصحابة في قلب طهران، وجعل القضية السورية على أولوية اهتماماته، وصرح في مؤتمر جماهيري أنه لا مكان ولا مجال لحزب الله في سوريا. وقد بلغني أن الشيعة في المنطقة الشرقية في السعودية قاموا بتوزيع الحلوى عقب الانقلاب العسكري على الرئيس مرسي.

إسرائيل:
كانت لا تنام بشكل جيد أثناء حكم الرئيس مرسي، حسب الكثير من التصريحات التي خرجت من مسؤولين إسرائيليين. فمرسي تجنب ذكر “إسرائيل” في جميع خطاباته، و أعلن أنه لن يترك غزة وحدها، وأرسل رئيس وزرائه إلى القطاع أثناء العدوان الإسرائيلي، وحصلت المقاومة الفلسطينية على كميات كبيرة من السلاح في العام الذي حكمه.

أميركا:
كانت ترى في الرئيس مرسي الرجل الذي يحقق لمصر الاستقلال الحقيقي، والخروج من الهيمنة الأميركية، وقابل جميع طلبات أميركا بالتوقف عن زراعة القمح المصري بالتجاهل، وجميع الاقتراحات بالتقاء رئيس وزراء الكيان الصهيوني أو الاتصال به بالرفض.

إثيوبيا:
حتى إثيوبيا كانت مرعوبة من تصريحات الرئيس مرسي حول تمسكه بحقوق مصر التاريخية في مياه النيل، وأن أي قطرة تنقص من النيل فإن الدماء هي البديل (الحرب).

كان الانقلاب على الرئيس مرسي إذن محل ترحيب من جميع هذه الدول، بسبب مواقف الرئيس مرسي الواضحة، وكان رأس مال السيسي في مخاطبة هذه الدول أنه سيمنع مصر من السير قدما في هذه السياسات. لقد بحث السيسي عمن يشتري خيانته بثمن بخس وهو تأييد انقلابه، فوجد الكثيرين الذين يعرفون قيمة مصر وقدرها أكثر من السيسي وعصابته!

لكن هل كان بإمكان حميع هذه الدول أن تمتطي ظهر ذات الحصان وتراهن عليه؟؟ للأسف؛ فإن الحصان لا يستطيع أن يحمل كل هؤلاء الفوارس على ظهره!

***

  1. الحصان لا يتحمل كل هؤلاء على ظهره!

لكن بعد الانقلاب بفترة بدأت هذه الدول تطلب من مصر سياسات متعارضة. فما تنتظره السعودية من مصر في اليمن وسوريا، يختلف عما تريده روسيا وإيران من مصر في ذات الملفين!

وشيئا فشيئا بدأت تدرك هذه الدول أن الحصان لا يتحملهم جميعا على ظهره، وأن السيسي يلعب على كل الحبال، متبعا نصيحة ميكافيللي التي يقول فيها: “من يريد النجاح طول الوقت عليه أن يطور من سلوكه بمرور الوقت”. لكنه لا يمكنه إرضاءهم جميعا في ذات الوقت.

وبالفعل طور السيسي سلوكه، من “مسافة السكة” إلى التلكؤ في مساعدة السعودية في اليمن، إلى الوقوف بجانب النظام السوري في الجامعة العربية، ومؤخرا في مجلس الأمن، إلى التقارب الشديد مع روسيا والتهديد بمنحها قواعد عسكرية في مصر بعد أن خرجت منها في سبعينيات القرن الماضي!

وإذا اتفقنا أن تشريح الانقلاب في مصر عبارة عن “عقل وقلب وأطراف”، وأن العقل المدبر هو الغرب، والقلب هو الخليج الذي يمول هذا الانقلاب، والأطراف هم العسكر، فإن القلب بدأ يخرج من الخدمة، بالأزمات القاتصادية التي بدأت تضرب السعودية وبقية دول الخليج جدراء انهيار سعر النفط، ثم إقرار الكونجرس قانون جاستا.

والعقل المدبر للانقلاب بدأ يخشى من استمرار السيسي في حكم مصر، لأنه بات متأكدا أن استمرار السيسي يعني انهيارا أو انفجارا! وهو وضع لا يمكن أن يسمح به الغرب، ليس حباً في هذا البلد، ولكن ببساطة لأن أوروبا لا يمكنها أن تحتمل مأساة جديدة للاجئين من مصر، التي يبلغ تعداد سكانها خمس مرات تعداد سوريا، وأكثر من نصفها شباب يريدون الهجرة، حتى بدون حرب أهلية! (تخيل آلاف القوارب مثل قارب رشيد، وتركيز الإعلام الأوربي على الحادثة بفزع)

باختصار، أدركت الدول الداعمة للسيسي منذ فترة أنه يتبع سياسات متناقضة، لكنه كان يماطل ويتذرع ويتحجج بذرائع وحجج واهية، ويؤكد لهم في كل مرة أنه يسعى لإرضاء الجميع، وأن هذه ضرورات السياسة المقيتة، وأن البديل له ولنظامه هو عودة الإخوان الذين يسحققون الاستقلال لمصر وسيضرون بمصالح هذه الدول، فكانت ترضى هذه الدول وتصمت على مساوئه، حتى باتت تعتقد أن استمراره مكلف للغاية، وخطر للغاية أيضا!

***

  1. فارس واحد بقي على ظهر الحصان!

لكن كما يقول ميكافيللي أيضا فإن من يخدع الناس يبحث دائما عمن يسمح لنفسه بأن ينخدع، “…he who seeks to deceive will always find someone who will allow himself to be deceived” أو كما يقول المثل في مصر “النصاب عايز طماع”.

وقد انخدع الخليج طويلا في السيسي، أو تغاضى عن خداعه لهم، خوفا من عودة الإخوان، وكان الملك السعودي عبد الله – حسبما نقل ديفيد هيرست في مقاله الأخير “السيسي رجل ميت يمشي على الأرض” Dead man walking – يسأل الرئيس أردوغان حين يتحدث معه عن فظائع الانقلاب في مصر: “جد لي البديل”.

من جهته أدرك السيسي أن حيله لم تنعد تنطلي على الخليج، وأن السعودية تحديدا تواجه من الصعوبات الاقتصادية ما يجعلها غير قادرة على دعم السيسي حتى وإن أرادت!

وقد بدأت أمارات ذلك في منح السيسي قروض وليس منح في المؤتمر الاقتصادي عقب تولي سلمان الحكم، وعدم إرسال شحنة أكتوبر من المساعدات النفطية. قلت سابقا أن السيسي لا يستطيع الاستمرار بدون الخليج 3 أشهر، بينما أكد وزير الخارجية التركي مولود شاويش أوغلو أن مصر لا يمكنها الحياة بدون المساعدات الخليجية أسبوعا واحدا، فمن ياترى أقرب للصواب؟؟

من جهة ثالثة فإن السيسي رأى بأم عينه الروس والشيعة يتمسكون بعملائهم، ويدافعون عنهم حتى الرمق الأخير! لقد أدرك السيسي أنه صار غير مهم بشكل كبير في الوقت الحالي للسعودية والغرب، وربما صار عبئا عليهم، لكن أمامه فرصة في التقرب من روسيا وإيران الذين يحتاجونه بشدة!

فروسيا؛ يريد بوتين إعادة أمجادها الإمبراطورية إلى سابق عهدها، وعلى رأس هذه الأمجاد “حقها في أن تكون قوية”. وقوة روسيا كما صرح بوتين منذ أيام أمام في مجلس الدوما تكمن بشكل رئيسي في قوتها العسكرية التي يريد بوتين إعادة بناءها في الدول التي طردها منهم الأمريكان في نهاية الحرب الباردة.

 

لذا ظهر الحديث الآن عن قاعدة روسية دائمة في طرطوس السورية، ، وقاعدة روسية ثانية في سيدي براني في شمال مصر، مما يعزز الوجود الروسي في البحر المتوسط لأهداف عدة استراتيجية أهمها تطويق تركيا! بوتين مصر على إعادة روسيا من قوة إقليمية إلى قوى عظمى، ويرى تراجعا أميركيا في المنطقة يريد استغلاله!

باتت مصر تصوت لصالح القرار الروسي في مجلس الأمن، رغم علم الجميع أن القانون لن يمر على أي حال بسبب فيتو ثلاثي من أميركا وبريطانيا وفرنسا، لكنه إشارة إلى إعادة التموضع في مواقف مصر الدولية، وإلى الفارس الوحيد الذي بقي متطيا ظهر السيسي!

إن حضور مصر مؤتمر الشيشان رغم اعتراض السعودية، وتصويتها لصالح المشروع الروسي رغم صدمة السعودية، وإعادة اعترافها ببشار الأسد ممثلا للشعب السوري رغم صدمة السعودية، لدليل على فشل رهان السعودية على السيسي، وعلى التحولات التي طرأت على علاقة السيسي بالسعودية!

ومن ناحة أخرى فإن شراء مصر القمح الفاسد من روسيا، ووقيامها بمناورات مع الجيش الروسي قريبا، وقبولها من حيث المبدأ التفاوض مع الروس حول استئجارهم قواعد عسكرية في مصر، لدليل على أن السيسي لم يعد أمامه إلا روسيا ليراهن عليها.

فهل يقبل داعمو السيسي السابقون بأن يغير السيسي قواعد اللعبة الدولية، ويمنح لروسيا موطئ قدم جديد في مصر، مستغلا اشغال الأمريكان في انتخابات الرئاسة الأميركية، وعجز السعودية عن التحرك بفعالية كما في الماضي بعد أزماتها المتتابعة؟؟ لا اعتقد!

***
المصادر:

1- بالدليل: إسرائيل طالبت الجيش بالانقلاب! (عربي21)
https://goo.gl/EjuOl6

2- تشريح الانقلاب في مصر إلى عقل وقلب وأطراف: (هفنجتون بوست عربي)
https://goo.gl/NHe7NL

3- السيسي طرح نفسه مدافعا عن مصالح الغرب في مصر؛ وحكومة الانقلاب تسلم وثائق إلى الحكومة البريطانية تثبت قيام الإخوان بعلمليات فدائية ضد قواتها لإجبارها على الجلاء في الخمسينيات!
https://goo.gl/dLkjRS

4- أرامكو تبلغ مصر بالتوقف عن إمدادها بالمواد البترولية (العربية):
https://goo.gl/am2B8M

5- مصر تتفاوض مع روسيا لمنحها قاعدة جوية (وكالة سبوتنيك الرسمية الروسية) ، الخبر كان مزلزلا، وقد نفت القاهرة تحت الضغوط:
https://goo.gl/YYhNaV

 

صفحة د. أحمد نصار على الفيسبوك: Dr. Ahmed Nassar – د. أحمد نصار

 



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023