“من يشترى مصر؟!” تلك الجملة العبقرية التي استخدمها فاروق جويدة في مسرحيته الشعرية الشهيرة “الخديوي”، تكاثرت الديون، فقرت مصر وحملت فوق طاقتها، و نهبها كل لص، فكانت النتيجة هي عرض مصر في مزاد للبيع، لتنتهى المسرحية على جملة “مصر العظيمة لن تباع”، فهي تتحدث بشكل أساسى عن محاولة الخديوي إسماعيل التشبه بالغرب، وطلب معونتهم ومساعدتهم، فما كان منهم إلا أن سقط في غياهب أحلامه، المسرحية تحمل معاني عظيمة وجمل أعظم توضح مدى عداوة صديقنا جويدة لمفهوم العصرنه أو ما يعرف بالحداثة .
مفهوم الحداثة هو مفهوم غربى يتحدث عن النهضة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية والعلمية و خاصة بعد ثورة مارتن لوثر على الكنيسة فيما يعرفه الكثيرون باسم الثورة اللوثرية، تغيرت فيه وجه أوروبا على أربعة محاور:
أولهم تغير فكري، فقد استطاع الإنسان الخروج من حالة الوصايا التي قد تؤدي لقتله أو سجنه إلى حالة الإبداع والإنتاج.
ثانيهم تغير اجتماعى، فبدأ الحديث عن العدالة الاجتماعية ورفض الطبقية والإقطاعية، وبداية ظهور الثورات التي تطالب بتغيرات إجتماعية في الأصل كالثورة الفرنسية.
ثالث تلك التغيرات هى التغيرات الاقتصادية و بداية المعركة الكاذبة بين الرأسمالية و الإشتراكية .
رابع التغيرات هي التغيرات السياسية والتي مرت بثلاثة مراحل، أولهم مرحلة الديكتاتورية أو ما يسميه البعض بالمرحلة الميكافيللية التى احتضنتها الممالك الأوربية، وثانى تلك المراحل هي المرحلة الفلسفية الثورية والتي اعتمدت عليها الثورة الفرنسية بشكل أساسي، و ثالث تلك المراحل هي مرحلة الدولة المنظمة ذات الشكل الرأسمالي أو الشيوعي بمفهومها الحداثي.
هذا ما يحاول الغرب تصويره لنا، وما يحاول تجار الثقافة عندنا نقله، أو ما نستطيع أن نقول عنه الوجه الجميل في الحداثة وهو نفسه ما حاول الخديوي الحصول عليه في أول الأمر، الحداثة التي قامت على نهب مجتمعنا الإسلامى في الأصل وتقسيمه، يحاول مجتمعنا الأخذ بها، فكيف يتم هذا بالعقل قبل القول بأن هناك نظام حقيقي يمكن أن يجعل من مجتمعنا مجتمع متطور قائد مرة ثانية.
الغرب الذي يحارب مفهوم الحداثة الأن بما يسمى “ما بعد الحداثة”، ومن المعروف مهاجمة الكثيرين من الفلاسفة والأدباء الغربيين لمفهوم الحداثة، يحاول مثقفو العرب نقله إلينا على أنه المنقذ لنا.
الغريب في الأمر محاولة بعض المعاصرين من العرب والإسلاميين جذب هذه النظرية التي أثبتت فشلها وسقوطها منذ أكثر من قرنين، لا أعلم هل هذه المحاولة عن جهل أم غباء، أم قصد لسقوط استيقاظ هذه الأمة ومحاولة لإطفاء شعلة نشاط شبابها، فلن تباع مصر ولن تسقط الأمة ولن تنطفىء شعلة نشاط شبابها.
أمراض الحداثة التي نهشت في جسد الأمة وقسمت المجتمع لا يمكن أن تبقى أو تنقذ مجتمعنا، وأي تصور لا يكون ناتجا من أرض مجتمعنا، نابعا من أفكار أمتنا، مبنيا بسواعد شبابنا لن ينجح ولن يبقى وستنحرف به الأمة وستسقط إلى الهاوية.